بازگشت

مع الرشيد


و يشتمل هذا الباب ما جري له عليه السلام من مناظرات مع الرشيد، أو مع أعوانه، أو ما جري بمحضره:

1 - روي أبوزيد، قال: أخبرنا عبدالحميد، قال: سأل محمد بن الحسن أباالحسن موسي عليه السلام بمحضر من الرشيد و هو بمكة، فقال له: هل يجوز للمحرم أن يظلل محمله؟ فقال: لا يجوز له ذلك مع الاختيار، فقال محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ قال: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبوالحسن عليه السلام: أتعجب من سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و تستهزي ء بها! ان رسول الله كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم، ان أحكام الله



[ صفحه 164]



تعالي يا محمد لا تقاس، فمن قاس بعضه علي بعض فقد ضل عن سواء السبيل، فسكت محمد بن الحسن، و لم يحر جوابا [1] .

2 - و عن محمد بن الزبرقان الدامغاني - في حديث - عن أبي الحسن موسي عليه السلام، قال: قال الرشيد: اني اريد أن أسألك عن مسألة، فان أجبتني، أعلم أنك صدقتني خليت عنك، و وصلتك، و لم اصدق ما قيل فيك، فقلت: ما كان علمه عندي، أجبتك فيه.

فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم: «يابن رسول الله»، و أنتم ولد علي، و فاطمة انما هي وعاء، و الولد ينسب الي الأب لا الي الام؟

فقلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل. فقال: لست أفعل أو أجبت.

فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شيئا؟ فقال: لك الأمان.

قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (و وهبنا له اسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي و عيسي...) [2] ، فمن أبوعيسي؟ فقال: ليس له أب، انما خلق من كلام الله عزوجل و روح القدس.



[ صفحه 165]



فقلت: انما الحق عيسي بذراري الأنبياء من قبل مريم، و الحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي عليه السلام.

فقال: أحسنت أحسنت يا موسي، زدني من مثله.

فقلت: اجتمعت الامة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلي الله عليه و آله الي المباهلة لم يكن في الكساء الا النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، فقال الله تبارك و تعالي (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم) [3] ، فكان تأويل «أبناءنا» الحسن و الحسين، و «نساءنا» فاطمة، و «أنفسنا» علي ابن أبي طالب.

فقال: أحسنت. ثم قال: أخبرني عن قولكم: «ليس للعم مع ولد الصلب ميراث».

فقلت: أسألك يا أميرالمؤمنين بحق الله و بحق رسوله صلي الله عليه و آله أن تعفيني من تأويل هذه الآية و كشفها، و هي عند العلماء مستورة.

فقال: انك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك و لست أعفيك.

فقلت: فجدد في الأمان. فقال: قد أمنتك.

فقلت: ان النبي صلي الله عليه و آله لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر، و ان عمي العباس قدر علي الهجرة فلم يهاجر، و انما كان في عداد الاساري عند النبي صلي الله عليه و آله، و جحد أن يكون له الفداء، فأنزل الله تبارك و تعالي علي النبي صلي الله عليه و آله يخبره بدفين له من ذهب، فبعث عليا عليه السلام فأخرجه من عند ام الفضل، و أخبر العباس بما أخبره



[ صفحه 166]



جبرئيل عن الله تبارك و تعالي، فأذن لعلي، و أعطاه علامة الموضع الذي دفن فيه.

فقال العباس عند ذلك: يابن أخي، ما فاتني منك أكثر، و أشهد أنك رسول رب العالمين، فلما أحضر علي الذهب، قال العباس: أفقرتني يابن أخي، فأنزل الله تبارك و تعالي: (ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم و يغفر لكم)، و قوله: (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي ء حتي يهاجروا)، ثم قال: (و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر) [4] ؛ فرأيته قد اغتم.

ثم قال: أخبرني من أين قلتم: ان الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله؟

فقلت: اخبرك يا أميرالمؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لأحد ما دمت حيا، و عن قريب يفرق الله بيننا و بين من ظلمنا، و هذه مسألة لم يسألها أحد من السلاطين غير أميرالمؤمنين.

