بازگشت

استشهاده


حينما يتحدث الانسان عن سيرة حياة الأئمة الاطهار. لا يجد ما يسعد سامعيه به من حديث. و انما الحديث عن أي دور من ادوار حياتهم يبعث في السامع و المتحدث حزنا كبيرا و أسي عميقا. يصل بالسامع الي ان يبحث مع نفسه عن الحكمة من وراء كل ما كانوا قد عانوه من الظلم و الجور و التقتيل. و لا أظنها الا أن جعلها الله تعالي بلوي ابتلي بها عباده ليتعرف كل عبد منهم علي ما هو عليه من الايمان. و ما سينال من جزاء يوم القيامة.

بهذا كان محمد متفكرا مع نفسه. و كم كان بوده لو أنه أسعد أبناءه بالحديث. الا أن قدر آل البيت النبوي الاطهار كان هكذا. و قدر شيعتهم ان يرافق حديثهم عن ائمتهم الحزن و اللوعة علي ما عانوه.



فهم بين مقتول بمحراب مسجد

و بين سجين ذاق مر عذابه



و بين قتيل بالسموم لكونه

قد اختصه الله بحسن ثوابه



و غيرهم كثر قد احتز رأسهم

و دعوتهم لله ثم كتابه



لذلك فالشيعي تلقاه باكيا

و شكواه للرحمن حتما بما به





[ صفحه 55]



و دخل محمد داره و كان قد كساه شي ء من الحزن بدي علي وجهه. مما جعل من أبنائه يطيلون النظر اليه. و تأدبا منهم لم يسألوه عن السبب في ذلك. و جلس الأب في مكانه بعد القاء التحية التي اعتادها. و جلس أبناؤه معه بعد ان ردوا تحية أبيهم. و ما هي الا بضع دقائق امضوها في صمت. قائل الأب. سنتحدث هذا اليوم عن الكيفية التي استشهد بها الامام الكاظم موسي ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. و من دون أن ينتظر من أبنائه ردا قال: لقد حدثتكم عن بعض ما جري للامام الكاظم عليه السلام في سجون هارون الرشيد. و اليوم أذكر لكم الكيفية التي استشهد بهاالامام عليه السلام.

ثم تابع الأب حديثه بعد صمت قليل: حينما سلم الامام موسي بن جعفر عليه السلام الي السندي بن شاهك بعد أن حول من سجن الربيع بني حيي. حبسه السندي و ضيق عليه. ثم بعث اليه الرشيد بسم في رطب و أمره أن يقدمه اليه. و يحتم عليه في تناوله. ففعل. فمات صلوات الله عليه.

و في رواية: ان السندي بن شاهك حضر بعدما كان بين يديه السم في الرطب و أنه عليه السلام أكل منها عشر رطبات. فقال له السندي: تزداد؟ فقال عليه السلام له: حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه فيما أمرت به. ثم ان السندي أحضر القضاة و العدول قبل وفاته عليه السلام بأيام. و أخرجه اليهم. و قال: ان الناس يقولون: ان أباالحسن موسي في ضنك و ضرر. و ها هوذا لا علة به و لا مرض و لا ضر. فالتفت عليه السلام فقال لهم: اشهدوا علي اني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام. اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم. و سأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكره. و اصفر غدا صفرة شديدة. و أبيض



[ صفحه 56]



بعد غد و أمضي الي رحمة الله و رضوانه. فمضي عليه السلام كما قال في آخر اليوم الثالث. في سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة [1] .

و في رواية عن الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع ممن كان يقبل قوله تعالي: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت. فما رأيت مثله قط في نسكه و فضله. قال: قلت: و كيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه. ممن ينسب الي الخير. فادخلنا علي موسي بن جعفر عليه السلام. فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل. هل حدث به حدث. فان الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به. و يكثرون في ذلك. و هذا منزله و فرشه. موسع عليه غير مضيق. و لم يرد به أميرالمؤمنين سوء. انما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين. و ها هوذا صحيح موسع عليه في جميع أمره. فأسألوه: قال: و نحن ليس لنا هم الا النظر الي الرجل. و الي فضله و سمته. فقال عليه السلام: أما ما ذكره من التوسعة و ما أشبه فهو علي ما ذكر. غير اني اخبركم أيها النفر. اني قد سقيت السم تسع مرات. و اني اخضر غدا. و بعد غد اموت. قال: فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة. قال الحسن: و كان هذا الشيخ من خيار العامة. شيخ صديق. مقبول القول. ثقة ثقة جدا عند الناس. [2] .

ثم قال الأب: و توفي الامام الكاظم عليه السلام من أثر السم الذي وضعوه له في الرطب. و قد حاولوا أن يموهوا علي الوجوه و الأعيان



[ صفحه 57]



أمر علاقتهم بوفاته غير أنهم فشلوا في ذلك. و بانت حقيقة الأمر. ثم حاولوا ذلك مع العامة من الناس. حيث روي أنه عليه السلام سأل السندي بن شاهك: بعد وفاته أن يحضر مولي له ينزل عند دار العباس بن محمد في أصحاب القصب. ليغسله. ففعل السندي ذلك.

قال السندي: و سألته أن يأذن لي أن اكفنه فابا و قال: أنا أهل بيت مهور نسائنا. و حج صرورتنا. و اكفان موتانا. من ظهر مالنا. و عندي كفني. فلما مات عليه السلام أدخل عليه الفقهاء و وجوه أهل بغداد. و فيهم الهيثم بن عدي و غيره. فنظروا اليه لا أثر به. و شهدوا علي ذلك. أخرج فوضع علي الجسر ببغداد. و نودي: هذا موسي بن جعفر قد مات. فانظروا اليه. فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت.

