بازگشت

مناقب الامام الكاظم


كان الجميع قد أخذ كل منهم مجلسه و الأب كذلك. فقال الأب: حديثنا اليوم عن المناقب و المعجزات التي ظهرت للامام الصادق عليه السلام أو بسببه. و كثيرا منها كانت السبب في خلاصه من الموت المؤكد الذي كان الرشيد العباسي قد عزم عليه ليسقيه كاسه. و منها ان الرشيد لما أراد أن يقتل الامام موسي بن جعفر عليه السلام عرض قتله علي سائر جنده و فرسانه فلم يقبله منه أحد. فأرسل الي عماله في بلاد الافرنج أن يلتمسوا له قولا لا يعرفون الله و لا رسوله. و قال لهم: اني أريد أن استعين بهم علي أمر. فأرسلوا اليه قوما لا يعرفون من الاسلام و لا من لغة العرب شي ء. و كانوا خمسين رجلا. فلما دخلوا اليه اكرمهم و سألهم:

من ربكم. و من نبيكم؟ فقالوا: لا نعرف لنا ربا. و لا نبيا أبدا. فادخلهم البيت الذي فيه الامام موسي بن جعفر عليه السلام ليقتلوه. و الرشيد ينظر اليهم من روزنة البيت. فلما رأوه رموا اسلحتهم. و ارتعدت فرائصهم و خروا سجدا يبكون رحمة له. فجعل الامام عليه السلام يمر يده علي رؤسهم و يخاطبهم بلغتهم و هم يبكون. فلما رأي الرشيد ذلك



[ صفحه 35]



خشي و صاح بوزيره: أخرجهم. فأخرجوا و هم يمشون القهقري اجلالا له. ثم ركبوا خيولهم و مضوا نحو بلادهم من غير استئذان.

فنجي الامام موسي بن جعفر من كيد هارون و ما كان قد خطط له. و لم كتن هذه هي المرة الوحيدة التي نجا فيها الامام عليه السلام من كيده و انما روي عن الفضل بن الربيع قال: كنت احجب الرشيد. فأقبل علي يوما غضبان و كان بيده سيف يقلبه. فقال لي: يا فضل. بقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك. قال الفضل: فقلت: بمن اجيئك؟ فقال هارون: بهذا الحجازي؟ قال الفضل: فقلت: و أي الحجازيين؟ قال هارون: موسي بن جعفر. قال الفضل: فخفت من الله عزوجل ان جئت به اليه. ثم فكرت في النعمة. فقلت له: أفعل. فقال هارون: ائتني بسوطين و هنبازين و جلادين. قال الفضل: فاتيته بذلك. و مضيت الي منزل أبي ابراهيم موسي بن جعفر عليه السلام. فاتيت الي خربة فيها كوخ من جرايد النخل. فاذا أنا بغلام أسود. فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله. فقال لي: لج. ليس له حاجب و لا بواب. قال الفضل: فولجت اليه. فاذا أنا بغلام أسود. بيده مقص. يأخذ اللحم من جبينه و عرنين انفه. من كثرة السجود. فقلت له: السلام عليك يابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. اجب الرشيد. فقال عليه السلام: ما للرشيد و مالي. أما تشغله نعمته عني؟ ثم قام عليه السلام مسرعا. و هو يقول: لولا اني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان طاعة السلطان للتقية واجبة. اذا ما جئت. قال الفضل: فقلت له: استعد للعقوبة يا أباابراهيم رحمك الله. فقال عليه السلام: أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة؟ و لن يقدر اليوم علي سوء بي ان شاء الله. قال الفضل بن الربيع: فرأيته و قد ادار يده يلوح بها علي رأسه ثلاث مرات. فدخلت



[ صفحه 36]



