بازگشت

الرسول


و من اطلاع الإمام موسي علي جني الرسول في غار حراء. طيلة خمس و عشرين سنة بدون انقطاع، تركزت مفاهيمه لكل الأبعاد الفكرية و الرسالية التي لا يحققها إلا التصبر و الانتظار!!!

لقد طال الانتظار في هدأة الغار الي خمس و عشرين سنة، و لقد حسبناه طويلا - للوهلة الأولي - من دون أن نقيس، لا طول و لا حجم البعد المنقد من الجهد الطويل في تحليل الأمة، و في كيفية استرجاعها من وضعها الآني الهزيل إلي ردحها الماضي الأصيل - و كانت النتيجة تمعنا بكل الأسباب التي أوقعت الأمة في الخيبة - أما الأسباب فهي المختصرة و المحصورة في انحياد الأمة عن حقيقة الصراط - اما الصراط فهو - أولا و اخرا - ايمان بالله العزيز، في اعتباره احاطة بكل الفضائل، و من أجلها بهاء: الصدق، و روعة الاستقامات... فالعفة ردن منها، و الحق ردفها الوزان - اما العدل، فسحاب منهمر من المقلة العليا، و فيها كل الحب، و كل الاحاطة، و كل المنعة، و كل الوفاء... ان الله - جل شأنه - هو المحسوب مطلا علينا من عمق الأعالي المفسرة بكل نعم السموات... و من دونه - تعبدا و ايمانا - لا ضابط لنا، في مجتمع انساني زاه بالمكرمات، و لا وحدة تجمعنا، و لا صفاء يجلونا و لا أي من صراط.

و انكب الرجل المديد الفكر، و المتسع العباب، ينشي ء للأمة، بل للأمم كلها فوق الأرض - دستورا مقدودا من سماء تغطي الأمة، - بل الارض كلها - بالرجاء.



[ صفحه 32]



و كان الدستور ملموما بقرآن مكتوب بحروف الأرض، لا لتقرأه الأمة و تيبس فيه، بل من اجل ان تحيا و تنتظم به، مجموعة من شرودها الجاهلي، إلي وحدتها المرصعة بالوعي، و الفهم، و الإدراك... و عندئذ يكون لها - منه - حبل البقاء مجدولا كحبل الشمس في نشر الضياء...

و لم يتأخر الأمين محمد - عندما بلغ به الاختلاء إلي تمام الاستيعاب - لحظة واحدة عن الخروج من الغار، و في عبه رسالة، هي من مجهود عمره في البحث و الغوص، و التنقيب...

ما أظن الرسول البهي - و هو الحامل الآن ابهي رسالة - إلا المستعجل النزول إلي الساحة الكبري، في مهمة ابلاغ الأمة - كل البنود الرسالية - القرآنية - الروحية - الحياتية... و من شأنها كلها بناء الإنسان، من أجل أن يكون - و لو بالتدريج - عضوا صالحا في بناء امة يمكنها استعادة ماضيها الذي عبرت به عن جدارة في الحياة التي هي حقيقة غاية الله - عز و شأنه - في زرع الحياة في مهجة الأرض، لينطق بها الإنسان، و يبقي ينطق بها بعيدا عن الزوغان!

و ما اظنها - ابدا - قليلة مهمة الرسول، و لقد بقي طويلا في الغار حتي ترتبت له حروفها... اما ان يقرأها للامة، و أن يشرحها لها، ليجعلها تعيها، و تفهمها، و تعيشها... فإن الانتظار الطويل سيلبث أطول من عمره، و حتي أطول بكثير من اعمار الذين سيلقي علي كواهلهم تواصل الرعد الذي لا يجوز ان يصمت... و ان بناء أمة النبي - و هي المتلكئة منذ دهر طويل - انما هو بحاجة قصوي إلي صدق النبي، و إلي ابعاد مراميه... و ما اعز الصبر الذي انتهجه - بنوع مركز - الإمام الكاظم، حتي يتم الوعي المحتاج إلي طويل الانتظار، و حتي يتم فهم الرسول العظيم في كل مبانيه و كل معانيه.



[ صفحه 33]