قال: و لا تيم، و لا عدي، و لا بنوامية، و لا أحد من آبائنا؟

قلت: ما سئلت و لا سئل أبوعبدالله جعفر بن محمد عليه السلام عنها.

قال: فان بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به، رجعت عما أمنتك منه، فقلت: لك علي ذلك.

فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا، له اصول و فروع، يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبدالله عليه السلام. فقلت: نعم، و علي عيني يا أميرالمؤمنين.



[ صفحه 167]



قال: فاذا فرغت فارفع حوائجك، و قام و وكل بي من يحفظني، و بعث الي في كل يوم بمائدة سرية.

فكتبت: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمر الدنيا أمران: أمر لا اختلاف فيه، و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون اليها، و الأخبار المجمع عليها، المعروض عليها كل شبهة، و المستنبط منها كل حادثة. و أمر يحتمل الشك و الانكار، و سبيله استنصاح أهل الحجة عليه.

فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع من تأويله، أو سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها، و وجب عليه قبولها، و الاقرار و الديانة بها.

و ما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع علي تأويله، أو سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، وسع خاص الامة و عامها الشك فيه، و الانكار له.

كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه، الي أرش الخدش فما دونه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته، و ما غمض عنك ضوؤه نفيته، و لا قوة الا بالله و حسبنا الله و نعم الوكيل».

فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته، فأخبره فخرج، و عرضت عليه، فقال: أحسنت، هو كلام موجز جامع...، الحديث [5] .

3 - عن أبي أحمد هاني ء بن محمد بن محمود العبدي، عن أبيه، باسناده



[ صفحه 168]



عن موسي بن جعفر عليه السلام - في حديث - قال: قال الرشيد: و أنا اريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحدا، فان أنت أجبتني عنها خليت عنك، و لم أقبل قول أحد فيك، و قد بلغني أنك لم تكذب قط، فاصدقني عما أسألك مما في قلبي.

فقلت: ما كان علمه عندي فاني مخبرك به ان أنت أمنتني.

قال: لك الأمان ان صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة.

فقلت: ليسأل أميرالمؤمنين عما شاء.

قال: أخبرني لم فضلتم علينا؟ و نحن و أنتم من شجرة واحدة، و بنو عبدالمطلب و نحن و أنتم واحد، و انا بنوالعباس و أنتم ولد أبي طالب، و هما عما رسول الله صلي الله عليه و آله و قرابتهما منه سواء؟

فقلت: نحن أقرب. قال: و كيف ذلك؟!

قلت: لأن عبدالله و أباطالب لأب و ام، و أبوكم العباس ليس هو من ام عبدالله، و لا من ام أبي طالب.

قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و آله، و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و قد توفي أبوطالب قبله، و العباس عمه حي؟

فقلت له: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة و يسألني عن كل باب سواه يريده. فقال: لا أو تجيب. فقلت: أمني. قال: قد أمنتك قبل الكلام.

فقلت: ان في قول علي بن أبي طالب عليه السلام ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو انثي لأحد سهم الا للأبوين و الزوج و الزوجة، و لم يثبت للعم مع ولد الصلب



[ صفحه 169]



ميراث، و لم ينطق به الكتاب، الا أن تيما وعديا و بني امية قالوا: «العم والد» رأيا منهم بلا حقيقة، و لا أثر عن النبي صلي الله عليه و آله.

و من قال بقول علي عليه السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح ابن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام، و قد حكم به، و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين: الكوفة و البصرة، و قد قضي به، فانهي الي أميرالمؤمنين فأمر باحضاره و احضار من يقول بخلاف قوله، منهم: سفيان الثوري، و ابراهيم المدني، و الفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول علي عليه السلام في هذه المسألة.

فقال لهم - فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز -: فلم لا تفتون به و قد قضي به نوح به دراج؟ فقالوا: جسر نوح وجبنا.

