بازگشت

الفاصل (2)


و انحذف الامام جعفر الصادق ملبيا حكم الاعدام الذي تفله تفلا عليه هذا المنصور الذي لم يدر أنه رفع الصادق الي ما فوق رأسه المزحوم بالكفر و الهرطقة - ليبقي - هو المنصور - في الدائرة المبهمة... بينما انتقل الإمام الصادق الي اللوحة الأخري، و هي المطرزة بأسماء العباقرة الخالدين من أبناء البشر!!!

و حمل الامام موسي اللوحة ذاتها، و قد انحدرت اليه من خلف الغمام، و علقها فوق دوحة رأسه - بالتمام - و راح يسجد لها في الساحة الكبري علي مدي عشر سنين، لا لتراها - فقط - و تصغي اليها الأمة كلها - بل ليراها - بالتأكيد - و يصغي اليها، بهمسها الصادح، منصور يدعي بأنه عريض الباع في دوحة المسلمين، و هو العريض التنكيل بأفواج المؤمنين!!!

هنالك حقائق، إما أن تسمع منطوقة في العراء، و إما أن تؤخذ مهموسة في الخفاء - و إن أبلغ ما كان يبثه الامام موسي، في سجوده و صلواته، هو الهمس المبطن بتقريع الحاكم الفاسق و الظالم، و كأن هذا التقريع هو تهديد، بأن الله الذي هو - حق، و عدل، و جبرؤوت - لابد من أن يقتص من الفاسقين الظالمين، و ينيلهم جزاء ما فعلت أياديهم السوداء... أما



[ صفحه 128]



المنصور - و إن يكن خاليا من ضمير يحلل و يزجر، فإن الموبقات - و هي المتماثلة كالقناطر تحت ناظريه المختلجين بالزور و الإثم - فانها هي ذاتها التي كانت تطوقه بالرعب النائم في طوية نفسه!!! يا للمنخر الأفطس، تتعلق به بعوضة فترميه - معضوضا - الي الأرض!!!

و ارتعب المنصور من آثامه التتري التي كبها علي العلويين كبا، و ما أبلغها إثما، و زورا، و كفرا، نقطة سم زجها زجا في وريد الإمام جعفر الصادق!!! و ها هي الصلوات و السجدات، يصليها، و يسجد بها الامام موسي بن جعفر، مستجيرا برب الخلق أن يذيق من سم أباه، سما أبديا منقوعا له في قعر الجحيم!!!

أجل - كان المنصور يصغي الي التأوهات الدعائية، يصبها الإمام موسي علي رأسه، من دون أن يذكر اسمه أمام الله الذي يعرف كل الأسماء، و كل الطوايا، و كل الذنوب... أما ان لا يخاف المنصور؟ و إن لم يكن له العقل الذي يخاف، فانه خاف من مغبة الإثم، و لم يرتكب إثما مع الإمام موسي، و لم يمد اليه يدا من زور... مع أن الإمام موسي جافي المنصور. و لم يرد أن يراه مارا تحت عينيه، و لم ينقطع عن رشقه بالصلوات المسترحمة الله علي آثام شنعاء، قد لا يرحمها الله!!! و لكن الله - عزوجل - هو أرحم الراحمين!!!

بعد شر سنوات - بعد مقتل أبيه بنقطة سم - مات المنصور، و بقي الامام موسي يسجد و يصلي - لأن نسل الظالمين سيمتد الي: المهدي، و الهادي، و هارون الرشيد.



[ صفحه 129]