بازگشت

الشهادة


و طلب الرشيد من الفضل بن الربيع قتله فأبي، فكتب اليه أن يسلمه الي الفضل بن يحيي البرمكي، فتسلمه منه، و جعله في بعض حجر دوره، و وضع عليه الرصد، و كان عليه السلام مشغولا بالعبادة، يحيي الليل كله صلاة و قراءة للقرآن و دعاء و اجتهادا، و يصوم النهار في أكثر الأيام، و لا يصرف وجهه عن المحراب، فوسع عليه الفضل بن يحيي و أكرمه، فبلغ ذلك الرشيد و هو بالرقة [1] ، فكتب اليه ينكر عليه توسعته علي موسي عليه السلام، و يأمره بقتله، فتوقف عن ذلك، و لم يقدم عليه، فاغتاظ الرشيد من ذلك.

و يعث مسرورا لخادم علي البريد الي بغداد، و قال له: ادخل من فورك علي موسي بن جعفر، فان وجدته في سعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب الي العباس بن محمد، و مره بامتثال ما فيه، و سلم اليه كتابا آخر الي السندي بن شاهك، يأمره فيه بطاعة العباس بن محمد.

فقدم مسرور، فنزل دار الفضل بن يحيي، لا يدري أحد ما يريد، ثم دخل علي موسي بن جعفر عليه السلام فوجده علي ما بلغ الرشيد، فمضي الي العباس بن محمد، و السندي بن شاهك، فأوصل الكتابين اليهما

فخرج الرسول من عند العباس يركض ركضا الي الفضل بن يحيي، فركب معه و هو مدهوش حتي دخل علي العباس بن محمد، فدعا العباس بسياط



[ صفحه 414]



و عقابين [2] ، و أمر بالفضل فجرد من ثيابه، و ضربه السندي بين يديه مائة سوط، و خرج متغير اللون خلاف ما دخل، فجعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا، و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد، فأمر بتسليم موسي عليه السلام الي السندي بن شاهك، و جلس الرشيد مجلسا حافلا، و قال: أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني، و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار بلعنه، فبلغ يحيي بن خالد الخبر، فركب الي الرشيد، و دخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه، حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر به، ثم قال: التفت الي يا أميرالمؤمنين، فأصغي اليه فزعا، فقال: ان الفضل حدث، و أنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه و سر، فقال له يحيي: يا أميرالمؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك اياه، فشرفه بازالة ذلك، فأقبل علي الناس فقال: ان الفضل كان قد عصاني في شي ء فلعنته، و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت، و قد توليناه.

ثم خرج يحيي علي البريد حتي وافي بغداد، فماج الناس و أرجفوا بكل شي ء، و أظهر أنه ورد لتعديل السواد، و النظر في أمر العمال، و تشاغل ببعض ذلك أياما، ثم دعا السندي بن شاهك، فأمره بقتل موسي بن جعفر عليه السلام، فقتله.

قيل: جعل له سما في طعام و قدمه اليه. و قيل: جعله في رطب، فأكل منه فأحس بالسم، و لبث ثلاثا بعده موعوكا منه، ثم مات في اليوم الثالث [3] .



[ صفحه 415]



و في «مقاتل الطالبيين»: أن يحيي بن خالد أمر السندي فلفه في بساط و قعد الفراشون النصاري علي وجهه.

و عن «عمدة الطالب»: قيل: انه سم، و قيل: بل لف في بساط و غمز حتي مات [4] .

و روي الشيخ الكليني رحمه الله و الشيخ الصدوق رحمه الله بالاسناد عن شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة، أنه قال:

قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت مثله قط في نسكه و فضله.

قلت: كيف رأيته؟

قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الي الخير، فادخلنا علي موسي بن جعفر، فقال لنا السندي: يا هؤلاء، انظروا الي هذا الرجل، هل حدث به حدث، فان الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه، و يكثرون في ذلك، و هذا منزله و فرشه موسع عليه غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين سوءا، و انما ينتظره أن يقدم فيناظر، و ها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره، فاسألوه.

قال: و نحن ليس لنا هم الا النظر الي الرجل، و الي فضله و سمته، فقال: أما



[ صفحه 416]



ما ذكر من التوسعة فهو علي ما ذكر، غير أني اخبركم أني قد سقيت السم في تسع تمرات، و اني أحتضر غدا، و بعد غد أموت، فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة [5] .

و روي أنه عليه السلام لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك أن يحضر مولي له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله و تكفينه، ففعل ذلك.

و قال السندي: فكنت أسأله في الاذن لي في أن اكفنه فأبي، و قال: انا أهل بيت مهور نسائنا، و حج صرورتنا [6] ، و أكفان موتانا، من طاهر أموالنا، و عندي كفن، و اريد أن يتولي غسلي و جهازي مولاي فلان، فتولي ذلك منه [7] .

و لبث بعدما سقاه السم ثلاثة أيام موعوكا منه. ثم توفي في آخر اليوم الثالث كما أخبر عن نفسه صلوات الله عليه غريبا مسموما شهيدا مظلوما صابرا محتسبا بعد ما حبس أربع سنوات، أو سبع سنوات.