و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: «علي أقضاكم»، و كذلك قال عمر بن الخطاب: «علي أقضانا» و هو اسم جامع، لأن جميع ما مدح به النبي صلي الله عليه و آله أصحابه من القراءة و الفرائض و العلم داخل في القضاء.

قال: زدني يا موسي. قلت: المجالس بالأمانات، و خاصة مجلسك. فقال: لا بأس عليك. فقلت: ان النبي صلي الله عليه و آله لم يورث من لم يهاجر، و لا أثبت له ولاية حتي يهاجر. فقال: ما حجتك فيه؟

فقلت: قول الله تعالي: (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي ء حتي يهاجروا) [6] ، و ان عمي العباس لم يهاجر.

فقال لي: أسألك يا موسي هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا، أم أخبرت



[ صفحه 170]



أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي ء؟

فقلت: اللهم لا، و ما سألني عنها الا أميرالمؤمنين.

ثم قال: لم جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم الي رسول الله صلي الله عليه و آله و يقولون لكم: «يا بني رسول الله» و أنتم بنو علي، و انما ينسب المرء الي أبيه، و فاطمة انما هي وعاء، و النبي صلي الله عليه و آله جدكم من قبل امكم؟

فقلت: يا أميرالمؤمنين، لو أن النبي صلي الله عليه و آله نشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله و لم لا اجيبه؟! بل أفتخر علي العرب و العجم و قريش بذلك.

فقلت: لكنه صلي الله عليه و آله لا يخطب الي و لا ازوجه. فقال: و لم؟ فقلت: لأنه ولدني و لم يلدك. فقال: أحسنت يا موسي.

ثم قال: كيف قلتم: انا ذرية النبي، و النبي صلي الله عليه و آله لم يعقب، و انما العقب للذكر لا للانثي، و أنتم ولد الابنة، و لا يكون لها عقب؟

فقلت: أسألك علي القرابة و القبر و من فيه الا ما أعفيتني عن هذه المسألة.

فقال: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي؟ و أنت يا موسي يعسوبهم، و امام زمانهم، كذا انهي الي، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شي ء، ألف و لا واو الا و تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عزوجل: (ما فرطنا في الكتاب من شي ء) [7] و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات.



[ صفحه 171]



فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي و عيسي...) [8] من أبوعيسي يا أميرالمؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب.

فقلت: انما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليهاالسلام، و كذلك الحقنا بذراري النبي صلي الله عليه و آله من قبل امنا فاطمة عليهاالسلام.

أزيدك يا أميرالمؤمنين؟ قال: هات.

قلت: قول الله عزوجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [9] ، و لم يدع أحد أنه أدخل النبي صلي الله عليه و آله تحت الكساء عند مباهلة النصاري الا علي بن أبي طالب، و فاطمة، و الحسن و الحسين عليهم السلام، فكان تأويل قوله عزوجل: «أبناءنا» الحسن و الحسين، و «نساءنا» فاطمة، و «أنفسنا» علي بن أبي طالب.

علي أن العلماء قد أجمعوا علي أن جبرئيل قال يوم احد: يا محمد، ان هذه هي المواساة من علي، قال: لأنه مني و أنا منه. فقال جبرئيل: و أنا منكما يا رسول الله. ثم قال: «لا سيف الا ذوالفقار، و لا فتي الا علي»، فكان كما مدح الله عزوجل به خليله عليه السلام اذ يقول: (فتي يذكرهم يقال له ابراهيم) [10] ، انا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل انه منا.



[ صفحه 172]



فقال: أحسنت يا موسي، ارفع الينا حوائجك.

فقلت له: أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع الي حرم جده صلي الله عليه و آله و الي عياله، فقال: ننظر ان شاء الله [11] .

4 - عن التلعكبري، باسناده عن الكاظم عليه السلام، قال: قال لي هارون: أتقولون: ان الخمس لكم؟ قلت: نعم. قال: انه لكثير. قال: قلت: ان الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير [12] .

