بازگشت

الموجز


و ابتدأ الإمام الصادق بالحديث الموجه الي الإمام موسي الذي لم يبدأ بعد بممارسة إمامته - قال الإمام الأب:

- سيكون لك بعد الانتهاء من سرد هذا الموجز أن تحاورني بما تريد، أما الآن فلنبدأ بالثورة علي الأمويين: كيف تململت بها الأمة - و أقصد كيف تململنا بها نحن لمصلحة الأمة حذفا للأمويين من الساحة!

لقد كان عمرك يا ابني أربع سنين، عند ابتداء الثورة. أما الأسباب التي حركت الثورة، فلأختصرها - قليلا - هكذا: كان الأمويون - دائما - يفرضون سب أهل البيت و إبعادهم عن مناصب الدولة، و قتل أهل العترة إذا اقتضي الأمر - من علي الي الحسن، الي الحسين... و جريمة كربلاء تشهد ليزيد بفظاعة الجريمة!!! و مروان هشام بن عبدالملك، قد فظع بقتل زيد بن علي بن الحسين. و حز رأسه. و أمر زواره بأن يطأ كل واحد منهم رأسه!!! و أمر بصلب جسمه



[ صفحه 92]



طويلا في الشمس، ثم أمر بحرقة و ذر رماده في الهواء!!! و كذلك مثل الأمويون بيحيي بن زيد... هذه هي بعض مكنونات الثورة التي أحاطت بحكم الأمويين!

و لقد حرك الثورة هذه نزاع بين اليمانية و النزارية، و انضمت اليمانية الي العباسيين، و نشط هذا الانضمام العلويون بواسطة واحد منا، هو عبدالله بن الحسن... و هكذا اهتمت الثورات، أو فلنقل الحركات المحلية بالدعوة لأهل البيت، و كان يتظاهر بذلك منصور الدوانيقي...

و اشتدت ضلوع الثورة في خراسان... و عقد مؤتمر الأبواء بواسطة الهاشميين، و حضره كل من إبراهيم الإمام، أو السفاح، و المنصور... و صالح بن علي، و عبدالله بن الحسن، و محمد و إبراهيم اللذين قتلهما المنصور!

و في مؤتمر الأبواء، دل المنصور الي عبدالله بن الحسن، بأنه هو الذي ستكون له الإمامة... و عندئذ تمت له البيعة في الأبواء... و لكن العباسيين لم يفوا لا بالوعد، و لا بالعهد! و انتخب إبراهيم الإمام، عميد العباسيين، أبامسلم الخراساني و أوصاه بقتل العصاة، إنجاحا للثورة! و كانت النتيجة ستماية ألف قتيل من رجالات الأمة، و أصلاب العرب!!! و توجه أبومسلم الي خراسان التي رحبت به... و هكذا تكونت الثورة الأولي بجيوش بني العباس... و ضعف شأن مروان بن محمد الجعدي، آخر



[ صفحه 93]



خليفة أموي، ثم قتله السفاح في معركة الزاب في الموصل!

كان عمرك يا ابني موسي خمس سنوات، عندما قتل آخر خليفة أموي - مروان بن محمد الجعدي - و ساعتئذ انتهي الحكم الأموي!!! و لكنه، بدل أن ينتقل الي الامام عبدالله بن الحسن، انتقل الي العباسيين الكذابين، باسم إبراهيم الإمام السفاح، سنة 124، و دام حكمه ست سنوات عجاف... و صرت أنت - لما مات - في الحادية عشرة من عمرك... أما الأمويون - علي عهد السفاح - فتشتتوا شذر مذر، بعد أن استلم الحكم المنصور الدوانيقي، أخو السفاح عبدالله بن الحسن... و لا ابنه الأول محمد، ذوالنفس الزكية، و لا ابنه الثاني إبراهيم، و كلهم فظع بهم المنصور المتولي الحكم!

و مثلما كان السفاح يموه علي العلويين من دون أن يصدقوه، راح المنصور يتابع التموية عليهم، من دون أن يصدقوه - بتاتا -... و هكذا حرك محمد ذوالنفس الزكية، ثورة علي المنصور، باءت بالفشل. و بقتل محمد ذي النفس الزكية!!!

و جاء دور الأخ إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، في تحريك ثورة انتقامية لأبيه و لأخيه... و لقد تعبأت بالقوة الشعبية الملبية في البصرة، و الأهواز، و فارس، و أصبح الفوز علي قاب قوسين أو أدني... و لكن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن - و هو علي رأس الثائرين في الكوفة - أصيب بسهم



[ صفحه 94]



في حلقه أراده قتيلا!!! فصفا الجو للمنصور، و أكمل فتكه بالعلويين!!!

هنا توقف الامام الصادق قليلا يستريح من عناء السرد، ثم ليستأنفه بنبذة ثانية فيها كثير من الإتزان، أما الإمام الصغير، فانه راح الي اتزان آخر، و الي صفاء آخر - أيضا - يلفلفه ببلاغة التصبر، و بلاغة الانتظار... و استأنف الإمام الصادق حديثه البحث:

- و الآن يا ابني، لقد جاء دوري أنا في مقابلة الأحداث، و ها إني أقول: لم أخدع بشي ء مما تمثل أمام عيني من أحداث... لقد وعيت تماما سريرة السفاح، و كل سرائر بني العباس... لقد كانوا يعدون - فقط - و لا يفون لا بوعد و لا بعهد! أما الثورة التي قام بها قريبنا و نسيبنا عبدالله بن الحسن، و إبناه محمد و إبراهيم... فإني الوحيد الذي كنت مطلعا علي كل مسبباتها، و جميع حيثياتها السلبية و الإيجابية سواء بسواء!!! لقد اتصل بي الإمام عبدالله، مع إبنيه محمد و إبراهيم، طالبين مني المؤازرة، و لكني، بصدق و لوعة أجبتهم: بأن أمور الأمة تحتاج الي كثير من درس، و تعمق، لا الي أي من حماس و تسرع يرميان الأمة في المزالق التي تبعثرها، و تبعدها عن حقيقة المنال... و بكلمة مختصرة، قلت لهم: لم يأت الأمر بعد!!! و ان محمدا و إبراهيم - أثناهما - هما المقتولان إذا استبد بهما مثل هذا التسرع، و مثل هذا الحماس!!! و لكنهم - يا لقلة التبصر! حسبوا قولي حسدا منهم، و ليس عطفا عليهم، و بالتالي ليس غيرة علي الأمة



[ صفحه 95]



التي لا يجوز - مطلقا - أن تستهين بمصيرها، لا سيما و ان جبروت العباسيين، و بطشهم، هما المالأن الساحات، و أن لا رادع لهم من عقل، و حكمة و اتزان، يوقفهم عن الغدر، و الكيد بكل من يقف في وجههم و منعهم من الطغيان!!!

- هذا كل ما رغبت أن أوصله إليك... فهل من حوار تريد أن تسمعنيه، و أنا الآن المصغي إليك؟



[ صفحه 97]