بازگشت

الإمام الصادق


انها الدراسة الأخيرة التي قام بها الإمام موسي متهللا بما حققه ابوه الصادق من جهد وسيع يبشر الأمة بانتظار يومها الآتي بانتصار الوعي، و نشر الوية اليقين!!! يا للانتظار كيف يهدهده الكافرون!!!

انه الإمام السادس في الدائرة الإمامية الاثنتي عشرية في التخطيط النبوي الشريف، ليكون الثالث في الإمامة الزين عابدينية المركزة علي محو الجهل من الأمة، بواسطة العلم الوسيع الموجه، و هكذا رأينا الإمام زين العابدين يفتح بوابة المسجد في يثرب، ليكون المسجد مدرسة - هو الإمام - أول معلم فيها، و بين يديه ابنه الصغير محمد الباقر، كأول تلميذ تربع علي طراريحها - ثم ليكون هذا التلميذ أول بحاثة عن مصادر العلوم، و راح - طوال حياته - يجمع لها الكتب العلمية من كافة المصادر، أكانت في الجوار - كالشام مثلا، أو في سوريا، أو القاهرة في مصر، أو جنديسابور في ايران، ام في الاقطار البعيدة، كايطاليا في أوروبا، أو في الشرق البعيد - كالصين، و الهند و ما أشبه.

و صارت المدرسة جامعة في أواخر أيام منشئها، بفضل الكتب المستوردة اليها، و هي الوسيعة في مضامينها: التاريخية، و الجغرافية، و الفيزيائية، و الكيميائية، و الاقتصادية، و العلمية - الطبية - الفكرية، و الفلسفية... و كان - هو ذاته - الجامعها، يدرسها، و يفتق معاليمها، ثم يعمل - وحده - علي تدريسها، و ليس معه من معاون، إلا تلميذ واحد هو



[ صفحه 58]



ابنه جعفر، ثم، بعد ان بلغ - جعفر - رشده في استيعابه مضامين هذه الكتب، انفتل من تلميذ إلي استاذ مع ابيه، يهتم في معاونته بتلقين الطلاب المتوافيدن إلي الجامعة، و قد أصبح عددهم في حدود الأربعة آلاف طالب.

صحيح ان للإمام زين العابدين أولية التأسيس لمدرسة ابتدائية، توسعت إلي جامعة علمية مع ابنه الباقر الموفد إلي كل قطر فيه كتاب، لأغناء الجامعة به، و لكن الحفيد جعفر - بدوره - قد اشترك - باكرا - بعملية التأسيس، مرافقا جده لمدة عشر سنوات، ثم أباه لمدة عشر سنوات أخري، بحيث كان له مع الاثنين جهد نفيس ضمه اليهما، بمران و اقتباس، جعلاه يقفز قفزات واسعة و سريعة بنقل الجامعة من مستوي عادي، إلي مرتبة علمية غنية، لم يتمتع الشرق بمثلها منذ زمن بعيد... و لكن الجامعة - علي عهد ابيه الباقر - ما كان لها، في ازدهارها المدهش، إلا استاذ واحد يضطلع بكل المهام فيها: من جمع الكتب النفيسة اليها، و تفتيقها من مضامينها، ثم تلقينها للطلاب بما أمكن من الشرح و التفسير... انه - وحده - الباقر، و ان يكن فتاه جعفر قد بدأ نجمه يظهر، مبشرا باستاذ جديد، ستتوسع - به - ردهات الجامعة!

و لكن الباقر - ما كاد يطويه الغياب، و يتسلم مكانه ابنه جعفر، حتي رأينا الجامعة - و هي تقطف ثمار الجهد الباقري - لا يتنقل استاذ واحد فيها، من منبر إلي منبر، حتي يلقي درسا خاصا - مثلا - في مادة الحساب، أو في مادة الجغرافيا، أو التاريخ، أو اللغة، أو الفلسفة، أو الفقه، أو علم الاجتماع... [و المواد العلمية كانت قد وصلت و قتذاك، في الجامعة إلي حدود العشرة] بل اصبح للجامعة في عهد الإمام جعفر، عشرة اساتذة يعتلون عشرة منابر، للشرح و التفسير، و التلقين المتين، و من أجلهم في البيان. الإمام جعفر.



[ صفحه 59]



لقد أثمرت كل الجهود الباقرية التي ملأت الجامعة باربعة الاف من الطلاب الذين اختارت منهم الجامعة عشرة أساتذة يتمكنون من اعتلاء منابرها في التعليم، و لسانهم واحد في شكر المؤسس العظيم الإمام زين العابدين!

