بازگشت

هشام بن الحكم مع بريهة النصراني


5 - روي الصدوق بالاسناد عن يونس بن عبدالرحمن، عن هشام ابن الحكم، عن جاثليق [1] من جثالقة النصاري يقال له بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية سبعين سنة، و كان يطلب الاسلام، و يطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه



[ صفحه 194]



و يعرف المسيح بصفاته و دلائله و آياته. قال: و عرف بذلك حتي اشتهر في النصاري و المسلمين و اليهود و المجوس، حتي افتخرت به النصاري، و قالت: لو لم يكن فيه دين النصرانية الا بريهة لأجزأنا، و كان طالبا للحق و الاسلام مع ذلك.

و كانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، و كان يسر اليها ضعف النصرانية و ضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن، و أقبل يسأل فرق المسلمين و المختلفين في الاسلام، من أعلمكم؟ و أقبل يسأل عن أئمة المسلمين و عن صلحائهم و علمائهم و أهل الحجي منهم، و كان يستقري ء فرقة فرقة، لا يجد عند القوم شيئا، و قال: لو كانت أئمتكم أئمة علي الحق لكان عندكم بعض الحق.

فوصفت له الشيعة، و وصف له هشام بن الحكم، فقال يونس بن عبدالرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا علي دكاني علي باب الكرخ جالس و عندي قوم يقرأون علي القرآن، فاذا أنا بفوج النصاري معه ما بين القسيسين الي غيرهم نحو من مائة رجل، عليهم السواد و البرانس، و الجاثليق الأكبر فيهم بريهة، حتي نزلوا حول دكاني، و جعل لبريهة كرسي يجلس عليه، فقامت الأساقفة و الرهابنة علي عصيهم، و علي رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم و الكلام الا و قد ناظرته في النصرانية، فما عندهم شي ء، و قد جئت اناظرك في الاسلام.

قال: فضحك هشام، فقال: يا بريهة، ان كنت تريد مني آيات كآيات المسيح، فليس أنا بالمسيح و لا مثله و لا ادانيه، ذلك روح طيبة خميصة [2] مرتفعة،



[ صفحه 195]



آياته ظاهرة، و علاماته قائمة.

قال بريهة: فأعجبني الكلام و الوصف.

قال هشام: ان أردت الحجاج فها هنا.

قال بريهة: نعم، فاني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان؟

قال هشام: ابن عم جده لامه، لأنه من ولد اسحاق، و محمد من ولد اسماعيل.

قال بريهة: و كيف تنسبه الي أبيه؟

قال هشام: ان أردت نسبه عندكم أخبرتك، و ان أردت نسبه عندنا أخبرتك.

قال بريهة: اريد نسبه عندنا - و ظننت أنه اذا نسبه نسبتنا أغلبه - قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها.

قال هشام: نعم، تقولون: انه قديم من قديم، فأيهما الأب، و أيهما الابن؟

قال بريهة: الابن رسول الأب.

قال هشام: ان الأب أحكم من الابن، لأن الخلق خلق الأب.

قال بريهة: ان الخلق خلق الأب و خلق الابن.

قال هشام: ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا اذا اشتركا؟

قال بريهة: كيف يشتركان و هما شي ء واحد! انما يفترقان بالاسم.

قال هشام: انما يجتمعان بالاسم.

قال بريهة: جهل هذا الكلام.



[ صفحه 196]



قال هشام: عرف هذا الكلام.

قال بريهة: ان الابن متصل بالأب.

قال هشام: ان الابن منفصل عن الأب.

قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس.

قال هشام: ان كان ما يعقله الناس شاهدا لنا و علينا فقد غلبتك، لأن الأب كان و لم يكن الابن، فتقول هكذا يا بريهة؟

قال: ما أقول هكذا.

قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك؟

قال بريهة: ان الأب اسم، و الابن اسم يقدر به القديم.

قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الأب و الابن؟

قال بريهة: لا، و لكن الأسماء محدثة.

قال هشام: قد جعلت الأب ابنا و الابن أبا، ان كان الابن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب، و ان كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن فهو الأب، و الابن أب، و ليس هاهنا ابن!

قال بريهة: ان الابن اسم للروح حين نزلت الي الأرض.

قال هشام: فحين لم تنزل الي الأرض، فاسمها ما هو؟

قال بريهة: فاسمه ابن نزلت أو لم تنزل.

قال هشام: فقبل النزول، هذه الروح كلها واحدة و اسمها اثنان؟

قال بريهة: هي كلها واحدة، روح واحدة.

قال هشام: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا و بعضها أبا.

قال بريهة: لا، لأن اسم الأب و اسم الابن واحد.



[ صفحه 197]



قال هشام: فالابن أبو الأب، و الأب أبوالابن، و الابن واحد.

قالت الأساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط، تقوم؟ فتحير بريهة، و ذهب ليقوم، فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من الاسلام؟ أفي قلبك حزازة؟ فقلها، و الا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك فتصبح و ليس لك همة غيري.

قالت الأساقفة: لا ترد هذه المسألة، لعلها تشكك.