الي الرشيد. فاذا هو كانه امرأة ثكلي. قائم حيران. فلما رآني قال لي: يا فضل. فقلت لبيك. فقال: جئتني يابن عمي؟ قلت: نعم. قال: لا تكون ازعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون اعلمته اني عليه غضبان؟ فاني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده. ائذن له بالدخول. قال الفضل: فاذنت له. فلما رآه هارون وثب اليه قائما. و عانقه. و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي. ثم اجلسه علي فخذه و قال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال عليه السلام له: سعة ملكك و حبك للدنيا. فقال هارون: ائتوني بحقة الغالية. فاتي بها. فغلفه بيده. ثم أمر ان يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير. فقال موسي بن جعفر عليه السلام: و الله. لو لا اني أري من ازوجه من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا. ما قبلتها. ثم خرج عليه السلام و هو يقول: الحمد لله رب العالمين. فقال الفضل: يا أميرالمؤمنين. اردت أن تعاقبه. فخلعت عليه و أكرمته؟ فقال لي: يا فضل. انك لما مضيت لتجيئني به. رأيت أقواما قد أحدقوا بداري. بايديهم حراب قد غرسوها في اصل الدار. يقولون ان آذي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. خسفنا به. و أن أحسن اليه انصرفنا و تركناه. [1] .

و روي أيضا. ان هارون الرشيد انفذ الي موسي بن جعفر عليه السلام جارية حصيفة. لها جمال و وضاءه لتخدمه في السجن. فقال الامام عليه السلام: قل له: بل انتم بهديتكم تفرحون. لا حاجة لي في هذه. و لا في امثالها. قال الراوي: فاستطار هارون غضبا. و قال: ارجع اليه. و قل له: ليس برضاك حبسناك. و لا برضاك اخذناك. و أترك الجارية عنده و أنصرف. قال الراوي: فمضي و رجع. ثم قام هارون عن



[ صفحه 37]



مجلسه. و أنفذ الخادم اليه ليتفحص عن حالها. فرآها ساجدة لربها. لا ترفع رأسها. تقول: قدوس قدوس. سبحانك سبحانك.

فقال هارون: سحرها و الله موسي بن جعفر بسحره. علي بها. فآتي بها و هي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها. فقال لها: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع. اني كنت عنده واقفة. و هو قائم يصلي ليله و نهاره. فلما انصرف عن صلاته بوجهه و هو يسبح الله و يقدسه. قلت: يا سيدي. هل لك حاجة اعطيكها؟ قال: و ما حاجتي اليك؟ قلت: اني ادخلت عليك لحوائجك. قال: فما بال هؤلاء؟ قالت: فالتفت. فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها بنظري. فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج. و عليها و صفاء و وصائف. لم ار مثل وجوههم حسنا. و لا مثل لباسهم عليهم الحرير الأخضر. و الاكاليل و الدر و الياقوت.

و في أيديهم الأباريق و المناديل. و من كل الطعام. فخررت ساجدة حتي اقامني الخادم. فرأيت نفسي حيث كنت.

قال الراوي: فقال هارون: يا خبيثة. لعلك سجدت فنمتي. فرأيت هذا في منامك؟ قالت: لا و الله يا سيدي. الا قبل سجودي رأيت. فسجدت من أجل ذلك. فقال الرشيد: أقبض هذه الخبيثة اليك. فلا يسمع هذا منها أحد. فاقبلت فيالصلاة. فاذا قيل لها في ذلك. قالت: هكذا رأيت العبد الصالح. فسئلت عن قولها؟ فقالت: اني لما عاينت من الأمر. نادتني الجواري: يا فلانة. أبعدي عن العبد الصالح حتي ندخل عليه. فنحن له دونك. فما زالت كذلك حتي ماتت. و ذلك قبل موت موسي عليه السلام بأيام يسيرة. [2] .



[ صفحه 38]



ثم قال الأب: و روي عن علي بن سويد قال: كتبت الي أبي الحسن موسي عليه السلام و هو في الحبس. اسأله عن حاله. و عن مسائل كثيرة. فاحتبس الجواب علي. ثم اجابني بجواب هذه نسخته. ثم ذكر الحمد و الثناء علي الله تعالي. و ساق الحديث الي أن قال:

كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقيه. و من كتمانها في سعة. فلما انقضي سلطان الجبابرة. و جاء سلطان ذي السلطان العظيم. بفراق الدنيا المذمومة الي أهلها العتاة علي خالقهم. رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه. مخافة أن يدخل الحيرة علي ضعفاء شيعتنا. من قبل جهالهم. فأتق الله جل ذكره. و خص بذلك الأمر أهله. و أحذر أن تكون سبب بليه الأوصياء. أو حادثا عليهم بافشاء ما استودعتك. و اظهار ما استكتمتك. و لن تفعل ان شاء الله.

