بازگشت

معاجزه (نظرة في المعجزات)


الامامة هي رئاسة عامة في امور الدين و الدنيا، و هي امتداد لوجود النبي الأكرم صلي الله عليه و آله و حماية لأمانته، و حفظ لعهده، و القيام برسالته، و كل ما صح أن يكون دليلا علي النبوة صح أن يكون دليلا علي الامامة، و دلائل النبوة هي عين دلائل الامامة، ما عدا نزول الوحي، الذي هو من شأن الأنبياء بالاجماع، أما سائر الدلائل التي ظهر بها الأنبياء فهي مشتركة بينهم و بين الأئمة عليهم السلام، كالنص، و السبق في العلم و الحكمة، و الاستقامة و سلامة النشأة، و جملة أحاديثهم و آثارهم، و النسب الرفيع، و اظهار المعجزة و غيرها.

و بما أن الامام يمثل القيادة العامة لمصالح العباد و امور الدين و الدنيا، فليس هناك أي مانع عقلي من صدور المعجزة عنه، من أجل الحصول علي مكسب رسالي عام يكون له أهمية خاصة في مجال الدعوة الي الدين و شريعة الاسلام السمحاء.

فالمعجزة التي تظهر علي أيدي الأنبياء تصديقا لنبوتهم هي ضرورية أيضا لتصديق دعوي الامامة، فلسنا بعد هذا ممن ينكر القابليات الخارقة التي كان يملكها الأئمة عليهم السلام و امكان صدور المعجز عنهم، كيف لا و قد أظهر الله تعالي المعجزات



[ صفحه 120]



لمن هو أدني مقاما من الامام تصديقا لدعواه المرضية عند الله تعالي، و شواهده كثيرة مسطورة في الكتاب و السنة و التأريخ، كالذي ظهر لمريم العذراء عليهماالسلام تبرئة لساحتها، و كما ظهر لأصحاب الكهف و غير ذلك كثير.

و قبل عرض طرف من معجزات الامام الكاظم عليه السلام، لابد أن نشير الي جملة ملاحظات حول هذا الموضوع:

1 - روي الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام بالاسناد عن الحسن ابن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما و عنده علي بن موسي الرضا عليه السلام و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم، فقال له: يا ابن رسول الله، بأي شي ء تصح الامامة لمدعيها؟ قال عليه السلام: بالنص و الدلائل. قال له: فدلالة الامام، فيما هي؟ قال: في العلم و استجابة الدعوة.

قال: فما وجه اخباركم بما يكون؟ قال عليه السلام: ذلك بعهد معهود الينا من رسول الله صلي الله عليه و آله.

قال: فما وجه اخباركم بما في قلوب الناس؟ قال عليه السلام: أما بلغك قول الرسول صلي الله عليه و آله: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله علي قدر ايمانه و مبلغ استبصاره و علمه، و قد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، و قال عزوجل في كتابه: (ان في ذلك لآيات للمتوسمين) [1] .

و في هذا الحديث اجابة واضحة لما يدور في خلد البعض حول موضوع المعجزات و الدلائل التي يتمتع بها أئمة الهدي عليهم السلام، و لا يشك أحد في أنهم عليهم السلام أعلم أهل زمانهم، و أنهم قد تميزوا باستجابة دعواتهم لما استفاضت به الروايات،



[ صفحه 121]



و لا يبقي بعد هاتين المسألتين أدني ريب في ترك بعض ما يرويه الغلاة من خوارق مما لا يناسب مقام الأئمة الأطهار عليهم السلام و لا ينسجم مع منهجهم الرسالي القويم في اثبات الحق بالحجة القاطعة و البرهان الساطع، ففي نفس الحديث المتقدم: قال له المأمون: يا أباالحسن، بلغني أن قوما يغلون فيكم و يتجاوزون فيكم الحد، فقال له الامام الرضا عليه السلام: حدثني أبي موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي ابن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: لا ترفعوني فوق حقي، فان الله تبارك و تعالي اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا... الي أن قال عليه السلام: و انا لنبرأ الي الله عزوجل ممن يغلو فينا، فيرفعنا فوق حدنا، كبراءة عيسي بن مريم عليه السلام من النصاري، قال الله عزوجل: (و اذ قال الله يا عيسي بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله) [2] الي أن قال عليه السلام: فمن ادعي للأنبياء ربوبية، أو ادعي للأئمة ربوبية أو نبوة، أو لغير الأئمة امامة، فنحن منه براء في الدنيا و الآخرة [3] و في هذا وضع الامام الرضا عليه السلام حدا فاصلا بين درجة الغلو و الاعتدال. و لا ريب أنه في النصوص الصريحة الواردة عن النبي صلي الله عليه و آله علي امامتهم عليهم السلام و ما امتازوا به من مؤهلات و قابليات فاقت أهل زمانهم، كفاية لمن شاء أن يعرف الحق بقناعة و وضوح.

هذا مع الاعتراف بأن لهم عليهم السلام القدرة علي اتيان المعجز و أي عمل خارق بمشيئة الله سبحانه و تعالي، و عندما تقتضيه المصلحة الرسالية العامة، و هو ما ينسجم مع اعتقادنا بأن الامامة منصب الهي و هو امتداد لمنصب الرسالة، الا أنها خلو



[ صفحه 122]



من الوحي، و كما أن النبي يحتاج في بناء دعوته الي عناية الهية خاصة تمنحه قدرة روحية في تأثيرها، يمارسها في حالات رسالية معينة، كذلك الامام فانه الأمين الثاني للدعوة و المركز لأساسها و قواعدها، قال الامام الرضا عليه السلام: ان الله عزوجل قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضي الا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و هي مع الأئمة منا تسددهم و توفقهم، و هو عمود من نور بيننا و بين الله عزوجل [4] .

