بازگشت

هلاك الهادي بدعاء الامام


روي ابن طاوس بالاسناد عن أبي الوضاح محمد بن عبدالله النهشلي، قال: أخبرني أبي، قال: لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ، و تفرق الناس عنه، حمل رأسه و الأسري من أصحابه الي موسي بن المهدي، فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلا:



بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا



فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا





[ صفحه 374]





ولكن حكم السيف فينا مسلط

فنرضي اذا ما أصبح السيف راضيا



و قد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا



فان قلتم انا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا و لكن قد أسأنا التقاضيا



ثم أمر برجل من الأسري فوبخه ثم قتله، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و أخذ من الطالبيين، و جعل ينال منهم الي أن ذكر موسي بن جعفر عليه السلام، فنال منه. قال: والله ما خرج حسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه!

فقال له أبويوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي، و كان جريئا عليه: يا أميرالمؤمنين، أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر، و لو لا ما سمعته من المهدي، فيما أخبر به المنصور، بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه و علمه و فضله، و ما بلغني من السفاح فيه من تقريظه و تفضيله، لنبشت قبره و أحرقته بالنار احراقا.

فقال أبويوسف: نساؤه طوالق، و عتق جميع ما يملك من الرقيق، و تصدق بجميع ما يملك من المال، و حبس دوابه، و عليه المشي الي بيت الله الحرام، ان كان مذهب موسي بن جعفر الخروج، لا يذهب اليه، و لا مذهب أحد من ولده، و لا ينبغي أن يكون هذا منهم.

ثم ذكر الزيدية و ما ينتحلون، فقال: و ما كان بقي من الزيدية الا هذه العصابة، الذين كانوا قد خرجوا مع حسين بن علي، و قد ظفر أميرالمؤمنين بهم، و لم يزل يرفق به حتي سكن غضبه.

قال: و كتب علي بن يقطين الي أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام بصورة



[ صفحه 375]



الأمر، فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته و شيعته، فأطلعهم أبوالحسن عليه السلام علي ما ورد عليه من الخبر، و قال لهم: ما تشيرون في هذا؟

فقالوا: نشير عليك - أصلحك الله - و علينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار، و تغيب شخصك دونه، فانه لا يؤمن شره و عاديته و غشمه، سيما و قد توعدك و ايانا معك.

فتبسم موسي عليه السلام ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة، و هو:



زعمت سخينة [1] أن ستغلب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب



ثم أقبل علي من حضره من مواليه و أهل بيته، فقال: ليفرخ روعكم [2] ، انه لا يرد أول كتاب من العراق الا بموت موسي بن المهدي و هلاكه.

فقالوا: و ما ذلك أصلحك الله؟

فقال: سنح لي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله في منامي، فشكوت اليه موسي بن المهدي، و ذكرت ما جري منه في أهل بيته عليهم السلام و أنا مشفق من غوائله. فقال لي: لتطب نفسك يا موسي، فما جعل الله لموسي عليك سبيلا، فبينما هو يحدثني اذ أخذ بيدي و قال لي: قد أهلك الله آنفا عدوك، فليحسن لله شكرك.

ثم استقبل أبوالحسن عليه السلام القبلة، و رفع يديه الي السماء يدعو، و كان خاصته من أهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه، و معهم في أكمامهم ألواح أبنوس لطاف و أميال، فاذا نطق أبوالحسن عليه السلام بكلمة أو أفتي في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في



[ صفحه 376]



ذلك، فسمعناه و هو يقول في دعائه: شكرا لله جلت عظمته: الهي كم من عدو انتضي علي سيف عداوته... الي آخر الدعاء - و هو دعاء طويل جليل المضامين، و هو المسمي بدعاء «الجوشن الصغير».

ثم أقبل علينا مولانا أبوالحسن عليه السلام و قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، عن جده، أنه سمع رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: اعترفوا بنعمة الله عليكم، و توبوا الي الله من جميع ذنوبكم، فان الله يحب الشاكرين من عباده.

و تفرق القوم فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسي بن المهدي، و البيعة لهارون الرشيد.

و في ذلك يقول بعض من حضر موسي بن جعفر عليه السلام من أهل بيته، يصف تلك الدعوة و سرعة اجابتها:



و سارية لم تسر في الأرض تبتغي

محلا و لم يقطع بها العبد قاطع



تمر وراء الليل و الليل ضارب

بجثمانه فيه سمير وهاجع



تفتح أبواب السماء و دونها

اذا قرع الأبواب منهن قارع



اذا وردت لم يردد الله وفدها

علي أهلها والله راء و سامع



و اني لأرجو الله حتي كأنما

أري بجميل الظن ما الله صانع [3] .



و هكذا مات الطاغية قبل أن ينال الامام عليه السلام بسوء، و انطوت بموته صفحة سوداء من تأريخ بني العباس، و ذلك في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 170 ه.



[ صفحه 377]




پاورقي

[1] سخينة: لقب قريش، لأنها كانت تعاب بأكل السخينة، و هي حساء يعمل من التمر و السمن.

[2] أفرخ روعه: خلا قلبه من الهم.

[3] مهج الدعوات: 227 - 217. المجالس السنية 5: 535 - 532. و انظر أيضا عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 7 / 79. أمالي الطوسي 2: 35. أمالي الصدوق: 2 / 307. البحار 48: 17 / 217، و 18 / 218 و 19.