5 - حكي أنه لما دخل هارون الرشيد حرم مكة، ابتدأ بالطواف، و منع الناس من الطواف، فسبقه أعرابي و جعل يطوف معه، فشق ذلك علي هارون لرشيد، و التفت الي حاجبه كالمنكر عليه.

فقال الحاجب: يا أعرابي، خل الطواف ليطوف أميرالمؤمنين.

فقال الأعرابي: ان الله ساوي بين الأنام في هذا المقام و البيت الحرام، فقال تعالي: (سواء فيه العاكف و الباد و من يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) [13] ، فلما سمع الرشيد ذلك من الأعرابي أمر حاجبه بالكف عنه، ثم جاء الرشيد الي الحجر الأسود ليستلمه، فسبقه الأعرابي فاستلمه، ثم أتي الي المقام



[ صفحه 173]



ليصلي فيه فسبقه فصلي فيه.

فلما فرغ الرشيد من صلواته و طوافه، قال للحاجب: ائتني بالأعرابي، فأتي الحاجب الأعرابي، و قال له: أجب أميرالمؤمنين. فقال: ما لي اليه حاجة، ان كانت له حاجة، فهو أحق بالقيام اليها. فانصرف الحاجب مغضبا، ثم قص علي الرشيد حديثه. فقال: صدق، نحن أحق بالقيام و السعي اليه، ثم نهض الرشيد و الحاجب بين يديه حتي وقف بازاء الأعرابي و سلم عليه، فرد عليه السلام.

فقال له الرشيد: يا أخا العرب، أجلس هاهنا بأمرك؟ فقال له الأعرابي: ليس البيت بيتي، و لا الحرم حرمي، البيت بيت الله، و الحرم حرم الله، وكلنا فيه سواء، ان شئت تجلس و ان شئت تنصرف.

قال: فعظم ذلك علي الرشيد حيث سمع ما لم يخطر في اذنه، و ما ظن أحدا يواجهه بمثل ذلك، فجلس الي جانبه، و قال له: يا أعرابي، اريد أن أسألك عن فرضك، فان قمت به فأنت بغيره أقوم، و ان عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز.

فقال له الأعرابي: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت؟ قال: فعجب الرشيد من سرعة جوابه، و قال: بل سؤال متعلم.

فقال الأعرابي: قم و اجلس مقام السائل من المسؤول. قال: فقام الرشيد وجثا علي ركبتيه بين يدي الأعرابي، فقال له: قد جلست، سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني عما فرضه الله عليك.

فقال له: تسألني عن أي فرض، عن فرض واحد، أم عن خمسة فروض، أم عن سبعة عشر فرضا، أم عن الأربعة و ثلاثين فرضا، أم عن أربعة و تسعين فرضا، أم عن واحدة من أربعين، أم عن واحدة في طول العمر، أم عن خمسة من ماءتين؟ قال: فضحك الرشيد مستهزءا، ثم قال: سألتك عن فرض، فأتيتني بحساب الدهر!



[ صفحه 174]



قال: يا هارون، لولا أن الدين حساب لما أخذ الله الخلائق بالحساب يوم القيامة، قال تعالي: (فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حاسبين) [14] .

قال: فظهر الغضب في وجه هارون و تغير من حال الي حال حين قال له: يا هارون، و لم يقل له: يا أميرالمؤمنين، و بلغ منه ذلك مبلغا شديدا، غير أن الله عصمه من ذلك الغضب، و رجع الي عقله لما علم أن الله هو الذي أنطقه بذلك.

ثم قال له الرشيد: و تربة آبائي و أجدادي ان لم تفسر لي ما قلت أمرت بضرب عنقك بين الصفا و المروة.

فقال له الحاجب: يا أميرالمؤمنين، اعف عنه، وهبه لله تعالي لأجل هذا المقام الشريف. قال: فضحك الأعرابي من قولهما حتي استلقي علي قفاه. فقال له الرشيد: مم تضحك؟ قال: عجبا منكما، فان أحدكما يستوهب أجلا قد حضر، و الآخر يستعجل أجلا لم يحضر. فلما سمع الرشيد ما سمع منه، هانت عليه الدنيا. ثم قال: سألتك بالله الا ما فسرت لي ما قلت، فقد تشوقت نفسي الي شرحه.

