بازگشت

التمهيد


كانت الأيام تمر متوالية علي أسرة محمد. و كان الأبناء قد شعروا خلالها بملل كبير و فراغ واسع من جراء وضعهم هذا. فهم يرون أن انقطاع أبيهم عن الحديث قد طال أمده. و هم الآن بحاجة الي أن تعود تلك ألايام التي كان الأب يحدثهم فيها كل يوم. حيث اكتسبوا خلالها معرفة ليست بالهينة عن احوال ائمة آل بيت النبي الاطهار. ما كانوا قد اطلعوا علي الكثير منها من قبل.

و لذلك تراهم في دوامة و حيرة من امرهم. فهم بين امرين لا يقل أحدهما عن الآخر أهمية بالنسبة اليهم. هم يرغبون في أن يأخذ أبوهم قسطا وافرا من الراحة بعد أن حدثهم عن الامام الصادق عليه السلام. و كذلك في الوقت ذاته هم في شوق الي أن يتعرفوا علي احوال الباقين من الأئمة الاطهار عليهم السلام.

و هم بين هذا الأمر و ذاك و قد مضي أكثر من عشرة أيام. كانوا خلالها بين أن يستقر رأيهم بكون الأب قد نال من الراحة ما لا يضره لو بدأ الحديث. و بين شكهم في ذلك لمعرفتهم بأن أباهم رجل قد قارب علي الستين من العمر. و من كان في مثل عمره لم يكن من اليسير عليه في أن ينال الراحة في يوم أو يومين و حتي عشرة أيام. بعد عناء و حديث استمر طوال تلك الأيام التي كان يتحدث بها اليهم. خصوصا



[ صفحه 8]



و أن سنين عمره هذه لم تكن قد مضت عليه الا و اثبتت في نفسه علامات و علامات. و قد احسوا بعضها حينما كبر عودهم. فوجدوا من أبيهم صبرا علي ما لا يطاق الصبر عليه.

كان الابن الأوسط يندفع بين الحين و الآخر ليطلب من أبيه أن يبدأ حديثه. الا أن الابن الأكبر كان يمنعه من ذلك بكثير من اللين و قليل من الشدة. فهو يدرك حاجة أبيه الي الراحة. و أن كان يبالغ في الاعتقاد بحاجة أبيه اليها. غير أن الابن الأوسط كان معذورا في اندفاعه. لأن السبب الذي يدعوه الي كل هذا الاندفاع. هو يعرفه. و طالما كان يحدث نفسه به. فيستأنس اليه. و يأمل في بلوغه.

و في هذا اليوم كان الاصرار من قبل الابن الاوسط علي أن يتقدم لابيه طالبا منه أن يبدأ الحديث قد بلغ مبلغا لم يمنعه منه لين أخيه و لا شدته. مما جعل من الكبير أن يبدأ بالقساوة عليه. لأنه ما أعتاد منه أن يكون بهذا العناد و ذاك الاصرار. و ارتفعت الأصوات بينهما. حتي بلغ اسماع الأب طرفا منها. فما كان منه الا أن نادي علي أبنائه ليستطلع الأمر منهم. و حينما حضرا امامه قال لهما: ما بالكما؟

لم يتح الابن الأوسط وقتا لاخيه في أن يرد علي تسائل أبيه. فبادر قائلا: كنت ارغب يا أبي في أن أطلب اليك أن تبدأ الحديث لنا هذا اليوم عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام. لأنك وعدتنا بذلك و لم تحدثنا. الا أن أخي كان يعترض علي. و يمنعني قائلا: لا تطلب ذلك من أبي. اتركه يحدد الوقت الذي يراه مناسبا له. و أنا أعلم لماذا هو يقول ذلك.

فقال الأب: و لماذا يقول ذلك يا ولدي؟

الابن الأوسط: لكي يفوت علي فرصة أخذك اياي لزيارة الامامين موسي بن جعفر و محمد الجواد عليه السلام.



[ صفحه 9]



الاب: و ما علاقة الحديث بالزيارة يا ولدي؟

الابن الأوسط: ألم يكن الحديث الذي ستحدثنا اياه عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام؟ و الزيارة هي لمرقده الشريف. و هذا يعني أن وقتها سيحين؟

كان الأب قد غاب عن باله الوعد الذي وعده به. و كذلك لم يمر هذا بخلد الابن الأكبر. و ما أن قال الابن الأوسط ذلك حتي تبادر الي ذهنيهما و تذاكره. فضحك الاب من قلبه علي تعليل ابنه هذا. و كذلك اضحك الابن الأكبر قوله أخيه هذا.

ثم قال الاب: لا تشغل بالك يا ولدي. سنتحدث عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام ابتداء من هذا اليوم. لكي يحين الوقت أن شاء الله و نذهب معا لزيارة الامامين الكاظمين عليهماالسلام.

فقال الابن الأوسط و الخجل باد علي محياه. و أن كان قد خالطه سرور كبير: ان كنت تري بانك في حاجة الي الراحة يا أبي فاترك الحديث هذا اليوم الي يوم آخر تراه مناسبا.

فقال الاب: و أي مناسبة هي أفضل من هذا اليوم. و ها أنت قد اوجدتها رغما منها. قال الاب ذلك و هو مسرور ضاحك. ثم تابع القول: اجلسوا لنبدأ الحديث بعد الاتكال علي الله.

جلس الأبناء و قد سروا لما كان قد حدث من نقاش أدخل السرور علي ابيهم. و كان سرور الابن الاوسط كبيرا. حيث ضمن أن الزيارة ستكون ان شاء الله.

فقال الاب: حديثنا اليوم نبدأه بالتعرف علي نسب الامام موسي بن جعفر عليه السلام و ولادته و أسمائه.



[ صفحه 10]