اتراها الآن - بعد ما يقارب السبعة عقود - قد بدأت تهرول إل اندحار - جحافل الجهل - إلي ليلها المعتم - لتنعم الأمة بصبح جديد يشع عليه نور العلم!!!

فليقو التفاؤل مع الإمام... و ها هو إثر غياب ابيه إلي الملأ الأعلي - يوسع الجامعة بفرع ينشئه في حيرة الكوفة في العراق، يضم في جوانبه تسع مئات من الطلاب، ليشتهر من بينهم: هشام بن الحكم، و هشام بن سالم، و مؤمن الطاق، و زرارة بن أعين، و أبان بن تغلب، و النعمان أبوحنيفة، و مالك بن أنس، و سفيان بن عيينة، و سفيان آخر هو الثوري... من دون أن ننسي - أبدا - جابر بن حيان!

لقد ملأت رفوف المكتبات - في ذلك الحين الباقر - مؤلفات زرارة بن أعين - و كذلك كل من أبان بن تغلب، و مؤمن الطاق، و النعمان أبوحنيفة، و مالك بن أنس... أما جابر بن حيان فكان مكتبة كيميائية، بحد ذاته: كتاب في علم الكيمياء - خمس مئة رسالة تبحث بالحركة العلمية - كتاب عنوانه [علم الميزان] في معرفة طبائع المعادن، يقول فيه: [النحاس هو فضة تلهت عن ذاتها] و هو - أيضا - يبحث في تحضير حامض الكبريتيك، أو «زيت الزاج» - و في تحضير حامض النتريك، و ماء الذهب، و الصودا الكاوية، و كلورور الفضة - و الراديوم... و لقد تمني عليه الإمام الصادق: أن يجد له قرطاسا لا يحترق. و كان له ما تمني...



[ صفحه 60]



و مع الإمام جعفر انتهي الشرح الكلامي، و الحفظ في الذاكرة - و شدد علي التسجيل، و التدوين - و هكذا ابتدأ الاعتماد علي الكتابة، و ها هي المكتبات راحت تعج بالكتب... و من ابرزها كلها في هذا العصر - عصر الإمامة المثلثة: [توحيد المفضل] املاء الإمام جعفر علي تلميذه المسمي - أيضا - بالمفضل... كأن المفضلين هما مفضل واحد - و يبدو ذلك صحيحا - و كتاب المفضل، انما هو في البحوث الطبية. و وظائف الاعضاء، و الدورة الدموية، و الجراثيم، و تشريح الإنسان... و هكذا - بنعمة التدوين - خف الاتكال علي الشروحات الكلامية، و راحت تحتل مكانها قراءة الكتب.

و لقد أحاط الإمام جعفر بكل العلوم الفيزيائية، و التجربية التشريحية و الكيميائية، و الفلسفية الفقهية، و الاجتماعية الإنسانية... و انه - هكذا - فيلسوف، و فقيه، و مشترع، و طبيب، و فيزيائي، و كيميائي، و مؤرخ، و اديب... و حتي نلم به إلماما كاملا، نقول:

ولد الصادق علي عهد الخليفة الظالم، الوليد بن عبدالملك بن مروان - و لما مات الوليد كان عمر جعفر ست عشرة سنة... و بعد الوليد جاءت ولاية عمر بن عبدالعزيز، ثم يزيد بن عبدالملك، ثم هشام بن عبدالملك، ثم الخليفة الوليد بن يزيد الذي خرق القران الكريم و هو يتباهي بالقول:



إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب خرقني الوليد...!



و بعد انتقال هذا الوليد بن يزيد إلي مواجهة ربه، جاء دور ابنه يزيد الموصول بأخيه ابراهيم... ثم حذفت الثورة كل الأمويين، بواسطة العباسيين، باسم السفاح، و من خلفه الداهية منصور الدوانيقي!



[ صفحه 61]



ولد الصادق سنة: 8 ه، و انتقل إلي جوار ربه سنة 148 ه، و لقد عايش الأمويين اثنتين و خميس سنة. و عايش بني العباس اثنتي عشرة سنة: أربعا للسفاح، و ثماني للمنصور الدوانيقي الذي اضطهد الهاشميين و زجهم في السجون، و صادر أموال الصادق، ثم قتله بالسم، و لم يرجع الأموال المصادرة، إلا المهدي - بعد وفاة المنصور - الي الإمام موسي الكاظم.

ليت المهدي لم يرجع الي الكاظم - فقط - إرثه من مال أبيه الصادق - و هو الزهيد - بل إرثه في إدارة الجامعة - و هو المدير!!! لو أن إرثه هذا قد طال الي هذه الساعة، لكانت الأمة اليوم في أوج مجدها من ثقافة تحقق لها العمر المجيد.



[ صفحه 65]