بازگشت

الإمامة


و أعطي الإمام موسي العمق كله في دراسة الإمامة في كل مضامينها التي ادعتها الخلافة - و اصبحت الدراسة هذه فرعا من معارف الإمام موسي، و لقد ألم بها!!!

و الإمامة: و لقد افترضها النبي الجليل و ابتغاها، و أوصي بها قبل ان يمم جنان ربه - انما هي منه و له في كل مبانيها و معانيها، و لقد جعلها تمارس تحت عينيه، و امام مجالات تبصره، من دون أن يزيح عليا من تحت ابطه، مشيرا إليه بانه هو الوحيد الثمين الذي يخلفه و يتولي القيام علي تأدية الرسالة النفيسة من بعده - و ليس القصد في القول [من بعده] ليعني أن عليا - بالذات - لم يكن من وهج الرسالة، و لم تكن - هي - من وهجه.

من هنا كان النبي الحريص علي مجتناه الأبدي، حاضر الذهن، و بليغ الاهتمام برسالة تبني الأمة و تحضرها، من ليل له قمر يغيب، إلي يوم لا تغيب الشمس عنه... و من هنا - بالتمام - كان النبي العليم يهفو علي فتاه النجيب، و يلملمه بكل نجم كان يستضي ء به أفق الغار، و يكحله بكل ضوء كان يتلقط به خارج الغار.

و ابتدأ نهج الرسول بتشديد و تسديد لب الفتي بحقيقة الممارسة، و ها هو تحت عين النبي - يمشي الطريق و في يمناه حسام، و في شوقه كل الضرام: يبشر بالكلمة الحق، و بالعزم الذي هو شعاع من منار...

انها الممارسات التي ارادها النبي متحفزة بكل ما فيها من و ثبات.



[ صفحه 40]



حتي إذا ما غاب، راح إلي ربه مطمئنا، من أن الذي يخلفه قد تقوي بالصواب، و هو الصادق الأمين الذي لا ريب فيه باستمطار السحاب علي الأرض اليباب.

و الإمامة - بدورها - لا يجوز ان نمل من اعادة تفسيرها: مبني، و معني، و قصدا مستطابا، حتي يكون لها - في الذهن - فهم مطلق و مرسخ في الألباب... انها امامة مشتقة من أم، و هكذا تكون في التمثيل أبلغ من خلافة، لأنها أم الرسالة التي هي - بكل مبانيها و معانيها - إحاطة بالمجتمع الذي هو، بكل مقدراته الماضية، و الحاضرة، و المستقبلية، الجزيرة العربية المتمددة فوق صحاري الرمال، و المتفاعلة مع كل امتداداتها إلي كل جوار، بحيث تمت للكل - عبر التاريخ السحيق - عمليات الأنصهار، و عمليات التداخل و التبادل و التمازج، من اجل تحقيق المصير، و تصويب المسار...

انها الأمة الوسيعة في مجالاتها المتلازمة بفاعليات المدار، رآها النبي الواسع العين، بحاجة إلي ضوابط لابد من الالتزام بها حتي تستقيم امورها في الحد الحياتي، الذي لا يجوز ان يكون غير متين الجدار... و لقد رأيناه - فعلا - كيف راح ينسق تمتين الجدار، و ها هو الآن ينزل إلي الساحة العريضة يمتن الأمة، ليكون لها السهر الطويل علي تمتين الجدار.

و لكن الخلافة ما أرادت ان تري ارتزام الجدار إلا بعينها السياسية التي هي - بزعمها الآخر - تتمكن من تمتين الجدر، و فعلا اشتدت الخلافة إلي الساحة، بحوار غير ذياك الحوار، و شطبت الإمامة من خط المدار، و ها هي تنهض في الشام سعيدة الخطوات - و إن زائفة - بينما راحت الامامة في يثرب - و ان خائفة - تركز ذاتها في لطوات مقهورة بالعذاب، و الاضطهاد، و الدم المسفوك، ليبقي لها - فقط - من ايجابية الصراع، تثبيت ما رسمته لها مخططات النبي العظيم في ايلائها - وحدها كامامة - خط ابلاغ الأمة حيثيات



[ صفحه 41]



الرسالة بكل ما فيها من صدق، و حق، و طهر، و توضيب استقامة، لا لأن تقرأ، بل لأن تشرح، و لأن تعاش في مداها الطويل و لا لأن تحسب رسالة مخطوطة، بل لأن تعتبر امة مضبوطة بكل ما سننتجه من ايجابيات ناتجة منها في مسيراتها الطويلة المتكاملة بالعلم، و الفهم، و الضمير المولع بالفضائل التي هي عين الله في بنية الإنسان، و بنية مجتمع الإنسان.

لا يظنن أحد ان الإمامة قد ضاعت عما خطط لها النبي العظيم، بل انها التزمت به التزاما قاسيا و ان لم تتمكن في لطواتها المقهورة من شرح الرسالة بكل ما تتوخاه الرسالة... اما الأمة بدورها، فهي التي خسرت سرعة الوصول إلي فهم و وعي، ارادهما لها نبيها الحكيم - لا لعجز في مداركها، بل لأن القابليات الفكرية و الروحية الكامنة في خزانات الأمة، ما تمكنت من تنشيطها و تفعيلها تلك الخلافة، بل - بالعكس - عملت علي تهميدها بتنشيط الترسبات القبلية البدوية الكامنة في زوايا النفوس، و هكذا استدعتها الخلافة من مكامنها لمؤازرتها في دحر الإمامة التي لا تعرف معني السياسة المحققة المجد و المسرة فوق الأرض.

