بازگشت

الكرم و الصدقات


من المظاهر البارزة في سيرة الامام عليه السلام كرمه و سخاؤه و بره و معروفه، اذ يجد المتصفح لتأريخه عليه السلام صورا فريدة من الجود و الاحسان قلما يجد نظيرا لها الا عند آبائه المعصومين عليهم السلام الذين ضربوا أسمي و أروع الأمثلة في مكارم الأخلاق.

و قد أجمع المؤرخون أنه عليه السلام أنفق جميع ما عنده علي البائسين و المحرومين لينقذهم من كابوس الفقر و جحيم البؤس، فكان عليه السلام لا يري للمال أدني قيمة حتي يشبع به جائعا أو يكسو به عاريا، و كان عليه السلام يبذل عن طيب نفس و بداعي التقرب الي الله تعالي و الخير و الاحسان، و لم يبتغ من أحد جزاء و لا شكورا، حتي انه كان عليه السلام في صدقاته و بره يتوخي الكتمان و عدم الذيوع لئلا يشاهد علي الفقير ذلة الحاجة ملتمسا بذلك وجه الله و رضاه، و قد أعال بهباته و صلاته الخفية فقراء المدينة دون أن يعلموا من أي جهة تصلهم الا بعد حبسه و شهادته عليه السلام، فكانت صدقاته عليه السلام كصدقات آبائه معروفا من غير سؤال و سرا من غير اعلان.

و كان عليه السلام يوصي أصحابه و يحثهم علي التحلي بالسخاء، قال عليه السلام: «السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يستخلي الله عنه حتي يدخله الجنة، و ما بعث الله عزوجل نبيا الا سخيا، و ما زال أبي يوصيني بالسخاء حتي مضي...» [1] .

و فيما يلي نورد طرفا من أقوال و روايات المؤرخين عن كرمه و سخائه عليه السلام:



[ صفحه 77]



1 - قال ابن الصباغ: كان موسي الكاظم عليه السلام أعبد أهل زمانه، و أعلمهم، و أسخاهم كفا، و أكرمهم نفسا، و كان يتفقد فقراء المدينة و يحمل اليهم الدراهم و الدنانير الي بيوتهم و النفقات، و لا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، و ما علموا بذلك الا بعد موته عليه السلام» [2] .

2 - قال الخطيب البغدادي: كان سخيا كريما، و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار، و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار، و أربعمائة دينار، و مائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة، و كان مثل صرر موسي ابن جعفر عليه السلام اذا جاءت الانسان الصرة فقد استغني [3] .

3 - و عن محمد بن عبدالله البكري، قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني، فقلت: لو ذهبت الي أبي الحسن موسي بن جعفر فشكوت ذلك اليه، فأتيته بنقمي [4] في ضيعته، فخرج الي و معه غلام له معه منسف فيه قديد مجزع [5] ليس معه غيره، فأكل و أكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي، فدخل فلم يقم الا يسيرا حتي خرج الي، فقال لغلامه: اذهب. ثم مد يده الي،



[ صفحه 78]



فدفع الي صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولي، فقمت فركبت دابتي و انصرفت [6] .

4 - و عن عيسي بن محمد بن مغيث القرظي - و بلغ تسعين سنة - قال: زرعت بطيخا و قثاء و قرعا في موضع بالجوانية [7] علي بئر، يقال لها ام العظام، فلما قرب الخير، و استوي الزرع، بغتني الجراد، فأتي علي الزرع كله، و كنت غرمت علي الزرع و في ثمن جملين مائة و عشرين دينارا، فبينما أنا جالس اذ طلع موسي بن جعفر بن محمد فسلم، ثم قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم [8] ، بغتني الجراد فأكل زرعي، قال: و كم غرمت فيه؟ قلت: مائة و عشرين دينارا مع ثمن الجملين. فقال: يا عرفة، زن لأبي المغيث مائة و خمسين دينارا فربحك ثلاثين دينارا و الجملين. فقلت: يا مبارك، ادخل و ادع لي فيها، فدخل و دعا، و حدثني عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: «تمسكوا ببقايا المصائب».

