بازگشت

مناجاة الكاظم


أما المناجاة الآن، فإنها هكذا ارتسمت، و هو يرتمي في عب الشيخ، و آهة في صدره تقول:

- لقد تركتك يا سيدي تقبل يدي، من دون أن أحنو - أنا - الي جثو يقبل قدميك!

لقد عرفتك يا سيدي: من غيمومة الدهر في محجريك، و من إلتفاف الحقب بفوديك... فأنت تمثيل الأمة، عابرة خطوها الطويل و العريض في فيافيها المضرجة بكل مآتيها الخارجة من رمل الي خصب، و من خصب الي غبار أنساها طعم جناها... يا للرجوع اليائس! كيف يرد الشبعانين الي لوعات المجاعة!!!

ما لنا و الرجوع كثيرا الي الوراء يا سيدي، و أنت تعرف كيف حققت الأمة - في ذلك الحين الغابر - إقبالها علي انتاج ثمين أشبعها، ثم إدبارها عنه، فأجاعها!!! إن في التاريخ إضبارات لم تغب عنك قراءتها: لا مع الجدود من



[ صفحه 116]



بني آدم، و بني آشور، و بني كنعان... و لا مع السبي المتدهور - زحفا - الي الوراء، مما أرجع الأمة الي امتصاص الرمل، و الاكتفاء بما يسد البلغة!!!

إنه شأننا الحاضر يا سيدي، و قد حدث جديدا تحت أعيننا، تلقط به رجل آخر، أنبتته الأمة - من حرفها الجائع - حتي يؤلف لها مائدة جديدة يملأها خبزا و قديدا... انه القرآن يا سيدي - تنزله من الخير العلوي رسول و نبي، فنادي الأمة بالذات، و راح يعلمها كيف تعيد الي حياضها ما يردها الي خبز، و الي بلغة!

و لكني أعرض أمامك الآن يا سيدي - و أنت تمثل الأمة بكل أفراحها، و كل أحزانها - كيف أن الأمة الغرثي، أقبلت علي رسولها، تأخذ من روحه زاد طريقها، شبعا لها، من يوم الي يوم، و من جيل الي جيل... ألم تعتنقه، كأنه ضوء الطريق، و نور الهداية؟! ألم ترها - في غدير خم - كيف ركزت تحت عينيه إسلامها الذي سيغطي - غدا - كل الشرق!

و أيضا - في غدير خم - ألم تر، بعينك الصغري، هذا الرسول رافعا باع علي في الهواء، و هو يقول:

- إنه ابن أبي طالب - نسيبي و حبيبي - و يا ما أحبكم تتقبلونه مدي العمر، وليا علي إسلام، لكم، سيبقي مشرقا بكم أبد الدهر!!!

و هتفت الأمة كلها - في ذلك الحين - باسم علي إماما تتبارك به مهجتها؟!!



[ صفحه 117]



و أغمض الرسول عينيه و نام... و لم تنم عين أخري تلفلفت بالاسلام، و مزقت حرف الذمام!!! يا للعين الأخري!!! من تكون هذه العين الأخري، أيها الشيخ الوقور؟ هل هي عين الأمة التي رأيناها تملأ الساحة كلها في غدير خم؟!! أم انها عين الحقد! تزورت بالاسلام - فقط - إشارة انضمام!!! و راحت الي انفصام يوصلها الي كرسي السيادة!!!

تلك هي الأمة يا سيدي الوقور... انها محض براءات بقيت لها من معدنها الأصيل، من دون أن تدري كيف تتخلص من دناءات يرقص بها البهلوانيون... و البراءة يا سيدي، و ان تكن بحد ذاتها جميلة - غير أنها - مع استمرارية الوقت - تغدو سذاجة يتلاعب بها هذا النوع من البهلوانيين الذين هم - بكثير من الوضوح - طغمة الحاكمين المتسيسين علي الأمة. و المتلفظين بسذاجاتها، كمصدر وحيد لمل ء صناديقهم بالجاه و الثراء...

و قصورهم المليئة بإغراءات المجون، تكذب لها الأبالسة علي بسطاء الروح، من دون أن يروا كيف تكون النجاة من وهم الطلاسم!

و عصي البهلوانيون الرسول العظيم، و كلفوا ابن ملجم بحذف ابن أبي طالب من الدوحة الكبري... و حذف ابن أبي طالب - بحد ذاته - من مجتمع الأمة! أليس هو التجديف علي القيمة المثلي التي تتفرد بها شخصية علي بن أبي طالب، و يعز علي غيره من الناس أن يتلقط بمثلها: عمقا، و طيبة، و أصالة جوهر!!! أين هو علي في كفة الميزان؟ يحذفه بهلوان!!!