اما القرآن الكريم الذي لا تعرف ان تقرأه و تشرحه إلا الإمامة، فان الخلافة الممثلة الآن بالوليد، راحت هكذا تلحنه و تغنيه:



إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب خرقني الوليد



ليس القصد من التلميحات المريبة هذه، تجميع الشنار، و رميه في وجوه بني امية، لأنهم ابتدعوا خلافة يخلفون بها النبي في خدمة الأمة، و خدمة مصلحة المسلمين - بينما القصد كله محصور في ابلاغ الأمة كلها بأن كل شنار في سياسة الأمة، و توضيب شئوونها الحياتية المصيرية، لا تعاني منه إلا الأمة ذاتها، بكل ما فيها من فصائل أو انتماءات تردها إلي بطون أو قبائل... و هاهم الزعماء من بني امية، يتزعمون خلافة يبتدعونها، أشد



[ صفحه 42]



غيرة من غيرة النبي ذاته علي ذاته أو علي الإسلام!!! لا، و أيم الحق - ليس ذلك منهم محبة بالاسلام، أو غيره قوية عليه!!! بل تشديدا علي سياسة تملكهم - كامويين - زعامة الأمة، من دون أي حساب لطالبين، أو خزرجيين، أو - مثلا - خزاعيين!!! متغافلين عن كل مرمي من مرامي جامع المسلمين، في توحيد كل قبائل الأمة، و كل اسيادها البارزين، في حزمة واحدة، تنشد بالأمة، و تهتدي بهدي المسلمين!

تلك هي خطيئة بني امية: في ترفعهم الزعامي إلي السيادة علي كل ما أراد توحيده نبي المسلمين... و لكنهم ما فهموا أن الخلافة لن تكون لهم، و لا لسواهم، في أي حين... بل لعلي، و قد جعله النبي الكريم يمارسها تحت عينيه، و قبل ان يغيب... و لقد مارسها علي - و لقد شاهدته يمارسها كل يثرب، بكل من فيها من امويين... فلماذا لم يدركوا أن الإمامية هي ذاتها الخلافة التي سيدعونها - هم ذواتهم - الأمويون!

و لو أن المتلمسين خلافة الرسول، كان لهم ولوج امين إلي ذمة المخلوف، لما كان لهم ان يقرأوا الكلمة، و يفتتوا منها الحروف!!! و الكلمة بكل حروفها، هي الرسالة، و الرسالة، بكل ما فيها من أبعاد، انما هي الأمة التي ارادها النبي العزيز الجهاد: كريمة كالحق الصريح، و ملمومة ينورها السداد - فلا حقد و لا بغض، و لا كذب و جهل وعي و رياء، بل وحدة في المساواة، نظيفة الأبوة، و الأمومة، و عزيزة الاخاء... و هكذا الأمة - من يوم إلي يوم - يطول بها العمر، و يسخو لها الرجاء، و في كل واحة من واحاتها، تتبلل الأرض بانداء السماء!

من أوحي إلي الأمويين ان يتلمسوا خلافة و هي خالية من مثل هذا السخاء؟! أم انهم، هم وحدهم، يستنزلون السخاء علي امة لا تجد إلا بهم هذا الرجاء؟!!



[ صفحه 43]



سامح الله بني امية، يشقون الأمة إلي ابعاض، و يعللونها بالرجاء... يرفضون الإمامة لأنها بلا رجاء، و يتلمسون الخلافة لأنها كل النبي، و كل الرجاء... ثم ينتبهون إلي انهم ضلوا ضلالا مبينا إذ آمنوا بكتاب إسمه القرآن، فأوعزوا إلي خليفة منهم، يمثل النبي، و يمثل القران، و هو عليم، و مقتدر، و فهيم... فتناول القرآن بدفتيه - و خرقه تخريقا... لا لأنه وعد وسيع البعد... بل لأنه خسر الأمة كل وحدتها. و كل رجائها في السخاء!!!

ألا بئست سياسة بلا عين و لا أذن و لا عهد: لملمت التراب و جردته من السحاب... و حطمت القوس حتي لا تنبض بالنبال، و ادعت انها السهم، و الخيط، في شدة الزنار، و انها الضوء الهابط من قطب المنار... و ساء قصدها، من دون ان تري و مضة القصد في نبي عظيم أمطرته النعمة صفحة الأرض، فراح يوضب أمة مشفوعة بقرآن، سيكون لها - في ردح من الزمان - عين و شفة و لسان، يتمجد بها الله في كينونة الإنسان.

و لا بنوأمية... لن تطول بهم سياسات الجفاء و سياسات العياء!!! سيكون لهم - أيضا - يوم الوفاء، و يوم المعاد إلي لقاء، و إلي صفاء...

انهم جزء عريض من الأمة... و سيكونون منها في دعم الرجاء... و تحقيق السخاء...

و سيكون لهم - ذاته - القرآن الكريم الدفتين، و المتسع الآفاق - في تنوير اللقاء، و تنوير البقاء.



[ صفحه 45]