بازگشت

نداءات الإمام


لقد كانت نداءات الإمام عديدة، و حسبنا منها انها كانت شاملة. و الشمول فيها، حصرها في بناء المجتمع، و تركيزه علي حق قوامه الصدق، و التيمن بالتقوي المتولد منها خلق كريم، تنعجن فيه عادات و تقاليد، هي ذاتها المجتمع القائم علي نقاوة الفكر، و نقاوة الروح، و نقاوة المسعي المنقي: من الزور، و الكذب، و البهتان... اما الاطماع الحقيرة التي تقوي الحيوان في مهجة الانسان؛ فانه خصها بوابل من اللعنات، لا لأنها أطماع بحد ذاتها، بل لأنها عامل كذاب، تدعي انها طموح الي تحقيق المغانم، و الثروات، و الأمجاد... بينما هي في سلبية أخري، لا يتحقق فيها إلا الرياء، و الاستذلال، و الاستبداد، لتكون - بالنتيجة - لصا يسرق ما في معجن أخيه من خبز، ليميت أخاه بالمجاعة!!! و إذا بالمجاعة الكبري، هي التي تأخذ الأخوين بالذل الموحد!!!

ما كان الامام يستجمع مثل هذه التشاؤمات، إلا و هو متمثل الأمة التي هي أمة جده النبي الذي انسكب فيها بكليته، ليبنيها بالحق الواضع و الناجي من تراكمات الترهات؟ و بدلا من أن تسقيم معابرها الصاعدة بها الي



[ صفحه 168]



المجد،... راحت تتلوي بها المحاذير النابتة من ذات الترهات التي هي سياسات كاذبات ناطقات بالزور، و البهتان، و الأطماع، و كلها آفات توسلها بنوأمية - في ردح من الوقت - و ها هم الآن بنوالعباس، يتوسلونها، لا لإسعاد الأمة، و ارفاهها، بل لتوسيع الرفاه عليهم، بإشادة قصور البذخ، و مقاصير المجون، و الرقص فوق ظهور العباد!!!

كأني توصلت - بهذا التلميح المختصر - الي مبتغاي من القول: بأن نداءات الامام موسي كان لها الشمول الوسيع، بمعني أن حياته كلها علي الأرض، و هي لم تتعد الخمس و الخمسين من السنين المقهورة، جاءت كلها تعبيرا عن هذا الشمول المحصور بعنوان واحد، و هو علم الاجتماع... و اجتماع الامام هو المخصوص بأمته التي محضها كل فكره، و كل انتاجه، و كل شعوره، و كل عافيته، و كل اهتماماته، و كل آلامه و تنفساته... و لم يرد الا أن يجعل نفسه قدوة منزلا فيها - بصدق تام - كل ما قاله، و فكر فيه، و قام به، منذ أن وعي ذاته، الي أن لفظ أنفاسه... سيعيش من أجل الأمة - سيبدي الرأي الذي تنتفع به الأمة - سيغتاظ من أجل الأمة - سيتحمل الغيظ من أجل الأمة - سيصبر، و يعلم الأمة الصبر، من أجل الامة - سيصلي من أجل الأمة - سيموت من أجل الأمة!!!

أليس كل ذلك هو الانعجان بمصالح الأمة، و مصير الأمة، لإيصال الأمة الي الدائرة التي رجاها لها نبيها الرسول؟!! انه العالم الاجتماعي المطبق علي ذاته كل ما ورد في نصوص علمه الوسيع الشامل كل ما تحتاجه الأمة - ليس فقط الآن، بل كل ما تحتاجه من روية، و صبر، يوصلانها الي الربح الصامد لها في الغد المنتظر!

سيكون لنا - و لو بالتلميح الموجز - استعراض الامام في كل ما أنتج، و أعلن و أضمر... ستبدولنا - في كل ذلك - شخصية الامام البارزة في تراثه



[ صفحه 169]



الفكري، الروحي الاجتماعي... و في موسويته المتجذوة في إيران و قد زرع فيها وليا من بعده، هو الامام الرضا... و ستبدولنا هذه الشخصية الفذة حتي في ألقابه التي محضه بها المجتمع بأسره، فإذا هي تصفه، و تتكلم به، كما تتكلم بالمعاني روعات البيان.

أما جسر الرصافة: فسيعانقه جثمانا ناطقا بالصمت الكاظم الغيظ... و تلك قيمته المثلي - يحيا بها - من دون أن تمحوها نقطة الختام.



[ صفحه 171]