بازگشت

حراجة الموقف


هكذا يواجه الامام الكاظم عليه السلام و هو في مقتبل امامته موقفين في غاية الخطورة و الصعوبة، فمن جهة يواجه بطش السلطة و مراقبتها فيضطر الي التكتم، و من جانب آخر حيرة عامة الشيعة و انقسامهم، فاستقبل الامام عليه السلام خلافته في هذا الجو المحفوف بالمخاطر هو و خلص شيعته، و عيون المنصور تراقبهم و تحصي عليهم أنفاسهم، و الباقون من الشيعة حياري لا يدرون لمن يرجعون، و لعل رجوع من رجع منهم الي عبدالله الأفطح و الي اسماعيل كان السبب المباشر له هو عدم اعلان الامام الصادق عليه السلام عن خليفته الشرعي لعامة الشيعة و تكتم الامام موسي ابن جعفر عليه السلام الا عن عدد محدود من خاصة أصحابه خوفا من المنصور و ولاته.



[ صفحه 39]



و يدل علي ذلك عدة روايات، منها:

1 - رواية هشام بن سالم، قال: كنا في المدينة أنا و محمد بن النعمان صاحب الطاق و الناس مجتمعون علي عبدالله بن جعفر علي أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه و الناس عنده، فسألناه عن الزكاة في كم تجب، فقال: في مائتي درهم خمسة دراهم، فقلنا له: ففي مائة؟ قال: درهمان و نصف، قلنا: و الله ما تقول المرجئة هذا. فقال: و الله ما أدري ما تقول المرجئة.

قال: فخرجنا من مجلسه ضلالا لا ندري الي أين نتوجه، أنا و أبوجعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حياري لا ندري الي أين نتوجه و الي من نقصد، نقول: الي المرجئة، الي القدرية، الي الزيدية، الي المعتزلة، الي الخوارج؟ فنحن كذلك اذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه، يومي ء الي بيده، فخفت أني يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور، و ذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون الي من اتفقت شيعة جعفر عليه فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم، فقلت للأحول: تنح فاني خائف علي نفسي و عليك، و انما يريدني لا يريدك؛ فتنح عني و لا تهلك و تعين علي نفسك؛ فتنحي غير بعيد، و تبعت الشيخ، و ذلك أني ظننت أني لا أقدر علي التخلص منه، فما زلت أتبعه و قد عزمت علي الموت حتي ورد بي علي باب أبي الحسن عليه السلام، ثم خلاني و مضي، فاذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله.

فدخلت فاذا أبوالحسن عليه السلام، فقال لي ابتداء منه: لا الي المرجئة، و لا الي القدرية، و لا الي الزيدية، و لا الي المعتزلة، و لا الي الخوارج، الي الي.

قال: فقلت له: جعلت فداك، مضي أبوك؟ قال: نعم. قال: قلت: جعلت فداك، مضي في موت؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال:



[ صفحه 40]



ان شاء الله يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، ان عبدالله يزعم أنه من بعد أبيه؟ فقال: يريد عبدالله أن لا يعبد الله، قال: قلت له: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله أن يهديك هداك أيضا.

قلت، جعلت فداك، أنت هو؟ قال: ما أقول ذلك. قلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة. قال: قلت: جعلت فداك، عليك امام؟ قال: لا، فدخلني شي ء لا يعلمه الا الله اعظاما له و هيبة أكثر ما كان يحل بي من أبيه اذا دخلت عليه.

قلت: جعلت فداك، أسألك عما كان يسأل أبوك؟ قال: سل تخبر و لا تذع، فان أذعت فهو الذبح. قال: فسألته فاذا هو بحر.

قال: قلت: جعلت فداك، شيعتك و شيعة أبيك ضلال فالقي اليهم، و أدعوهم اليك، فقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منهم رشدا فألق اليهم، و خذ عليهم الكتمان، فان أذاعوا فهو الذبح، و أشار بيده الي حلقه.

قال: فخرجت من عنده، فلقيت أباجعفر، فقال لي: ما وراءك؟ قال: قلت: الهدي. قال: فحدثته بالقصة. قال: ثم لقيت المفضل بن عمر و أبابصير. قال: فدخلوا عليه فسمعوا كلامه و سألوه. قال: ثم قطعوا عليه عليه السلام.

ثم قال: ثم لقينا الناس أفواجا. قال: فكان كل من دخل عليه قطع عليه الا طائفة مثل عمار الساباطي و أصحابه، فبقي عبدالله لا يدخل عليه أحد الا قليل من الناس. قال: فلما رأي ذلك و سأل عن حال الناس، قال: فاخبر أن هشام بن سالم صد عنه الناس، فقال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني [1] .



[ صفحه 41]



2 - و منها: حديث أبي جعفر النيسابوري، الذي ورد المدينة يسأل عن الامام بعد الصادق عليه السلام، و كان قد حمل أموالا و متاعا و مسائل و فتاوي يريد أن يوصلها اليه عليه السلام، فدلوه علي عبدالله الأفطح بن الامام الصادق عليه السلام، فتوجه اليه بمسائل عرف من خلالها أنه ليس بصاحبه، قال: فانصرفت من عنده و جئت الي ضريح النبي صلي الله عليه و آله فانكببت علي قبره، و شكوت خيبة سفري، و قلت: يا رسول الله، بأبي أنت و امي، الي من أمضي في هذه المسائل التي معي؟ الي اليهود، أم الي النصاري؟ أم الي المجوس، أم الي فقهاء النواصب؟ الي أين يا رسول الله؟ فما زلت أبكي و أستغيث به، فاذا أنا بانسان يحركني، فرفعت رأسي من فوق القبر، فرأيت عبدا أسود عليه قميص خلق [2] ، و علي رأسه عمامة خلق، فقال لي: يا أباجعفر النيسابوري، يقول لك مولاك موسي بن جعفر عليه السلام: لا الي اليهود، و لا الي النصاري، و لا الي المجوس، و لا الي أعدائنا من النواصب، الي، فأنا حجة الله،... [3] .

3 - و منها أيضا ما يدل علي حالة التكتم علي الامام عليه السلام من قبل خلص أصحابه عليه السلام، ففي خبر ام الرضا عليه السلام عن هشام بن الأحمر، المتقدم في (ملامح من شخصيته عليه السلام): قال صاحب الرقيق المغربي لهشام: هي لك، و لكن أخبرني عن الرجل الذي كان معك بالأمس، قال هشام: رجل من بني هاشم، قال: من أي بني هاشم؟ قال هشام: ما عندي أكثر من هذا... [4] .



[ صفحه 42]




پاورقي

[1] الكافي 1: 351. اعلام الوري: 291. حلية الأبرار 2: 231. مدينة المعاجز6: 208، الحديث 1949. اثبات الهداة 3: 173، الحديث 9.

[2] الثوب الخلق: البالي.

[3] الثاقب في المناقب: 442. الخرائج 1: 328. المناقب 4: 291.

[4] كشف الغمة 3: 62.