فقال الأعرابي: أما سؤالك عما فرض الله علي، فقد فرض الله علي فروضا كثيرة، فقولي لك عن فرض واحد، هو دين الاسلام، و أما قولي لك عن خمسة فروض فهي الصلوات الخمس، و أما قولي لك عن سبعة عشر فهي سبع عشر ركعة في اليوم و الليلة، و أما قولي لك عن أربع و ثلاثين فهي السجدات، و أما قولي عن أربع و تسعين فهي التكبيرات، و أما قولي لك عن واحدة من أربعين فهي الزكاة



[ صفحه 175]



دينار من أربعين دينارا، و أما قولي لك عن واحدة في طول العمر فهي حجة في طول العمر علي الانسان، و أما قولي لك عن خمسة من ماءتين فهي زكاة الورق. فامتلأ الرشيد فرحا و سرورا من تفسير هذه المسائل، و من حسن كلام الأعرابي و عظم فطنته، و استعظمه في عينه.

ثم ان الأعرابي قال للرشيد: سألتني فأجبتك، فاذا سألتك أنا، تجيبني؟ فقال الرشيد: سل.

فقال له الأعرابي: ما يقول أميرالمؤمنين في رجل نظر الي امرأته وقت الصبح، فكانت عليه حراما، فلما كان الظهر حلت له، فلما كان العصر حرمت عليه، فاذا كان المغرب حلت له، فاذا كان العشاء حرمت عليه، فاذا كان الفجر حلت له، فاذا كان الظهر حرمت عليه، فلما كان العصر حلت له، فلما كان المغرب حرمت عليه، فلما كان العشاء حلت له؟

فقال الرشيد: فقد أوقعتني في بحر لا يخلصني منه غيرك.

فقال الأعرابي: أنت أميرالمؤمنين و ليس أحد فوقك، و لا ينبغي أن تعجز عن شي ء، فكيف تعجز عن مسألتي؟

فقال الرشيد: لقد عظم قدرك العلم، و رفع ذكرك، فاريد أن تفسر لي ما ذكرت اكراما لي و لهذا البيت الشريف. فقال الأعرابي: حبا و كرامة.

أما قولي لك في رجل نظر الي امرأته وقت الصبح فكانت عليه حراما، فهذا رجل نظر الي أمة غيره فهي حرام، فلما كان الظهر اشتراها فحلت له، فلما كان العصر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان المغرب تزوجها فحلت له، فلما كان العشاء طلقها فحرمت عليه، فلما كان الفجر راجعها فحلت له، فلما كان الظهر ارتد عن الاسلام فحرمت عليه، فلما كان العصر استتيب فرجع



[ صفحه 176]



فحلت له، فلما كان المغرب ارتدت هي فحرمت عليه، فلما كان العشاء استتيبت فرجعت فحلت له.

قال: فتعجب الرشيد و فرح به، و اشتد عجبه، ثم أمر بعشرة آلاف درهم، فلما حضرت قال: لا حاجة لي بها، ردها الي أصحابها، قال: فهل تريد أن اجري لك جراية تكفيك مدة حياتك. قال: الذي أجري عليك يجري علي.

قال: فان كان عليك دين قضيناه، فلم يقبل منه شيئا، ثم أنشأ يقول:



هب الدنيا تؤاتينا سنينا

فتكدر تارة و تلذ حينا



فما أرضي بشي ء ليس يبقي

و أتركه غدا للوارثينا



كأني بالتراب علي يحثي

و بالاخوان حولي نائحينا



و يوم تزفر النيران فيه

و تقسم جهرة للسامعينا



و عزة خالقي و جلال ربي

لأنتقمن منكم أجمعينا



فلما فرغ من انشاده تأوه الرشيد و سأل عنه و عن أهله و بلاده، فأخبروه أنه موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. و كان تزيي بزي الأعراب زهدا في الدنيا و تورعا عنها، فقام و قبله بين عينيه، ثم قرأ (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [15] .