2 - اذا كان يصعب التصديق بالمعجزات أو بعضها، فلأن أصل المعجزة هو كونها خارقة للعادة مخالفة للمألوف، و انما يشترط في قبولها شهرتها و صحة اسنادها، فمتي بقيت نسبتها اليهم عليهم السلام بالطرق المعتبرة و الموثقة، فليس هناك ما يمنع من قبولها، و لم يبق مبرر للشك فيها بعد أن عرفنا عظيم منزلتهم و صحة نسبة الخير اليهم، كيف لا و نحن نري و نصدق الكثير من خوارق العادات التي تظهر لعباد صالحين هم أدني بكثير من مراتب الامام.

أما تلك المعاجز التي رواها اناس لا أمانة لهم علي النقل أو من الغلاة و غيرهم من الشذاذ، فلا ملزم لنا لتصديقها، خصوصا عندما لا نري لمواردها أي مقتضيات مصلحية تعود علي الرسالة بالنفع العام أو الخاص، و الأئمة عليهم السلام قادة رساليون لا يمكن أن تخرج ممارساتهم عن الخط الرسالي الذي هو خط رسالة السماء في أروع صورها و معطياتها.

فقد دس الغلاة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام، و لا سيما في باب المعجزات، من الأحاديث الموضوعة و المنتحلة الكثير، و قد تعددت الأغراض و الأسباب في هذا الباب.



[ صفحه 123]



روي الشيخ الصدوق باسناده عن الامام الرضا عليه السلام، قال: ان مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا و جعلوها علي ثلاثة أقسام، أحدها الغلو، و ثانيها التقصير في أمرنا، و ثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فاذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا و نسبوهم الي القول بربوبيتنا، و اذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، و اذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا [5] اذن لابد للكاتب أو المحقق من الفرز و تحري الدقة في الخوض بمثل هذا الموضوع، و هو أمر يحتاج الي خبرة واسعة و ممارسة طويلة نرجو من الله تعالي أن يسدد من يبحث و يحقق في هذا المورد من علمائنا الأفذاذ و أساتذتنا الأفاضل.

3 - ان الايمان بامامة الأئمة لا يصح أن ينحصر في النظر الي معجزاتهم و كراماتهم فحسب، كما لا يصح اثبات نبوة موسي عليه السلام بقلب العصا ثعبانا، أو نبوة عيسي عليه السلام بخلق الطير من الطين، ما لم يؤيد ذلك بقرائن اخري تجعل المعجزة مدعمة لنبوته أو امامة أئمة أهل البيت عليهم السلام، كحسن سلوكهم مثلا، و غزارة علمهم، و صدق لهجتهم، و فضائل أخلاقهم.

و الا فان بعض خوارق العادات قد تجري علي أيدي غير المؤمنين من طرق السحر و الشعبذة و الحيل و شتي الأفعال التي تحول بين المرء و زوجه، كما ذكرها القرآن المجيد.

و ما أن نعرض أصحابها علي طاولة الاختبار الا انهار كل ما صنعوا باطلا، كما انهار سحر السحرة أمام عصا موسي عليه السلام.

و ان سلوك أئمة أهل البيت عليهم السلام و سنتهم هو امتداد لمنهاج النبي و سلوكه الذي لا ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوي.



[ صفحه 124]



و ان قوله، و فعله، و اقراره، هو الدين الذي أراده سبحانه و تعالي لعباده، و كذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين ورثوا هذا المجد كابرا عن كابر، و أما المعاجز التي تصدر علي أيديهم فهي نعمة منه سبحانه و تعالي لدعم امامتهم أمام الحكام الظالمين و الملحدين و مردة أهل الكتاب.

و عند الايمان بمعجزاتهم عليهم السلام و بقدرتهم علي اتيان خوارق العادات، ليس المطلوب أن نجعلها كل شي ء في اعتقادنا و سلوكنا و ثقافتنا، و انما المطلوب هو الايمان بامامتهم عليهم السلام و بحقيقة ايمانهم لأجل اتباع هديهم و الاقتداء بسلوكهم و سيرتهم و الاهتداء بنهجهم، و لم تأت المعاجز التي أتحفهم بها الله الا خدمة لذلك الغرض، فهي ليست غاية في ذاتها. و انما هي شاهد واحد فقط من عدة شواهد تساهم في تقوية الدافع الي اتباعهم في نفوس الناس.

4 - ان الغرض من المعجزة هو أن تتم بها الحجة و يتوقف عليها التصديق، و أما ما خرج عن هذا فلا يجب علي الله اظهاره، و لا يجب علي النبي أو الامام الاجابة عليه، و لو كان علي سبيل التحدي.

5 - ان اقامة المعجزة ليست أمرا اختياريا للنبي أو الامام، و انما ذلك بيد الله تعالي يظهره حيثما شاء و اقتضت حكمته [6] .

و فيما يلي نذكر شذرات من معجزات الامام الكاظم عليه السلام في أغراض و موضوعات شتي:



[ صفحه 125]




پاورقي

[1] بحارالأنوار 25: 134، الحديث 6، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام: 324.

[2] المائدة: 116 و 117.

[3] بحارالأنوار 25: 135 - 134، الحديث 6.

[4] المصدر المتقدم.

[5] عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 304.

[6] لمزيد من التفصيل في هذا البحث، انظر البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي رحمه الله: 119 - 80، دلائل الامامة: 27 - 7 (تحقيق مؤسسة البعثة)، الامام الصادق عليه السلام: للسيد محمد جواد فضل الله: 81 - 69.