بازگشت

و أيضا قبل الرحيل


و قبل أن يرحل الإمام الصادق لملاقاة ربه بعد أشهر، استدعي إليه ابنه موسي، و كان يدور بعمره حول العشرين، و قد أضحي يعاونه - كأستاذ - في إدارة شؤون الجامعة، قال له:

- لست أظنك الآن إلا المتوسع بجميع ما أنت منتدب اليه في تولي الإمامة، و السير بها، بحكمة، و صبر، و حسن روية - و إني علي ثقة تامة بك، بعد أن أحطتك بكل المعلومات المتعلقة بالأمة و الإمامة... و بكل الأحداث التي واجهت الأمة، و اعترضت الإمامة، منذ أن غاب الرسول الحبيب، الي هذه الساعة!!! و اني الآن أكيد أيضا من أن معارفك الوسيعة هي التي ستبرز بك في الساحات، بعد أن تجللت بوقار آخر، يوفر لك احترام الغير لك، حتي و لو كان هو ذاته منصور الدوانيقي!

- و منصور الدوانيقي؟ و ان كان لي أن تحسبت منه بصبر، و حكمة، و احتراز، مما نجاني من كيده، و غدره، حتي



[ صفحه 88]



هذه الساعة... و لكني أراني - و ان نجوت حتي الآن - لست بناج غدا، أو بعد غد، و لن يكون لنا جميعا - لا نحن الهاشميون، الطالبيون - العلويون - و لا الأمة - و نحن بلسانها المتكلمون - أن ننجو من غدر و لؤم توارثه العباسيون عن أسلافهم المناكيد - الأمويين - إلا بتحمل رزين، و حكمة أرزن، و روية مشبعة بالعقل، و العلم، و التحسب، و انتظار - و لو طال أكثر مما نترقب - حتي يذوب الجهل من الأمة، و يتم لها زجر المتعسفين... و عندئذ، يغير الله أمرا كان مفعولا!!!

توقف الإمام قليلا عن البث الحزين، ثم عاد الي توجيه الكلام الي ابنه موسي الذي لا يزال مطرقا يصغي، فهزه - قليلا - بكتفيه، ثم أردف يقول:

- اسمعني أيضا يا ابني الإمام؛ إن الأمة التي أرادنا نبي الإسلام أن نكون - بحق - أولياءها، و أمناءها -... تطلبنا دائما الي يقظة حليمة نسير بها الي نجدتها، و تخليصها من الأورام... و لكن - بحكمة: و روية، و اتزان... حتي لا تهدر، لا طاقاتها، و لا دماؤها الثمينة، و لا أحلامها المنسكبة عليها من سور القرآن!!! من هنا سررت بك إحاطة علمية، و فكرية. و خلقية... لتكون - أنت - اليقظة الحكيمة و الفهيمة التي تتطلبها مصلحة الأمة... و من هنا رأيتك مصغيا الي كل شأن من الشؤون الخاصة المرتبطة بالأمة، منذ أن غاب الرسول عنها حتي الآن... لقد أخبرتك مطولا عن عهد بني أمية... انك لم تره بعينك... بل سمعت عنه بأذنك.



[ صفحه 89]



منذ أن كان عمرك أربع سنين، الي أن بلغت الآن السابعة و العشرين... والله أعلم كم ستستمر بك المعاناة في تحمله حينما تعاني منه، أنت، و الأمة، و الجامعة بالذات، و هي التي أنشئت لتخليص الأمة من جهل يرمي الأمة كلها في ذل يحررها فيه تعسف السياسات!!!

احفظ هذا الموجز، و وسع به يقظة بإمكانك أن تعالج بها استمرار الملمات!!!



[ صفحه 91]