6 - نقل السيد ابن طاوس عن كتاب «نزهة الكرام و بستان العوام» تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي، أن هارون الرشيد أنفذ الي موسي



[ صفحه 177]



ابن جعفر عليه السلام فأحضره، فلما حضر عنده قال: ان الناس ينسبونكم يا بني فاطمة الي علم النجوم، و ان معرفتكم بها معرفة جيدة، و فقهاء العامة يقولون: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «اذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، و اذا ذكروا القدر فاسكتوا، و اذا ذكروا النجوم فاسكتوا»، و أميرالمؤمنين عليه السلام كان أعلم الخلائق بعلم النجوم، و أولاده و ذريته الذين تقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها.

فقال له الكاظم عليه السلام: هذا حديث ضعيف، و اسناده معطون فيه، والله تعالي قد مدح النجوم، و لو لا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزوجل، و الأنبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها، و قد قال الله تعالي في حق ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام: (و كذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين) [16] .

و قال في موضع آخر: (فنظر نظرة في النجوم - فقال اني سقيم) [17] فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، و ما قال: (اني سقيم)، و ادريس عليه السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم.

و الله تعالي قد أقسم بمواقع النجوم (و انه لقسم لو تعلمون عظيم) [18] ، و قال في موضع آخر: (و النازعات غرقا) الي قوله: (فالمدبرات أمرا) [19] ، يعني بذلك اثني عشر برجا و سبعة سيارات، و الذي يظهر بالليل و النهار بأمر الله عزوجل.



[ صفحه 178]



و بعد علم القرآن، ما يكون أشرف من علم النجوم، و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله عزوجل: (و علامات و بالنجم هم يهتدون) [20] ، و نحن نعرف هذا العلم و ما نذكره.

فقال له هارون: بالله عليك يا موسي، هذا العلم لا تظهره عند الجهال و عوام الناس حتي لا يشنعوا عليك، و انفس عن العوام به [21] ، و غط هذا العلم، و ارجع الي حرم جدك.

ثم قال له هارون: و قد بقي مسألة اخري، بالله عليك أخبرني بها. قال له: سل. فقال: بحق القبر و المنبر، و بحق قرابتك من رسول الله صلي الله عليه و آله أخبرني: أنت تموت قبلي، أو أنا أموت قبلك؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم.

فقال له موسي عليه السلام: أمني حتي اخبرك. فقال: لك الأمان. فقال: أنا أموت قبلك، و ما كذبت و لا أكذب، و وفاتي قريب.

فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها و لا تضجر. فقال له: سل. فقال: خبروني أنكم تقولون: ان جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا، و انكم تقولون: من يكون لنا عليه حق و لا يوصله الينا فليس بمسلم.

فقال له موسي عليه السلام: كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، اذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم [22] و نحن نشتري عبيدا و جواري و نعتقهم، و نقعد معهم، و نأكل معهم، و نشتري المملوك، و نقول له: يا بني، و للجارية: يا بنتي،



[ صفحه 179]



و نقعدهم يأكلون معنا تقربا الي الله سبحانه، فلو أنهم عبيدنا و جوارينا ما صح البيع و الشراء. و قد قال النبي صلي الله عليه و آله لما حضرته الوفاة: «الله الله في الصلاة و ما ملكت أيمانكم» يعني صلوا و أكرموا مماليككم و جواريكم و نحن نعتقهم.

و هذا الذي سمعته غلط من قائله و دعوي باطلة، و لكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، و هؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم علي ذلك، و نحن ندعي ذلك لقول النبي صلي الله عليه و آله يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، و ما كان يطلب بذلك الا ولاء الدين، و الذي يوصلونه الينا من الزكاة و الصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير.