ان أول ما أنهي اليك: اني انعي اليك نفسي في ليالي هذه. غير جازع و لا نادم و لا شاك. فيما هو كائن مما قد قضي الله جل و عز و حتم. فاستمسك بعروة الدين آل محمد. و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي. و المسالمة لهم و الرضا بما قالوا. و لا تلتمس دين من ليس من شيعتك. و لا تجني دينهم. فأنهم الخائنون الذين خانوا الله و رسوله. و خانوا اماناتهم. ائتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه. و دلوا علي ولاة الأمر منهم. فانصرفوا عنهم. فاذاقهم الله لباس الخوف و الجوع بما كانوا يصنعون. [3] .

الابن الأكبر: و هل أوصي الامام موسي بن جعفر عليه السلام بشي ء آخر؟ و هل دل الناس علي الامام الذي بعده يا أبي؟



[ صفحه 39]



الأب: نعم يا ولدي. فقد روي عن عمر بن واقد. في جملة حديث قال فيه: ثم ان سيدنا موسي بن جعفر عليه السلام دعي بالمسيب. و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام. و كان موكلا به. فقال عليه السلام له: يا مسيب. فقال: لبيك يا مولاي. قال عليه السلام: اني ضاعن في هذه الليلة الي مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. لا عهد الي علي ابني ما عهده الي أبي. و أجعله وصيي و خليفتي. و آمره بأمري. قال المسيب: فقلت: يا مولاي. كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب و اقفالها. و الحرس معي علي الأبواب.

فقال عليه السلام: يا مسيب. ضعف يقينك في الله عزوجل و فينا؟ فقلت: لا يا سيدي فقال عليه السلام: فمه: قلت: يا سيدي. ادعو الله أن يثبتني. فقال عليه السلام: اللهم ثبته.

ثم قال عليه السلام: اني أدعو الله عزوجل باسمه العظيم الذي دعي به آصف حتي جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان. قبل أن يرتد طرفه اليه. حتي يجمع بيني و بين ابني علي في المدينة.

قال المسيب: فسمعته عليه السلام يدعو. ففقدته عن مصلاه. فلم أزل قائما علي قدمي. حتي رأيته قد عاد الي مكانه. و أعاد الحديد الي رجليه. فخررت لله ساجدا لوجهي. شكرا علي ما انعم به علي من معرفته. فقال عليه السلام لي: أرفع رأسك يا مسيب. و أعلم اني راحل الي الله عزوجل. في ثالث هذا اليوم. قال المسيب: فبكيت. فقال عليه السلام لي: لا تبك يا مسيب. فان عليا ابني هو امامك و مولاك بعدي. فاستمسك بولايته. فانك لا تضل اذا لزمته. فقلت: الحمد لله.

قال المسيب: ثم ان سيدي عليه السلام دعاني في ليلة اليوم الثالث.



[ صفحه 40]



فقال لي: اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله عزوجل. فاذا دعوت بشربة من الماء فشربتها. و رأيتني قد انتفخت و أرتفع بطني و اصفر لوني و أحمر و أخضر و أتلون ألوانا. فخبر الطاغية بوفاتي. فاذا رأيت بي هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه احدا. و لا علي من عندي الا بعد وفاتي.

قال المسيب بن زهير: فلم أزل ارقب وعده. حتي دعي عليه السلام بالشربة فشربها. ثم دعاني فقال لي: يا مسيب. ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولي غسلي و دفني. هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا. فاذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها. و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات. و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به. فان كل تربة لنا محرمة. الا تربة جدي الحسين بن علي عليه السلام. فان الله عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا.