ثم علقت عليه الجملين و سقيته، فجعل الله فيها البركة، زكت فبعت منها بعشرة آلاف [9] .

5 - عن محمد بن موسي، قال: خرجت مع أبي الي ضياعه بساية [10] .



[ صفحه 79]



فأصبحنا في غداة باردة و قد دنونا منها، و أصبحنا علي عين من عيون ساية، فخرج الينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح مستدفي ء بخرقة، علي رأسه قدر فخار يفور، فوقف علي الغلمان فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك، قال: أبو من يكني؟ قالوا له: أبوالحسن.

قال: فوقف عليه، فقال: يا سيدي، يا أباالحسن، هذه عصيدة أهديتها اليك. قال: ضعها عند الغلمان، فوضعها عند الغلمان، فأكلوا منها.

قال: ثم ذهب فلم نقل بلغ حتي خرج و علي رأسه حزمة حطب، حتي وقف عليه، فقال له: يا سيدي، هذا حطب أهديته اليك. قال: ضعه عند الغلمان، وهب لنا نارا. فذهب فجاء بنار. قال: و كتب أبوالحسن اسمه و اسم مولاه فدفعه الي، و قال: يا بني، احتفظ بهذه الورقة حتي أسألك عنها.

قال: فوردنا الي ضياعه، و أقام بها ما طاب له، ثم قال: امضوا بنا الي زيارة البيت، قال: فخرجنا حتي وردنا مكة، فلما قضي أبوالحسن عمرته دعا صاعدا، فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل، فاذا علمت بموضعه فأعلمني حتي أمشي اليه، فاني أكره أن أدعوه و الحاجة لي. قال لي صاعد: فذهبت حتي وقفت علي الرجل، فلما رآني عرفني - و كنت أعرفه، و كان يتشيع - فلما رآني سلم علي، و قال: أبوالحسن قدم؟ قلت: لا. قال: فأيش أقدمك؟ قلت: حوائج. و قد كان علم بمكانه و بشأنه، فتتبعني و جعلت أتقصي منه و يلحقني بنفسه، فلما رأيت أني لا أنفلت منه، مضيت الي مولاي و مضي معي حتي أتيته، فقال: ألم أقل لك لا تعلمه؟ فقلت: جعلت فداك، لم اعلمه، فسلم عليه، فقال له أبوالحسن: غلامك فلان تبيعه؟ قال له: جعلت فداك، الغلام لك و الضيعة و جميع ما أملك.

قال: أما الضيعة فلا احب أن أسلبكها، و قد حدثني أبي، عن جدي، أن بائع الضيعة ممحوق، و مشتريها مرزوق.



[ صفحه 80]



قال: فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها، فاشتري أبوالحسن الضيعة و الرقيق منه بألف دينار، و أعتق العبد و وهب له الضيعة.

قال ادريس بن أبي رافع: فهو ذا ولده في الصرافين بمكة [11] .


پاورقي

[1] الكافي 4: 39، الحديث 4.

[2] الفصول المهمة: 234.

[3] تأريخ بغداد 13: 17. وفيات الأعيان 5: 308. مرآة الجنان 1: 394. الصواعق المحرقة: 203.

[4] نقمي: موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب.

[5] المنسف: ما يفرق به الطعام، و القديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس، و المجزع: المقطع.

[6] تأريخ بغداد 13: 28. روضة الواعظين: 215. سير أعلام النبلاء 6: 271. حلية الأبرار 2: 260. الارشاد 2: 232.

[7] الجوانية: موضع أو قرية قرب المدينة.

[8] الصريم: الأرض المحصود زرعها.

[9] تأريخ بغداد 13: 29.

[10] ساية: واد من حدود الحجاز فيه مزارع و عيون.

[11] تأريخ بغداد 30 - 13: 29. دلائل الامامة: 148. احقاق الحق 12: 305. و في الدلائل (تحقيق مؤسسة البعثة: 313): فهو ذا ولده يعرف بالصراف بمكة.