بازگشت

الصابر


و لن يكون الصبر - في تحديده الموجز - أقل من موهبة تتحلي بها



[ صفحه 189]



النفوس الكريمة في تقبلها، أو تحملها كل ما يعترضها في مجري الحياة. و لن يكون غير العقل في تكييف هذا الصبر، و توسيع مجال النفس به، حتي يتم للذات تحمل ما يفرضه الواقع!!!

من هذا النوع كان صبر الإمام في تقبل و تحمل كل ما قابله به العصر من أنواع التعسف، و التعدي، و الاستبداد - و لقد ألمحنا بها كلها مشروحة في سيرته المعروضة أمامنا في هذا الكتاب...

أما المهم الذي نشير اليه الآن، فهو ان الصبر الذي اعتمده الآن الإمام هو من تعيين العقل الملم بكل قضايا الأمة التي [لن يبعد عنها الضيم الكبير الزاحف اليها من تعسف الحكام، و بالتالي - من قيام البعض من أفراد الأمة بشي ء من العصيان] إلا الصبر علي هذا الضيم... من الآن حتي يتم للأمة كلها وعي يجمعها كلها للقيام بعمليات الرفض!!! ألم نر في مجال هذه السيرة - أن البعض من أبناء الأمة قرر رفض الحاكم، و اعتمد العصيان... و قبل عمليات التنفيذ، جاؤوا يستشيرون الامام، فكان جواب الإمام:

- ليس الوقت وقتكم! و لن يسوقكم العصيان غير المستوفي شروطه، إلا الي هلاككم، و تمزيق خواطر الأمة بالضيم و الهوان!!!

لم يطع رأي الامام القاضي الآن بالرضوخ الصابر - و حزت رؤوس العصاة - و قاست الأمة و يلات الاضطهاد!!! و تم للإمام تليين المواقف، بصبره الراضي بالرضوخ لهيمنة الحكام،... الي أن يغير الله أمرا كان مفعولا!

من هنا كان إدراك الأمة بأن الإمام الواقف علي كل التفاصيل العميقة الجذور، لم ير غير الصبر الطويل مجازا تسلكه الأمة حتي تنجو من المجازر



[ صفحه 190]



التي تهددها في كل آن... و من هنا - أيضا - أدركت الأمة أن الصبر الذي يتعلق به الامام هو خط من خطوط الفكر، لا يجوز أن تحرم منه النفوس، لا في تحمل الضيم - و حسب - بل في حالات التنعم بفيض الغني... ان التصبر علي الغني يوقي الذات من الوقوع في مجارف الخلاعات، و يوقظ النفوس الي حقيقة المنطق، و الي الميل الي فعل الخير و المبرات،... و بالصبر هذا يتم الجنوح الي كل ما هو صواب و مشروع...

لقد طرح الامام كل ذلك أمام الناس... شرح الصبر علي الضيم - و شرح الصبر علي الغني الفائض عن حاجاة الحياة... أما الأمة في مجموعها المتكامل، فإنها رأت أمامها صابرا ممتازا، يفسر الصبر بأجل معانيه... فلقبته بالصابر.