بازگشت

القبض علي الامام و سجنه


1 - في «عيون أخبار الرضا عليه السلام»: عن الطالقاني، عن محمد بن يحيي الصولي، عن أحمد بن عبدالله، عن علي بن محمد بن سليمان، عن ابراهيم ابن أبي البلاد، قال:

كان يعقوب بن داود يخبرني أنه قد قال بالامامة، فدخلت اليه بالمدينة في الليلة التي أخذ فيها موسي بن جعفر عليه السلام في صبيحتها، فقال لي: كنت عند الوزير الساعة - يعني يحيي بن خالد - فحدثني أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله صلي الله عليه و آله كالمخاطب له: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله، اني أعتذر اليك من أمر قد عزمت عليه، فاني اريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت أن يلقي بين امتك حربا يسفك فيها دماءهم».

و أنا أحسب أنه سيأخذه غدا. فلما كان من الغد أرسل اليه الفضل بن الربيع و هو قائم يصلي في مقام رسول الله صلي الله عليه و آله، فأمر بالقبض عليه و حبسه [1] .



[ صفحه 400]



2 - روي الشيخ المفيد رحمه الله و الشيخ الطوسي رحمه الله بعدة أسانيد، و كذا الشيخ الصدوق رحمه الله [2] بما لا يخرج عما ورد في روايتهما الا في بعض التفاصيل، قالوا: خرج الرشيد الي الحج في هذه السنة - سنة 179 ه - فبدأ بالمدينة و قبض فيها علي أبي الحسن موسي عليه السلام.

و يقال أنه لما ورد المدينة استقبله موسي عليه السلام في جماعة من الأشراف، و انصرفوا من استقباله، فمضي أبوالحسن عليه السلام الي المسجد علي رسمه، فأقام الرشيد الي الليل، فصار الي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول الله، اني أعتذر اليك من شي ء اريد أن أفعله، اريد أن أحبس موسي بن جعفر، فانه يريد التشتيت بين امتك، و سفك دمائها.

ثم أمر به، فاخذ من المسجد فادخل عليه فقيده، و استدعي قبتين، جعله في احداهما علي بغل، و جعل القبة الاخري علي بغل آخر، و أخرج البغلتين من داره عليهما القبتان مستورتان، و مع كل واحدة منهما خيل، فافترقت الخيل، فمضي بعضها مع احدي القبتين علي طريق البصرة و كان عليها حسان السروي، و الاخري علي طريق الكوفة، و كان أبوالحسن عليه السلام في القبة التي مضي بها علي طريق البصرة، و انما فعل ذلك الرشيد ليعمي علي الناس الأمر في باب أبي الحسن عليه السلام.

و أمر حسان أن يسلمه الي عيسي بن جعفر بن المنصور، و كان أميرا علي البصرة حينئذ، فسلم اليه فحبسه.

و كان حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال، و قيل: في السابع و العشرين



[ صفحه 401]



من رجب سنة تسع و سبعين و مائة، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه الي عيسي بن جعفر نهارا علانية حتي عرف ذلك، و شاع أمره، فحبسه عيسي في بيت من بيوت الحبس الذي كان يحبس فيه، و أقفل عليه، و شغله عند العيد، فكان لا يفتح عليه الباب الا في حالتين: حال يخرج فيها الي الطهور، و حال يدخل اليه فيها الطعام.

قال الفيض بن أبي صالح، و كان نصرانيا ثم أظهر الاسلام، و كان يكتب لعيسي بن جعفر: لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله.

فبقي محبوسا عنده سنة، و كتب اليه الرشيد في دمه، فاستدعي عيسي بعض خواصه و ثقاته فاستشارهم، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك، و الاستعفاء منه، فكتب عيسي الي الرشيد: لقد طال أمر موسي بن جعفر و مقامه في حبسي، و قد اختبرت حاله، و وضعت عليه العيون طول هذه المدة، فما وجدته يفتر عن العبادة، و وضعت عليه من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك و لا علي و لا ذكرنا بسوء، و ما يدعو الا لنفسه بالمغفرة و الرحمة، فان أنت أنفذت الي من يتسلمه مني و الا خليت سبيله، فاني متحرج من حبسه.

و روي أن بعض عيون عيسي بن جعفر رفع اليه أنه يسمعه كثيرا يقول في دعائه: اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم و قد فعلت، فلك الحمد. فوجه الرشيد من تسلمه منه و صيره الي بغداد، فسلم الي الفضل بن الربيع فبقي محبوسا عنده مدة طويلة [3] .



[ صفحه 402]



و روي الصدوق في «العيون»، بسنده عن عبدالله القروي، قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح، فقال لي: ادن مني، فدنوت حتي حاذيته ثم قال لي: أشرف الي البيت في الدار، فأشرفت، فقال لي: ما تري في البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا. فقال: انظر حسنا. فتأملت و نظرت فتيقنت، فقلت: رجل ساجد.

فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك. قلت: و من مولاي؟ قال: تتجاهل علي؟ فقلت: لا أتجاهل، و لكني لا أعرف لي مولي. فقال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر، اني أتفقده الليل و النهار، فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي اخبرك بها، أنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، و قد وكل من يترصد له الزوال، فلست أدري متي يقول الغلام: قد زالت الشمس، اذ يثب فيبتدي ء بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا، فاعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك الي أن يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة، فاذا صلي العتمة أفطر علي شوي [4] يؤتي به، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، فلست أدري متي يقول الغلام: ان الفجر قد طلع، اذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول الي.



[ صفحه 403]



فقلت: اتق الله، و لا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا الا كانت نعمته زائلة.

فقال: قد أرسلوا الي في غير مرة يأمرونني بقتله فلم اجبهم الي ذلك، و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني [5] .

و عن الخطيب البغدادي في «تأريخ بغداد»، و غيره: قال: «بعث موسي ابن جعفر عليه السلام من الحبس رسالة الي هارون يقول له: لن ينقضي عني يوم من البلاء حتي ينقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتي نفضي جميعا الي يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون» [6] .


پاورقي

[1] عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 3 / 73. البحار 48: 13 / 213.

[2] الارشاد 2: 242، الغيبة للشيخ الطوسي: 21. عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 10 / 85.

[3] الارشاد 2: 240.

[4] الشوي: ما يشوي من اللحم.

[5] عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 10 / 106. أمالي الصدوق: 18 / 136. روضة الواعظين: 259.

[6] تأريخ بغداد 13: 32 - 31. تذكرة الخواص: 360. الفصول المهمة: 222. البداية و النهاية 10: 183. الكامل في التأريخ 6: 164. سير أعلام النبلاء 6: 273.