قال المسيب: ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به عليه السلام. جالسا الي جانبه. و كان عهدي بسيدي الرضا عليه السلام و هو غلام. فاردت سؤاله. فصاح بي سيدي موسي عليه السلام. و قال لي: أليس قد نهيتك يا مسيب. فلم أزل صابرا. حتي مضي عليه السلام. و غاب الشخص. ثم انهيت الخبر الي الرشيد. فوافي السندي بن شاهك. فوالله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه. فلا تصل أيديهم اليه. و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه. و آراهم لا يصنعون به شيئا. و رأيت ذلك الشخص يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم. و هم لا يعرفونه. فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب. مهما شككت فيه فلا تشكن في. فاني امامك و مولاك. و حجة الله عليك بعد أبي. يا مسيب. مثلي مثل يوسف



[ صفحه 41]



الصديق عليه السلام. و مثلهم مثل أخوته. حين دخلوا عليه. فعرفهم و هم له منكرون. ثم حمل عليه السلام حتي دفن في مقابر قريش. و لم يرفع قبره أكثر مما أمر به. ثم رفعوا قبره بعد ذلك. [4] .

فقال الابن الأكبر لأبيه: أرجوك يا أبي. أجل حديثك عن وفاة الامام موسي بن جعفر عليه السلام الآن: و حدثنا عن علم الامام عليه السلام و ما تحدث به سواء في التفسير أو السنة أو أي شي ء آخر.

فقال الأب: سيكون لنا في ذلك حديثا خاصا يا ولدي. و كذلك في وفاة الامام موسي بن جعفر عليه السلام. و ما ذركته هو ما اقتضته الرواية فقط.

ثم قال الأب: كانت الفترة التي سجن بها الامام أبوابراهيم موسي بن جعفر عليه السلام أربع سنين كما روي عن مسافر حيث قال: أمر أبوابراهيم عليه السلام حين أخرج به. أباالحسن علي بن موسي عليه السلام. أن ينام علي بابه في كل ليلة ما كان حيا الي أن يأتيه خبره. قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن عليه السلام في الدهليز. ثم يأتي بعد العشاء فينام. فاذا أصبح أنصرف الي منزله. قال: فمكث علي هذه الحال أربع سنين. فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا. و فرش له فلم يأت كما كان يأتي. فاستوحش العيال و ذعروا. و دخلنا أمر عظيم من ابطائه. فلما كان من الغد أتي الدار. و دخل الي العيال. و قصد الي أم أحمد. فقال: هات الذي أودعك أبي. فصرخت و لطمت وجهها. و شقت جيبها. و قالت: مات و الله سيدي. فكفها و قال لها: لا تتكلمي بشي ء و لا تظهرية حتي يجي ء الخبر الي الوالي. فأخرجت اليه سفطا و ألفي دينارا أو أربعة آلاف دينار.



[ صفحه 42]



فدفعت ذلك اليه أجمع. دون غيره. و قالت: قال لي فيما بيني و بينه. و كانت أثيرة عنده. احتفظي بهذه الوديعة عندك. لا تطلعي عليها أحدا حتي أموت. فاذا مضيت. فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها اليه. و أعلمي اني قد مت. و قد جاءتني و الله علامة سيدي. فقبض ذلك منها. و أمرهم بالامساك جميعا. الي أن ورد الخبر. و أنصرف و لم يعد بشي ء من المبيت. كما كان يفعل. فما لبثنا الا أياما يسيرة حتي جاءت الخريطة بنعيه عليه السلام. فعددنا الأيام. و تفقدنا الوقت. فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبوالحسن عليه السلام ما فعل من تخلفه عن المبيت و قبضه لما قبض. [5] .

ثم قال الأب: هذا بعض ما روي عن مناقب الامام موسي بن جعفر عليه السلام. و أظن أن فيه الكفاية لنكون علي معرفة بها كجزء من أحواله عليه السلام.

قال الأب ذلك و هم بالنهوض من جلسته و هو يقول: و الي غد سيكون لنا موعد يا أبنائي ان شاء الله.



[ صفحه 43]




پاورقي

[1] عن الصدوق في العيون.

[2] المناقب لابن شهر آشوب.

[3] روي في الكافي عن علي بن سويد.

[4] رواه الصدوق في العيون عن عمر بن واقد.

[5] عن الكافي عن مسافر.