بازگشت

موسوية الإمام


و كأني بالامام موسي ما تزوج بعدة نساء، تلبية - فقط - لسنة طبيعية تفرضها علينا مقومات الحياة، بل انه اعتمد الزواج وسيلة تمكنه من إكثار النسل، ليكون له - من ذريته بالتخصيص - عدد تعويضي سيملأ به المراكز الشاغرة التي كانت عامرة بالعلويين الطالبيين الذين حذفتهم سياسة الفتك من ساحة الأمة!!!

لقد اعتمد هذه السياسة الغادرة كل من بني أمية، و بني العباس، و كما غيب عن الخط الطالبي جميع أوليائه الطيبين: ابتداء بالإمام علي، مرورا بالحسن، و الحسين، و زين العابدين، و الباقر، و الصادق، وصولا - بالذات - إلي الإمام موسي، من دون أن ينقطع - عن الطالبيين جملة و أفرادا - لا الوعيد و لا التهديد، ساعة بالفتك، و ساعة بالإبادة!!!

انها أسبهاب جذرية، راح الإمام يتعمق بدرسها، كواقع مؤلم، لا نجاة منه إلا بكثير من الحكمة و الدراية... و كان التلطي في الأزقة، و الهروب من المواجهات الدفاعية عن الذات، وسيلة من الوسائل السلبية الضعيفة التي كان يعتمده الطالبيون، للمحافظة علي أرواحهم من وطأة



[ صفحه 184]



الاضطهاد... إلا أنها كانت مداورات شحيحة الإفادة... أما الإمام - و هو في المركز المرموق و المستهدف، فإنه كان يعتمد اللباقة الذكية في مقابلة الحاكمين العباسيين المتملكين الساحات كلها، و كان له وعد منهم بالعفو عنه، ما دام له الخضوع لإرادة العرش!!!

و لكن الإمام - و هو في حالات التلطي الذليل - كان له منحي آخر، يدرس فيه المخططات الكبيرة التي يجب أن ترسم، لا ليخلص عنقه من الذبح، إن لم يكن في هذا المساء، فمع الصباح هو الحاصل بلا مراء؛ بل يخلص الأمة من عناء و ذل طويلي الأمد، لا يخلصها منهما إلا بناء جديد يكسبها قوة دفاعية، تقف بها في وجه عرش يستبد بها، و يمتصها وريدا وريدا!!! و من يدري، في أي غد تنتهي ساعة القهر!!!

و انبثقت في حفيظة الإمام فكرة كأنها نوع من هوس... و لكنه استقبلها بجدية، و راح يدرسها - بإمعان - و استحي من أن يتلفظ بها بشفتيه... حتي لا تسمعها الجدران!

ما هي هذه الفكرة التي امتنع الامام عن ذكره حتي أمام الجدران؟... و لكنه لم ينطق بها الا في سره المقدس، و لكنه هب الي تنفيذها بالتمام! و ها أننا نري التنفيذ الذي سجله لنا التاريخ و هو يعد ذرية الإمام موسي بستين فردا، ابتداء بالامام الرضا، و انتهاء بعبدالله... انهم الذكور من أبناء الإمام، و عددهم ثلاثة و عشرون، ما عدا الإناث، و عددهن سبع و ثلاثون... و أقول: لو أن الإمام الذي عاش أربعة و خمسين عاما، و لم يغيبه السجن عن جدران البيت سبعة عشر عاما... لا نجب ستين آخرين، ليكون عدد ذريته مئة و عشرين!!!

لقد أراد الإمام - فعلا - إكثار النسل، لهدف لم يرد إعلانه أمام



[ صفحه 185]



الجدران، و قام به ضمن الجدران... أما الهدف القائم في طوية ذاته، فهو الجليل المؤمن بأن الأمة المنتظرة فكاكا من كل ما يكبلها من ذل و بهتان، لن ينيلها هذا الرجاء، إلا نخبة من أبنائها الموجهين بهذه الأشواق الملتهبة بالصدق و الإباء!!!

و اجتهد الامام، بكل ما فيه من صدق، و شوق و إباء - في تحضير أبنائه التحضير المجهز بما تحتاجه الأمة من إغاثة تستعين بها الي وصول مرجي... و هكذا نما أبناؤه بين يديه... و كلما بلغ الواحد منهم أشده، زوده بالرشد، و أبعده من يثرب الي جوار كان يثق بحبه و إخلاصه لأهل البيت... و ها هو يحضر ابنه الرضا، و هو المجهز بالعلم، و الفهم، و الإدراك - و يدفعه الي هذا الجوار - إيران - بعد أن لفلفه بإمامة، ستكون له بعد أن يهجر أبوه الدنيا... و لم يكد يصل الإمام الرضا الي خراسان، حتي تبنته إيران، و أنشأت له جامعا - اسمه - لائقا بمقامه!!!

بعد مرور سنوات معدودات، كان العديد ممن خلفهم الإمام موسي، قد تركوا يثرب - هروبا مدروسا ينجيهم من الظلم و الطغيان - و تغلغلوا في كل أنحاء الأرض الإيرانية الحبيبة و الصديقة، حيث تجذروا، و شاركوا في البناء و العمران... أما نموهم الاجتماعي، فقد حققه لهم الانتماء الصادق باسم الموسوية المتسعة في إيران... و ها هو، بعد نيف من مئآت السنين، يظهر في إيران الإمام الخميني العظيم، و هو موسوي الانتماء، ليحرر إيران من طغيان الشاه، لتكون إيران - بعد أكثر من ألف سنة من سنوات الطغيان - حرة و مستقلة باسم الامام الخميني الموسوي الإنتماء...

تلك هي الموسوية - بحد ذاتها - انها انتماء الي الاسلام الطالبي الذي حمله الي الأمة قرآن عربي، جمعه - ناطقا بالحق - طالبي هاشمي اسمه - محمد -.



[ صفحه 186]



و يا للإمام موسي، يعتمر به الاسلام الطالبي، لينشي ء من ذريته بالذات، كوكبة من المغاوير، ينزحون من يثرب، الي جوار إيراني كريم الانتساب... فإذا بهم - حيث حلوا - يبنون للغد مواعيد الغد... و ها هي إيران اليوم، لا يصدق بها إلا العهد، في تركيز الاسلام المحمدي - الهاشمي - الطالبي، علي عمد من التقوي، تعمر بها الأخلاق البريئة من الهذيان!!!

ان الإمام موسي الكاظم، هو الحي - الآن - في الوجدان، تحت شعار الموسوية.



[ صفحه 187]