بازگشت

العبادة و التهجد


لقد ترعرع الامام الكاظم عليه السلام في مهد العبادة و الطاعة و الزهد، و درج في بيت القداسة و التقوي، حتي صار مثالا يقتدي به، حيث أجمع أغلب المترجمين له علي أنه كان أعبد أهل زمانه، حتي لقب بالعبد الصالح لشدة انقطاعه الي ربه و اجتهاده في العبادة و التقوي، و لقب بزين المجتهدين، اذ لم ير أحد نظيرا له في الطاعة و العبادة.

و فيما يلي نورد بعض الأقوال و الأحاديث الدالة علي عبادته و تقواه عليه السلام:

1 - قال الخطيب البغدادي: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن ابن محمد بن يحيي العلوي، حدثني جدي، قال: كان موسي بن جعفر يدعي العبد الصالح من عبادته و اجتهاده. روي أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله فسجد سجدة في أول الليل، و سمع و هو يقول في سجوده: «عظيم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوي، و يا أهل المغفرة»، فجعل يرددها حتي أصبح [1] .

2 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمد العلوي، حدثني جدي، حدثني عمار بن أبان، قال: حبس أبوالحسن موسي بن جعفر عند السندي، فسألته اخته أن تتولي حبسه - و كانت تتدين - ففعل، فكانت تلي



[ صفحه 68]



خدمته، فحكي لنا أنها قالت: كان اذا صلي العتمة حمد الله و مجده و دعاه، فلم يزل كذلك حتي يزول الليل، فاذا زال الليل قام يصلي حتي يصلي الصبح، ثم يذكر قليلا حتي تطلع الشمس، ثم يقعد الي ارتفاع الضحي، ثم يتهيأ و يستاك و يأكل، ثم يرقد الي قبل الزوال، ثم يتوضأ و يصلي حتي يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتي يصلي المغرب، ثم يصلي العشاء ما بين المغرب و العتمة، فكان هذا دأبه، فكانت اخت السندي اذا نظرت اليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، و كان عبدا صالحا [2] و قد ترك هذا أثرا في حفيدها - و هو كشاجم شاعر أهل البيت عليهم السلام -.

3 - قال الشيخ المفيد رحمه الله: كان أبوالحسن عليه السلام أعبد أهل زمانه، و أفقههم، و أسخاهم كفا، و أكرمهم نفسا.

روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء و التمجيد حتي يقرب زوال الشمس، و كان يدعو كثيرا فيقول: «اللهم اني أسألك الراحة عند الموت، و العفو عند الحساب»، و يكرر ذلك.

و كان من دعائه: «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك».

و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع [3] .

4 - و قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: كان عليه السلام أحفظ الناس بكتاب الله تعالي،



[ صفحه 69]



و أحسنهم صوتا به، و كان اذا قرأ يحزن و يبكي السامعون لتلاوته، و كان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين [4] .

5 - روي الشيخ الكليني بالاسناد عن حفص، قال: كانت قراءته عليه السلام حزنا، فاذا قرأ فكأنه يخاطب انسانا [5] هكذا كان الامام عليه السلام يتلو القرآن ممعنا في آدابه و تعاليمه، مستبصرا في أوامره و نواهيه.

6 - روي الشيخ الصدوق رحمه الله بالاسناد عن عبدالله القروي أنه قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح، فقال لي: ادن، فدنوت حتي حاذيته، ثم قال لي: أشرف علي البيت في الدار، فأشرفت، فقال: ما تري في البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا، فتأملت و نظرت، فقلت: رجلا ساجدا.

فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك، قلت: و من مولاي؟ فقال: تتجاهل علي؟ فقلت: ما أتجاهل، ولكني لا أعرف لي مولي.

فقال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر عليه السلام، اني أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي اخبرك بها، انه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، و قد وكل من يترصد له الزوال فلست أدري متي يقول الغلام:



[ صفحه 70]



قد زالت الشمس، اذ يثب فيبتدي ء بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا، فاعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك الي أن يفرغ من صلاة العصر.

فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة، فاذا صلي العتمة أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، فلست أدري متي يقول الغلام: ان الفجر قد طلع، اذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول الي.

فقلت: اتق الله و لا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا الا كانت نعمته زائلة.

فقال: قد أرسلوا الي في غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم الي ذلك، و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني [6] .

7 - قال بعض العيون الذين وكلتهم السلطة لمراقبته في السجن: كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه: اللهم انك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم و قد فعلت، فلك الحمد [7] .



[ صفحه 71]



8 - و كان عليه السلام لا يتواني عن فعل كل ما يحبه الله تعالي و يندب اليه عن رغبة و اخلاص، فمن ذلك أنه عليه السلام حج بيت الله ماشيا علي قدميه و النجائب تقاد بين يديه، قال علي بن جعفر: خرجنا مع أخي موسي بن جعفر عليه السلام في أربع عمر يمشي فيها الي مكة بعياله و أهله، واحدة منهن مشي فيها ستة و عشرين يوما، و اخري خمسة و عشرين يوما، و اخري أربعة و عشرين يوما، و اخري أحدا و عشرين و يوما [8] و كان عليه السلام في أغلب أسفاره الي بيت الله الحرام يتنكب الطريق و ينفرد عن الناس، و قد تعلق قلبه و فكره بالله تعالي، و جرت له قصة مع شقيق البلخي تدل علي ذلك [9] .

9 - و عن هشام بن الأحمر، قال: كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة اذ ثني رجله عن دابته فخر ساجدا، فأطال و أطال، ثم رفع رأسه و ركب دابته، فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود! فقال: انني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي [10] .


پاورقي

[1] تأريخ بغداد 13: 27. وفيات الأعيان 5: 308.

[2] تأريخ بغداد 13: 31. ذيل تأريخ أبي الفداء 1: 281. سير أعلام النبلاء 6: 273. الكامل في التأريخ 6: 164.

[3] الارشاد 2: 231.

[4] اعلام الوري: 310.

[5] الكافي 2: 606، الحديث 10. الوسائل 4: 857، الحديث 3. حلية الأبرار 2: 277.

[6] عيون الأخبار 1: 106، الحديث 10. البحار 48: 210، الحديث 9. العوالم: 434، الحديث 1. أمالي الصدوق: 126، الحديث 18. روضة الواعظين: 216. المناقب 4: 327.

[7] المناقب 4: 318. البحار 38: 107.

[8] البحار 48: 100، الحديث 2، عن قرب الاسناد: 165.

[9] ستأتي في معجزاته عليه السلام، و قد أجمع علي ذكرها أغلب من ترجم للامام الكاظم عليه السلام.

[10] الكافي 2: 98، الحديث 26. الوسائل 4: 1081، الحديث 4. البحار 48: 116، الحديث 29. حلية الأبرار 2: 253.