قال: و حدثني رجل من بعض الطالبيين أنه نودي عليه: هذا موسي بن جعفر الذي يزعم الرافضة أنه لا يموت: فانظروا اليه. [3] .

و في رواية: أن السندي بن شاهك جمع بأمر الرشيد سبعين رجلا من فقهاء بغداد و أعيانها و أشرافها. و كشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر عليه السلام. فدني واحد بعد واحد. فنظروا اليه. و ليس به أثر جراحة و لا خنق. و كان في رجله عليه السلام أثر الحناء. فشهدوا كلهم بأنه قد مات حتف أنفه شهادة باطلة. [4] .

و روي عن عبدالله الصيرفي قال: توفي موسي بن جعفر عليه السلام



[ صفحه 58]



في يدي السندي بن شاهك. فحمل علي نعش. و نودي عليه: هذا امام الرافضة فأعرفوه. فلما أتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا: الا من أراد أن يري (الخبيث ابن الخبيث) موسي بن جعفر فليخرج.

فخرج سليمان بن أبي جعفر أخ هارون من قصره الي الشط. فسمع الصياح و الضوضاء. أي أصوات الناس و غلبتهم. فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر عليه السلام علي نعش. فقال لولده و غلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي. فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم. فان مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من سواد. و وضعوه في مفرق أربعة طرق. و أقام المنادين ينادون: الا من أراد أن يشهد الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج.

و حضر الخلق. و غسل و حنط بحنوط فاخر. و كفنه بكفن فيه حبرة. استعملت له بالفين و خمسمائة دينار. عليها القرآن كله. و احتفي و مشي في جنازته متسلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش. فدفن هناك. و كتب يخبر الرشيد.فكتب الرشيد الي سليمان بن أبي جعفر: وصلت رحم يا عم. و أحسن الله جزاك. و الله. ما فعل السندي بن شاهك ما فعله عن أمرنا. [5] .

ثم تابع الأب حديثه بالقول: و يذكرني قول الرشيد هذا بقول يزيد بن معاوية حينما لام عبيدالله بن زياد علي قتله للامام الحسين عليه السلام. متبرئا من الفعلة. و كأنه ما أمر و لا أوعز بذلك. فان كانت العامة من الناس تنطلي عليهم هذه الحجج و الأقاويل. فهي



[ صفحه 59]



معلومة لدي علام الغيوب. و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. و انا لله و انا اليه راجعون.

فقال الابن الأكبر: و متي كانت وفاة الامام موسي بن جعفر عليه السلام يا أبي؟ فقال الأب: روي أنه عليه السلام توفي في سنة ثلاث و ثمانين و مائة للهجرة النبوية الشريفة. و كان له خمس و خمسون سنة. [6] .

و في رواية كانت وفاته عليه السلام لخمس بقين من رجب. و قيل لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة. و له يومئذ خمس و خمسون سنة. و كانت مدة امامته عليه السلام خمسا و ثلاثين سنة. و قام بالأمر و له عليه السلام عشرون سنة. [7] .

ثم قال الأب: و قد كان يوم استشهاده يوم حزن كبير علي آل البيت النبوي الأطهار. حيث تجددت فيه الأحزان التي كانت قد مرت عليهم منذ وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي اليوم الذي توفي عليه السلام فيه.

ثم ساد الأسرة وجوم و صمت طويل. و كأن كلا منهم قد استرجع المآسي و الأحزان التي مرت علي آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و التي ما كان بامكان أي مسلم صادق الايمان أن ينسي أي منها. و أيها يمكن أن تنسي؟ أهي يوم وفاة المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ أم يوم اغتيل أخيه و وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان من المصطفي كما كان هارون من موسي؟ أم تري ممكن نسيان الفاجعة الكبيرة التي فجع بها آل البيت النبوي الاطهار و المسلمون يوم توفيت بضعة النبي



[ صفحه 60]



محمد صلي الله عليه و آله و سلم الطاهرة الزكية الزهراء عليهاالسلام و هي لم تزل في ريعان شبابها و مقتبل عمرها؟ أم تري ممكن نسيان ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ولديه الذين قتلوا بأيدي من اخرجهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الظلمات الي النور؟ تري أي فاجعة يمكن أن تنسي؟ و أي ألم يمكن أن يشفي و الأحزان و المصائب كانت تتري الواحدة بعد الأخري.

هذا ما كان محمد قد استعرضه مع نفسه باطراقه و صمته. و أظن أن الذي دار في خلد الأبناء لم يكن الا مثله. و طال الصمت. و طال الاطراق الي الأرض. و هنا قال الأب: انا لله و انا اليه راجعون. و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم. ثم نهض من مكانه لينهي صمت أبنائه. و هو يقول: و الي غد ان شاء الله تعالي سيكون لنا لقاء و حديث.



[ صفحه 61]




پاورقي

[1] رواه المرتضي في العيون.

[2] رواه الصدوق في الأمالي و العيون عن الحسن بن محمد بن بشار.

[3] عن غيبة الشيخ الطوسي.

[4] روي ذلك السيد عبدالله شبر في كتابه جلاء العيون ج 3 ص 66.

[5] عن الصدوق في العيون عن عبدالله الصيرفي.

[6] عمدة الطالب ص 196.

[7] عن الطبرسي في أعلام الوري.