بازگشت

الإرث


لقد كان في نهاية الإطار الأول من هذا الكتاب [و الإطار هذا - بكل ما فيه - كان بحثا متسلسلا في كل الجذور المتركزة عليها الإمامة الواصلة حتما الي إمامنا الكاظم] وصول الي منصور الدوانيقي يصادر أموال الإمام الصادق، و لم يرجعها إلا الخليفة المهدي، بعد وفاة أبيه الدوانيقي، إلي ابن الإمام الصادق الإمام موسي الكاظم، و هو وريثه الوحيد في خط الإمامة...

و لقد تمت الإشارة الي أن الأموال المعادة، هي الإرث المعاد الي أصحابه الإماميين، و يا ليت المعاد - أيضا - كان في إرجاع إدارة الجامعة الزينعا بدينية إلي إمامة موسي الكاظم، و هي خط إمامي سيتركز عليه - في مداه الطويل - تثقيف و تنوير الأمة، في مجالاتها الطويلة، و إيصالها الي الواحات الأمينة!

ذلك هو الإرث، و هو المحصور في الإمامة المشدد عليها في تخطيط الرسول، لتكون امتدادا إثني عشريا، يطول بها الي تحقيق حضاري أكيد. هي بأشد الحاجة اليه متون الأمة!

و احتجز الإرث، و هو جامعة علمية منورة بالوعي و الحق، أكثر مما هو أموال مهددة بالعهر و الفسق، و لم يرجعه الي الأمة، لا مروان هشامي، و لا مهدي عباسي، و لا أي من تتري... لتبقي الأمة نهبا لسياسيين يبنون



[ صفحه 66]



علي كتفيها عروشا من بهتان. يمتصها ضرعا، و عظما، و إنسانا يتردي في ذل و هوان!!!

هذا كل ما ورثه الإمام موسي... و صبرا طويلا علي كل المكاره، عل الدهر يطور من مآتيه، و يحول المر إلي لبان، و يرد الحاكم من بهلوان الي إنسان، و الانسان من ذليل، الي عزيز، يأبي الهوان!!!

و كثيرا ما حاول الإمام زرع الله في الأذهان، حتي يفيق الحاكم مرتجعا الي وجدانه... و لكن الوجدان ذاته أصبح المهراق، و لا أي من حاكم، أفاق - و بقي الإمام - وحده - السهران - يتحمل الذل، و يتحمل الهوان، و يتحمل الحاكم، و لو كان اسمه هارون الرشيد: يدعي أنه الرشيد، و انه البطل الصنديد!!! و راح الإمام يقنعه بأنه - بعين الله - لن يكون صنديدا، بل مستبدا عنيدا!!!

و كان الجواب فتح السجون المعتمة، لتكون أطول من دهر، و أمر من قهر... و تحملها الإمام بأناة طويلة، معتبرا أن الصبر الطويل يقصر عمر الدهر، و يحلي مر القهر، و يعلم الحاكم أن الرجوع من عي الي وعي هو المحقق للإنسان قيمة الإنسان؟

تلك هي حقيقة الإمام الكاظم: صبر طويل و انتظار لا يمل من إمكانية تحقيق ما تصبو اليه مجتمعية الإنسان... أما التحقيق، فهو الرجاء الذي لا ينقطع الأمل من الحصول عليه. و ذلك هو أمل الأمة في الإمامة التي زرعها الرسول الكريم في بال الأمة، ليكون بها وصولها الي الرجاء المبتغي!

أما موسي الكاظم، فهو الآن في عهدة هذا الكتاب، فلنتناوله مليا من قبل أن يولد من أبوين: هما جعفر الصادق، و حميدة البربرية المشتراة بسبعين دينارا - الي أن يمشي علي أرض الجزيرة إماما صابرا صبرا طويلا علي مكاره الدهر - تحقيقا لأمة لا تزال ضميرا صامتا، لم يفعل بعد فعله الصادق.



[ صفحه 67]