بازگشت

مع الهادي


فلنلمخ قليلا الي مزايا الهادي، حتي لا ندخل عليه و نحن سادرون - انه ابن المهدي الذي تعرفنا اليه منذ لحظات... لم يحرز، لا مقدرة أبيه، و لا دهاء جده المنصور، و لكنه فاق الاثنين بذكاء مشلول، جعله ماجنا بلا فن، و صبيانيا بدون أية براءة!!!

أما إمامنا موسي، و هو المصلي عميقا، و الساجد بليغا، فانه المستطلع - دائما - أحول الناس، من خلال مراقباته الدقيقة و المتقصية نزعات الحكام، ليكون له علم و كشف عن سرائرهم المتخبئين في طياتها، و التي بها يسوسون الناس، و يرجمونهم بكل ما في نفوسهم من شرور!!!

لم تكن مراقبة الامام، بهذا الشكل المعمق و الواصل الي دوحة الوجدان، الا شهادة له في تمتعه بيقظة روحية - فكرية - علمية، تجعله متمكنا من علم النفس في استطلاعاته عن كل ما يدور في فلكها من نزعات، لا ينقيها و لا يرجحها الي الخير، إلا علماء خيرون، يتقنون عمليات التشذيب، و التهذيب، و التوجيه... و تلك هي فنون التربية التي يعتمدها أولياء الأمة في بناء الانسان، إنسان الأمة الواعية الملتفتة الي تجميل الغد.



[ صفحه 136]



ربما يكون البناء النفسي عند الامام مهتما بدراسة نفسيات الحكام، ليس فقط لاكتشاف نواحي ظنونهم، و معالجتها حتي تستقيم، و لكني أظن انها كانت دراسات - أيضا - لانتساب طرق الوقاية منهم، ما زالوا هم المقتدرون... و هكذا كان للإمام موسي ولوج الي طوية كل ممن زامنه منهم، ابتداء بالمنصور، فالمهدي، فالهادي. المالي ء الآن الذهن، و انتهاء بهارون الرشيد الذي سيذوق الإمام علي يده من العلقم، و كل عتمات السجون!!!

و الهادي، لقد اكتشف الامام كل نزعاته النفسية، فوجدها كلها كفقاقيع الصابون: توهمك بأحجام كروية، إن تصبك تحطم رأسك، و لا تعتم أن تبعثرها نفخة، فتتلاشي و هي من هباء!!!

لقد تعمق الامام بدرس الهادي، و تحراه في دوحة بيته: لقد خصه أبوه المهدي بالولاية، و حرصه علي أن يصونها و يوصلها عزيزة و كريمة - من بعده - لأخيه هارون الرشيد... و لكن هذا الهادي الضائع من رشده، ما قدر أن يفكر إلا باحتكار الحكم و نقله كاملا لابنه جعفر، و هو حبيب أمه و اسمها رحيم... و اكتشفت أم الهادي - و هي الخيزران الملقبة - باخت الرجال - عزم ابنها الفاقد العزم و صدق الذمام - و جربت ان ترده عن الغي و المنكر... و لكنها لم تلمس منه إلا الغدر المبطن، فتنكرت له، و تفردت بالحب لابنها هارون، و تلمست له الوصول مهما يكن فحش الثمن!!!

و رأي الامام - بعينه الحدسية - أن الهادي هو الخاسر الفاشل، و أن دمه سيهرب من وريده الأيمن قبل الأيسر... و لا يستبعد أن تقتله - هي ذاتها - أمه الخيزران... و رأي الامام - أيضا - بعينه الغارقة في دمع الحزن، أن الهادي الذي رقص علي أشلاء الأبطال الذين انتفضوا علي حكمه، و قد قادهم الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن أبي طالب - لن يتمكن من



[ صفحه 137]



الرقص بعد اليوم، علي أي شلو من الأشلاء، لأن أمه الخيزران ستقصم ظهره إن يحاول!!!

ان ثورة فخ - و الموصوفة بالكارثة - تفرد بها ثورة تقض مضجع الهادي، بطل اسمه الحسين بن علي، و قد جاء الحسين هذا يستشير الامام موسي في تتميم هذا الأمر... و لكن الامام أنذره بأنه المقتول، من دون الوصول الي المبتغي، بعد تعريض بني طالب لرعونة الهادي... و لقد تم كل ما احترز به الامام!!! و ها هو الهادي - بوعيده و تهديده - يستدعي الامام الي فق ء الحصرمة في وريده!!! و خاف عليه المخلصون، و نصحوه بالتخفي... فضحك و قال:

- اطمئنوا، ليست الحصرمة الآن في يد الهادي، بل في يد أخري، و هي التي ستفقأها في عنقه!!!

و حضر الامام الي محاورة الهادي الذي أقنعه الإمام بأنه بري ء براءة يعقوب... و لو أنه غير موال للعهد، لما كان قد نجا، لا من المنصور، و لا من أبيه المهدي!!! و لا يجوز للهادي المالي ء الآن الحكم، أن تضيع منه لا الحكمة، و لا الفطنة!!!

و سريعا ما اقتنع الهادي، و صبر الي الغد... و بدلا من أن ينجح بقتل أمه الخيزران بنقطة سم، دعاها الي أن تأكلها فس صحن من الفالوذج... أطعمت الخيزران الفالوذج كلبا في دارها، و دست لابنها الهادي سما آخر في كوب من أكواب خمرة!!!

و عانق الهادي الموت مع الصباح الذي أطل علي عرش راح يجلس فيه هارون الرشيد!



[ صفحه 139]