قال بريهة: قلها يا أباالحكم.

قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب؟ قال: نعم.

قال: أفرأيتك الأب يعلم كل ما عند الابن؟ قال: نعم.

قال: أفرأيتك تخبر عن الابن، أيقدر علي حمل كل ما يقدر عليه الأب؟ قال: نعم.

قال: أفرأيتك تخبر عن الأب، أيقدر علي كل ما يقدر عليه الابن؟ قال: نعم.

قال هشام: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه و هما متساويان؟ و كيف يظلم كل واحد منهما صاحبه؟!

قال بريهة: ليس منهما ظلم.

قال هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب، و الأب ابن الابن، بت عليها يا بريهة. و افترق النصاري و هم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما و لا أصحابه.

قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتي صار الي منزله، فقالت امرأته التي تخدمه: ما لي أراك مهتما مغتما؟ فحكي لها الكلام الذي كان بينه و بين هشام،



[ صفحه 198]



فقالت: ويحك، أتريد أن تكون علي حق أو علي باطل؟ فقال بريهة: بل علي الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل اليه، و اياك و اللجاجة، فان اللجاجة شك، و الشك شؤم، و أهله في النار. قال: فصوب قولها، و عزم علي الغدو علي هشام.

قال: فغدا عليه و ليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام، ألك من تصدر عن رأيه، و ترجع الي قوله، و تدين بطاعته؟

قال هشام: نعم يا بريهة.

قال: و ما صفته؟

قال هشام: في نسبه أو في دينه؟

قال: فيهما جميعا، صفة نسبه و صفة دينه.

قال هشام: أما النسب فخير الأنساب، رأس العرب، و صفوة قريش، و فاضل بني هاشم، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه، لأن قريشا أفضل العرب، و بني هاشم أفضل قريش، و أفضل بني هاشم خاصهم و دينهم و سيدهم، و كذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره، و هذا من ولد السيد.

قال: فصف دينه.

قال هشام: شرائعه، أو صفة بدنه و طهارته؟

قال: صفة بدنه و طهارته.

قال هشام: معصوم فلا يعصي، و سخي فلا يبخل، شجاع فلا يجبن، و ما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين، قائم بما فرض عليه، من عترة الأنبياء، و جامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب، و ينصف عند الظلم، و يعين عند الرضا، و ينصف من الولي و العدو، و لا يسأل شططا في عدوه، و لا يمنع افادة وليه، يعمل بالكتاب و يحدث بالاعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول



[ صفحه 199]



الأئمة الأصفياء، لم تنقص له حجة، و لم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، و يجلو كل مدلهمة.

قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته، و أثبته بحججه و آياته، الا أن الشخص بائن عن شخصه، و الوصف قائم بوصفه، فان يصدق الوصف نؤمن بالشخص.

قال هشام: ان تؤمن ترشد، و ان تتبع الحق لا تؤنب.

ثم قال هشام: يا بريهة، ما من حجة أقامها الله علي خلقه الا أقامها علي وسط خلقه و آخر خلقه، فلا تبطل الحجج، و لا تذهب الملل، و لا تذهب السنن.

قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق و أقربه من الصدق، و هذه صفة الحكماء، يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم.

فارتحلا حتي أتيا المدينة، و المرأة معهما، و هما يريدان أباعبدالله عليه السلام، فلقيا موسي بن جعفر عليه السلام فحكي له هشام الحكاية، فلما فرغ قال موسي ابن جعفر عليه السلام: يا بريهة، كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم.

قال عليه السلام: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه!

قال: فابتدأ موسي بن جعفر عليه السلام بقراءة الانجيل، قال بريهة: و المسيح لقد كان يقرأ هكذا، و ما قرأ هذه القراءة الا المسيح.

ثم قال بريهة: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك.

قال: فآمن و حسن ايمانه، و آمنت المرأة و حسن ايمانها.

قال: فدخل هشام و بريهة و المرأة علي أبي عبدالله عليه السلام، و حكي هشام الحكاية و الكلام الذي جري بين موسي عليه السلام و بريهة، فقال أبوعبدالله عليه السلام: (ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم).



[ صفحه 200]



فقال بريهة: جعلت فداك، أني لكم التوراة و الانجيل و كتب الأنبياء؟

قال عليه السلام: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرأوها، و نقولها كما قالوها. ان الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء فيقول لا أدري.

فلزم بريهة أباعبدالله عليه السلام حتي مات أبوعبدالله عليه السلام، ثم لزم موسي ابن جعفر عليه السلام حتي مات في زمانه، فغسله بيده، و كفنه بيده، و لحده بيده، و قال: هذا حواري من حواريي المسيح، يعرف حق الله عليه. قال: فتمني أكثر أصحابه أن يكونوا مثله [3] .



[ صفحه 201]




پاورقي

[1] الجاثليق: مقدم الأساقفة.

[2] أي منزهة عن الرذائل النفسية و الكدورات المادية.

[3] التوحيد: 270، الحديث 1. البحار 10: 234، الحديث 1، و 26: 181، الحديث 7.