بازگشت

حوار فوق جسر الرصافة


مما لا ريب فيه، أن كل المتوافدين الآن الي جسر الرصافة لإلقاء النظرة الأخيرة علي الراحل، كانوا يكنون للإمام احتراما بليغا لا يستحق مثله الا القليل من الرجال... حتي ان هارون الرشيد - بالذات - و هو القائم الآن بتهريج سياسي يخسره المهابة و الاتزان - كان مأخوذا بمثل هذا الاحترام، تفرضه عليه مسلكية الامام... و لكن هناك - بين المتوافدين الكثيرين - فئة خاصة من المولعين بالامام، أصبحوا متهمين - بولوعهم الشديد - بالمغالات الفاقدة الحد!!! انهم فرقة الواقفية، أو الرافضة... و الرافضة - في معناها المبيت، بقصدون رفض الامتناع بأن الموت - بالذات - و هو الملفلف كل حي بالغياب القاسي الإهاب - لن يصيب الامام موسي الذي سيبقي حيا، رغم أنف الموت الفارض سلطانه علي العباد!!!

يدعي هارون الرشيد - و التهريج أبهة التاج عنده كأنه لؤلؤة - بأن عرض جثمان الامام موسي علي جسر الرصافة - لمدة ثلاثة أيام - سيقع الفئة الرافضة بأن موساهم المسجي، ما أغمض عينيه، و لا أسبل يديه، إلا الموت!!!



[ صفحه 200]



و جاء واحد من فئة الرافضة، و هو عميق الفكر، و سليم الروح - وقف خاشعا أمام الجثمان - ثم جثا و قبل العينين المغمضتين... و راح يقبل القدمين المسبلتين، و هو يقول في تورية كأنها بنان تشير الي مجرم قاتل:

- من أغمض عينيك أيها الحي المبصر؟!!

و من أسبل قدميك أيها المشاء بجبروت الحق؟!!

و تقدم قائد الشرطة المدسوس بين الجماهير، و هو يبتسم ابتسامة مكفوفة... هز الجاثي أمام الجثمان و هو يقول له:

- انه الموت - يا هذا - أغمض العينين... و أسبل القدمين!!! ألم تتأكد بعد؟ أن الموت - وحده - يغمض العين... و يسد الأذن... و يشل القدمين!!!

و رفع الرافضي رأسه نحو قائد الشرطة - و بكل اتزان أجاب:

- و هل أغمض الموت عيني محمد؟!!

و هل شل الصليب قدمي عيسي؟!!

و هل أيبست شفتي أرسطو نقطة السم؟!!

ألا سل أميرالمؤمنين... انه فوقنا في الدكة...

ألا تراه - بدلا عني - يأتيك بالخبر اليقين؟!!

ما حسم الحوار هذا الا سليمان بن أبي جعفر المنصور: و هو عم الخليفة هارون، و هو -أيضا - تقي مشهور، و من أنسباء الإمم المسجي، و يكن له احتراما بليغا... لقد تمني علي قائد الشرطة عدم التورط في شؤون لا تعنيه، و لا سيما القضايا الفكرية البعيدة الغور!!! و تمني علي الرجل أن ينصرف دائما الي معانقة الروح التي هي القيمة الخالدة في مجتمع الإنسان، من دون أن يمسها الموت... و إذا مسها الموت... فعلي الدنيا السلام!!!



[ صفحه 201]