[ صفحه 118]



و لا تدري الأمة كم هي خسارتها من الدر، و اللؤلؤ، و المرجان!!! و لقد توالت عليها الخسائر، من دون أن يكون لها رقم حسابي كان لها أن حفظته في سالف الزمان... ونست الآن أن ترقم به حجم خسارتها: بالحسن، أو بالحسين!!! يا ضيم جدي زين العابدين... يتحمل وحده ثقل الضيم بالحسين، من دون أن تدري الأمة... انها هدرت - هي - دم الحسين!!! و أدرك جدي الزين، أن لا أحد من الثقلين: لا الإنس، و لا الجن، يتمكن من محو السذاجة من مقلة الأمة، إلا فاعل واحد، هو العلم الكبير، لا العلم الصغير... و هب الي بوابة المسجد، يشرعها لتلقين العلم... و ها هو يحمل ابنه الباقر جهد التفتيش عن كل كتاب، في أي قطر كان، فيجي ء به الي الجامعة المفتوحة علي مصراعيها، و يلقنه الأمة علما كبيرا موسوعا: فيه الحساب، و فيه الأدب، و فيه الفلسفة، و الفقه، و التاريخ، و الجغرافيات... و فيه الفيزياء و الجزئيات و الكليات: من الكيمياء أم المعادلات...

ثم يأتي ابنه الإمام الصادق، فيتناول المعارف كلها الي الرحب المطل علي مدي العبقريات... انه العبقري الهابط علي الأمة بألف هلال تمحو عتمة ليل الأمة، و تمحو سذاجاتها العالقة في خيوط الذهن!!!

اسمعني مليا أيها الشيخ الوقور... أليس عارا - أيضا - أن يبقر بطن جعفر الصادق بنقطة سم؟!! كيف يسمح - لنفسه - حاكم بهلواني الفطرة، و سعداني الرقصات، فيمد كفيه الي عنق عالم، يدير جامعة تهذب أمة و تمحو منها السذاجات... فيخنقه، و يمتص وريده، كأنه دجاجة في قنه - يذبحها متي شاء، و يبقيها إذا شاء!!! و الأمة؟ يا سيد الرجاء... من غيرها يرغم حاكما و يصده عن ارتكاب الموبقات!!! من غيرها يوصله حاكما الي ساحات الرهان، ان لم يكن أمينا علي تسديد الرهان...



[ صفحه 119]



و لكن الأمة - يا للتعاسات - لم يكتمل وعي لها بعد، تجلو به مغزلها، و المكوك الذي تبسط عليه فتلة الخيط، لتنسج ثوبا جديدا تلبسه في ليلة العيد!!! لقد شد لها جدي الأول، خشبة النول، و قدم لها جدي الثاني فتلة المغزل... و لكن القميص الذي نسجته أنامل الجهد! مرغته بالدم همجية الحقد، و تركت الجسم في عريه المخزي!!! و غاب دهر، و جاء دهر!!! و كان للإمامة المثلثة عزم جديد بإنشاء جامعة تكون منارة تنير الليل من عتماته السود،... ليكون لها - من جاهل دوانيقي، تحطيم المنارة علي رأس من أشعل النار علي رأس المنارة!!! و ها هو الصادق من خلف الستارة يقول للمنصور:

أنت وحش، لا تليق بك: لا مهامس النور و لا ملاقط الحضارة!!!

لو أنها الأمة، تسمع الآن هدرة الصادق!!! أتراها تهب و تحطم العرش علي رأس أميرالمؤمنين، و تسد منخريه بوسادته الديباج؟!! واها عليها من أميرالمؤمنين - بالذات - يحطم الجامعة علي رأس الصادق، ليبقي الجهل و سادة الأمة، تغفو عليها... و إذ تحاول أن تستفيق، يهمزها بسياطه، حتي لا تستفيق!!!

و أنت أيها الشيخ الوقور... أتتمني لي أن أكمل السير علي خط مشاه أبي قبلي؟ و هل يكون لي غير هذا المبتغي؟... و لكن الجلف الذي حطم الجامعة علي رأس أبي، سيحطمها علي رأسي ان أعدت لها البناء!!! فكيف تريدني أفعل؟!! أأستدعي الأمة الي المساندة! و لكنك تري يا سيدي أن اكتمال الوعي لم يستجب بعد! كما و إن استبسار الهمم - من غير حينونتها - يضرج الأمة بالدم، و يعيدها الي نقطة الصفر!!!

لا... لن أفعل ذلك،... صونا لعظام الأمة من عملية السحن!!!



[ صفحه 120]



فالمنصور، و خطه الأعسر - هو المتملك الساحات، بهمجية بطشه، و لا صيانة الأمة، و لا رعايتها - واردتان في انتصاب ميزانه!!!

اسمعني أيها الشيخ - اسمعني، بكل ما في عيني من غيظ... و من قهر و كظم!!!

سأصبر طويلا، و أنا متحمل ثقل القذي من منصور الدوانيقي... و من جميع من سينتسلون من فقراته! عل الصبر الطويل، و هو الملفلف بالكظم الطويل، يساعدني في توفير الدراية للأمة، حتي تعبر - بنوع من سلام، و من بعض طمأنينة - من حالات تعسفية، الي حالات أخري، ينقشع فيها أمل... و ينفرج فيها رجاء...

و إننا [يا سيدي الملي ء بالرجاء] نسجد، و نصلي لله - عز شأنه - حتي يصوننا - و الأمة من كل بلاء!!!



[ صفحه 121]