و لما توفي موسي بن جعفر عليهماالسلام أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء و وجوه أهل بغداد، و فيهم الهيثم بن عدي و غيره، فنظروا اليه لا أثر به من جرح و لا خنق، و أشهدهم علي أنه مات حتف أنفه، فشهدوا علي ذلك [8] .



[ صفحه 417]



و في «تأريخ بغداد»: عن أبي موسي العباسي، حدثني ابراهيم بن عبدالسلام ابن السندي بن شاهك، عن أبيه، قال: كان موسي بن جعفر عندنا محبوسا، فلما مات بعثنا الي جماعة من العدول من الكرخ، فأدخلناهم عليه، فأشهدناهم علي موته [9] .

و في رواية: أن السندي أحضر نيفا و خمسين رجلا ممن يعرف موسي ابن جعفر و قد صحبه، منهم: عمر بن واقد، و خرج كاتبه و معه طومار، فكتب أسماءهم و منازلهم و أعمالهم و حلاهم، قال: فقال لي: يا أباحفص، اكشف الثوب عن وجهه فكشفته، فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت، ثم قال للقوم: انظروا اليه، فدنا واحد بعد واحد، فنظروا اليه، ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر، ثم قال: يا غلام، اطرح علي عورته منديلا و اكشفه! ففعل. فقال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا، ما نري به شيئا، و لا نراه الا ميتا [10] .

و في رواية: أنه لما توفي جمع الرشيد شيوخ الطالبية و بني العباس و سائر أهل المملكة و الحكام و أحضره عليه السلام فقال: هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه، فانظروا اليه، فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته، فنظروا اليه، و ليس به أثر جراحة و لا خنق، و كان في رجله أثر الحناء [11] .



[ صفحه 418]



و عن «عمدة الطالب»: أنه عمل محضر بأنه مات حتف أنفه، و ترك ثلاثة أيام علي الطريق، يأتي من يأتي فينظر اليه، ثم يكتب في المحضر [12] .

و كانت وفاته في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة، و فيه السدرة. و اخرج عليه السلام و وضع علي الجسر ببغداد، و نودي: هذا موسي بن جعفر قد مات، فانظروا اليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت، و قد كان قوم زعموا في أيام موسي عليه السلام أنه هو القائم المنتظر، و جعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم، فأمر يحيي بن خالد أن ينادي عليه عند موته: هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا اليه، فنظر الناس اليه ميتا، ثم حمل فدفن في مقابر قريش في باب التبن، و كانت هذه المقبرة لبني هاشم و الأشراف من الناس قديما [13] .

و روي الصدوق عليه الرحمة أنه حمل علي نعش و نودي عليه: هذا امام الرافضة فاعرفوه، فلما اتي به مجلس الشرطة أقام السندي أربعة نفر، فنادوا: ألا من أراد أن يري الخبيث ابن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج، و خرج سليمان ابن أبي جعفر المنصور من قصره الي الشط، فسمع الصياح و الضوضاء، فقال لولده و غلمانه، يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فاذا عبر به فانزلوا فخذوه من أيديهم، فان مانعوكم فاضربوهم، و اخرقوا ما عليهم من السواد، فلما عبروا به، نزلوا اليهم، فأخذوه من أيديهم و ضربوهم، و خرقوا عليهم سوادهم، و وضعوه في



[ صفحه 419]



مفرق أربع طرق، و أقام سليمان المنادين ينادون: ألا من أراد أن يري الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج، و حضر الخلق، و غسل و حنط بحنوط فاخر، و كفنه سليمان بكفن فيه حبرة ثمنها خمسمائة دينار عليها القرآن كله، و احتفي و مشي في جنازته متسلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش فدفنه هناك [14] .

يقول المؤلف: هذه الفذلكة السياسية من سليمان بن المنصور أراد بها تهدئة خواطر الشيعة الثائرة، و هي من باب ذر الرماد في أعين الناس، و تطييب الخواطر، و صمام أمان يحد من ثورة المؤمنين من الموالين لمذهب أهل البيت عليهم السلام علي الحكم القائم حيث كان شيعة أهل البيت عليهم السلام يسكنون بغداد بأعداد هائلة.


پاورقي

[1] الرقة: مدينة مشهورة علي الفرات، و هي الآن احدي مدن سوريا.

[2] العقابان: آلة من آلات العقوبة لها طرفان، اذا شال أحدهما نزل الآخر و بالعكس، حتي يأتيا علي روحه.

[3] الارشاد 2: 242 - 240.

[4] عمدة الطالب: 196. البحار48: 57 / 248.

[5] الكافي 1: 2 / 202. عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 2 / 69. البحار 48: 10 / 212.

[6] أي الذي لم يحج منا.

[7] اعلام الوري: 311. الارشاد 2: 243.

[8] الارشاد 2: 242.

[9] تأريخ بغداد 13: 32.

[10] كمال الدين: 37. عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 3 / 97. البحار 48: 27 / 225.

[11] كمال الدين: 39. عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 8 / 105. البحار 48: 31 / 228.

[12] عمدة الطالب: 196. البحار 48: 57 / 248.

[13] الارشاد 2: 243 - 242.

[14] كمال الدين: 38. عيون أخبار الرضا عليه السلام1: 5 / 99. بحارالأنوار48: 29 / 227.