و أما الغنائم و الخمس من بعد موت رسول الله صلي الله عليه و آله فقد منعونا ذلك، و نحن محتاجون الي ما في يد بني آدم الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك، فان نفذ الينا أحد هدية و لا يقول انها صدقة نقبلها لقول النبي صلي الله عليه و آله: «لو دعيت الي كراع لأجبت، و لو اهدي الي كراع لقبلت» - و الكراع اسم قرية، و الكراع يد الشاة - و ذلك سنة الي يوم القيامة. و لو حملوا الينا زكاة و علمنا أنها زكاة رددناها، و ان كانت هدية قبلناها.

ثم ان هارون أذن له في الانصراف، فتوجه الي الرقة، ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده هارون و أطعمه السم فتوفي صلوات الله عليه [23] .

7 - و عن أيوب بن الحسين الهاشمي، قال: قدم علي الرشيد رجل



[ صفحه 180]



من الأنصار، يقال له نفيع - و كان عريضا - قال: فحضر باب الرشيد و معه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز، و حضر موسي بن جعفر عليهماالسلام علي حمار له، فتلقاه الحاجب بالبر و الاكرام، و أعظمه من كان هناك، و عجل له الاذن، فقال نفيع لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا.

قال: هذا شيخ آل أبي طالب، هذا موسي بن جعفر. قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير! أما لئن خرج لأسوءنه، فقال له عبدالعزيز: لا تفعل، فان هؤلاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد في خطاب الا و سموه بالجواب سمة يبقي عارها عليه مدي الدهر.

قال: و خرج موسي بن جعفر عليهماالسلام، فقام اليه نفيع الأنصاري: فأخذ بلجام حماره، ثم قال له: من أنت؟ فقال له: يا هذا، ان كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله بن اسماعيل ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله، و ان كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله علي المسلمين و عليك - ان كنت منهم - الحج اليه، و ان كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتي قالوا: يا محمد، أخرج الينا أكفاءنا من قريش. و ان كنت تريد الصيت و الاسم فنحن الذين أمر الله تعالي بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة بقوله: اللهم صل علي محمد و آل محمد، و نحن آل محمد.

قال: فخلي عنه و يده ترعد، و انصرف بخزي، فقال له عبدالعزيز: ألم أقل لك [24] .



[ صفحه 181]




پاورقي

[1] اعلام الوري: 309. الاحتجاج 2: 168. البحار 99: 176، الحديث 1.

[2] الأنعام: 84 و 85.

[3] آل عمران: 61.

[4] الأنفال: 70 و 72.

[5] الاختصاص: 48. البحار 48: 121، الحديث 1. تحف العقول: 404 نحوه.

[6] الأنفال: 72.

[7] الأنعام: 38.

[8] الأنعام: 84 و 85.

[9] آل عمران: 61.

[10] الأنبياء: 60.

[11] عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 81، الحديث 9. البحار 48: 125، الحديث 2. الاحتجاج 2: 161.

[12] البحار 48: 158، الحديث 33 عن كتاب الاستدراك.

[13] الحج: 25.

[14] الأنبياء: 47.

[15] احقاق الحق 12: 309، عن الروض الفائق: 65، مطبعة الاستقامة بالقاهرة. البحار 48: 141، الحديث 18 عن المناقب لابن شهر آشوب نحوه.

[16] الأنعام: 75.

[17] الصافات: 88 و 89.

[18] الواقعة: 76.

[19] النازعات: 5 - 1.

[20] النحل: 16.

[21] أي لا تعلمهم، من قولهم: نفست عليه الشي ء نفاسة، اذا لم تره له أهلا.

[22] أي كيف يصح بيع الناس العبيد لنا و شراؤنا منهم؟.

[23] فرج المهموم: 107، الحديث 25. البحار 48: 145، الحديث 21، و 58: 252، الحديث 36.

[24] أمالي المرتضي 1: 274. المناقب 4: 316. أعلام الدين: 305. أعلام الوري: 307. البحار 48: 143، الحديث 19.