بازگشت

الحلم


كان الامام الكاظم عليه السلام مضرب المثل في حلمه و كظمه للغيظ و مجازاة المسيئين اليه بالاحسان اليهم، قال الشيخ المفيد: و سمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ و صبر عليه من فعل الظالمين به حتي مضي قتيلا في حبسهم و وثاقهم [1] .

كان عليه السلام يصفح عمن اعتدي عليه، و يعفو عمن أساء اليه، و لم يكتف بذلك و انما كان يحسن لهم و يغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر و الأنانية من نفوسهم، فقد روي أنه كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار [2] .



[ صفحه 74]



و كان عليه السلام يوصي أبناءه بالتحلي بالحلم و الصفح عمن أساء اليهم، فقد جاء في وصيته لهم: «يا بني، اني اوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، اذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمني مكروها ثم تحول الي اليسري فاعتذر لكم و قال: اني لم أقل شيئا، فاقبلوا عذره».

و قد روي المؤرخون مزيدا من الروايات في سعة حلمه و كظمه للغيظ و مقابلته الاساءة بالاحسان، منها:

1 - روي الحسن بن محمد بن يحيي العلوي، عن جده يحيي بن الحسن، عن غير واحد من أصحابه، أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه و يشتم عليا، قال: و كان قد قال له بعض جلسائه: دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك أشد النهي، و زجرهم أشد الزجر، و سأل عن العمري: فذكر له أنه يزدرع بناحية من نواحي المدينة، فركب اليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري: لا تطأ زرعنا، فوطئه بالحمار حتي وصل اليه، فنزل فجلس عنده و ضاحكه، و قال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال له: مائة دينار. قال: فكم ترجو أن يصيب؟ قال: أنا لا أعلم الغيب. قال: انما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قال: أرجو أن يجيئني مائتا دينار. قال: فأعطاه ثلاثمائة دينار، و قال: هذا زرعك علي حاله. قال: فقام العمري فقيل رأسه و انصرف، قال: فراح الي المسجد فوجد العمري جالسا، فلما نظر اليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته. قال: فوثب أصحابه فقالوا له: ما قصتك؟ قد كنت تقول خلاف هذا! قال: فخاصمهم و شاتمهم، قال: و جعل يدعو لأبي الحسن موسي عليه السلام كلما دخل و خرج.



[ صفحه 75]



قال: فقال أبوالحسن موسي لجلسائه الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان خير، ما أردتم أو ما أردت أن اصلح أمره بهذا المقدار الذي عرفتم و كفيت به شره؟ [3] .

2 - عن حماد بن عيسي، قال: بينا موسي بن عيسي في داره التي في المسعي يشرف علي المسعي، اذا رأي أباالحسن موسي عليه السلام مقبلا من المروة علي بغلة، فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا اليه أن يتعلق بلجامه و يدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام و ادعي البغلة، فثني أبوالحسن عليه السلام رجله فنزل عنها و قال لغلمانه: خذوا سرجها عنها و ادفعوها اليه [4] .

3 - قال ابن أبي الحديد: روي أن عبدا لموسي بن جعفر عليه السلام قدم اليه صحفة فيها طعام حار، فعجل فصبها علي رأسه و وجهه، فغضب قال له: (و الكاظمين الغيظ)، قال: قد كظمت. قال: (و العافين عن الناس)، قال: قد عفوت. قال: (و الله يحب المحسنين)، قال: أنت حر لوجه الله، و قد نحلتك ضيعتي الفلانية [5] .



[ صفحه 76]




پاورقي

[1] الارشاد 2: 235.

[2] دلائل الامامة: 148. تأريخ بغداد 13: 27. وفيات الأعيان 5: 308. شرح ابن ابي الحديد 6: 191. سير أعلام النبلاء 6: 271. الأئمة الاثناعشر: 89.

[3] تأريخ بغداد 13: 28. اعلام الوري: 306. سير أعلام النبلاء 6: 271. الارشاد 2: 233. مقاتل الطالبيين: 499. المناقب 4: 319. البحار 48: 102، الحديث 7.

[4] الكافي 8: 86، الحديث 48. تنبيه الخواطر 2: 135. الوسائل 18: 224، الحديث 1. بحارالأنوار 48: 148. الحديث 23.

[5] شرح نهج البلاغة 18: 46. و الآية من سورة آل عمران: 134.