بازگشت

الارشاد و التوجيه


لقد كان الامام عليه السلام يحرص علي ارشاد الناس الي الحق و هدايتهم الي الصواب و فعل الخير، و يدلهم علي التقوي و العمل الصالح و يحذرهم لقاء الله و اليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمني الموت، فانبري عليه السلام له قائلا: هل بينك و بين الله قرابة يحابيك لها؟ قال: لا. قال عليه السلام: فأنت اذن تتمني هلاك الأبد [1] .

و كان عليه السلام يدعو الناس الي الاصلاح بمكارم أخلاقه و حسن سيرته و تواضعه و احسانه، و ببركة ارشاده و وعظه استطاع أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا و جرفتهم متاهاتها، فتركوا ما هم فيه من الغي و الضلال و صاروا من عيون المؤمنين، و سنذكر بعض نصائحه الرفيعة و ارشاداته القيمة الحافلة بالتوجيه و النصح في باب حكمه و مواعظه عليه السلام، و فيما يلي نذكر بعض النوادر التي ذكرها المؤرخون في هذا المجال:



[ صفحه 82]



1 - قال العلامة في «منهاج الكرامة» في سبب توبة بشر بن الحارث المروزي المعروف ببشر الحافي [2] : انه اجتاز مولانا الامام موسي بن جعفر عليه السلام علي داره ببغداد فسمع الملاهي و أصوات الغناء و القصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية و بيدها قمامة، فرمت بها في الدرب، فقال عليه السلام لها: يا جارية، صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر. فقال: صدقت لو كان عبدا خاف من مولاه. فلما دخلت قال مولاها و هو علي مائدة السكر: ما أبطأك؟ فقالت: حدثني رجل كذا و كذا، فخرج حافيا حتي لقي مولانا الكاظم عليه السلام، فتاب علي يده، و اعتذر و بكي لديه استحياء من عمله [3] .

2 - نقل ابن شهر آشوب عن كتاب «الأنوار»، قال العامري: ان هارون الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر جارية حصيفة [4] ، لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن، فقال] للخادم: قل له: (بل أنتم بهديتكم تفرحون) [5] لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها.



[ صفحه 83]



قال: فاستطار هارون غضبا و قال: ارجع اليه و قل له: ليس برضاك حبسناك، و لا برضاك أخدمناك، و اترك الجارية عنده و انصرف.

قال: فمضي و رجع، ثم هارون عن مجلسه، و أنفذ الخادم اليه ليتفحص عن حالها، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها، تقول: قدوس، سبحانك سبحانك! فقال هارون: سحرها و الله موسي بن جعفر بسحره [6] ، علي بها... [7] .

3 - عن محمد الرافعي، قال: كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبدالله، و كان زاهدا، و كان من أعبد أهل زمانه، و كان يتقيه السلطان لجده في الدين و اجتهاده، و ربما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بما يغضبه، فكان يحتمل ذلك له لصلاحه، فلم تزل هذه حاله حتي دخل يوما المسجد و فيه أبوالحسن موسي عليه السلام، فأومأ اليه فأتاه، فقال له: يا أباعلي، ما أحب الي ما أنت فيه و أسرني به، الا أنه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة.

فقال له: جعلت فداك، و ما المعرفة؟ قال: اذهب تفقه، و اطلب الحديث.

قال: عمن؟ قال: عن فقهاء أهل المدينة، ثم اعرض علي الحديث.

قال: فذهب فكتب، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله، ثم قال له: اذهب فاعرف، و كان الرجل معنيا بدينه، قال: فلم يزل يترصد أباالحسن حتي خرج الي ضيعة له، فلقيه في الطريق قال له: جعلت فداك، اني أحتج عليك بين يدي الله، فدلني علي ما تجب علي معرفته.



[ صفحه 84]



قال: فأخبره أبوالحسن عليه السلام بأمر أميرالمؤمنين عليه السلام و حقه و ما يجب له، و أمر الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد عليهم السلام، ثم سكت، فقال له: جعلت فداك، فمن الامام اليوم؟ قال: ان أخبرتك تقبل؟ قال: نعم. قال: أنا هو، قال: فشي ء أستدل به؟ قال: اذهب الي تلك الشجرة - و أشار الي بعض شجر ام غيلان [8] - فقل لها: يقول لك موسي بن جعفر: أقبلي. قال: فأتيتها فرأيتها و الله تخد [9] الأرض خدا حتي وقفت بين يديه، ثم أشار اليها بالرجوع فرجعت. قال: فأقر به، ثم لزم الصمت و العبادة، فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك [10] و هكذا هدي الرجل الي نهج الصواب و استبصر باعتناقه مذهب أهل البيت عليهم السلام الحق.

و سيأتي في فصل مناظراته عليه السلام أن جملة من النصاري قد اعتنقوا دين الحق الاسلام، و اهتدوا علي يديه عليه السلام، بعد أن أفحمهم بحجته البالغة و برهانه الساطع، و بعد ما رأوا من فضائله و مكارم أخلاقه.



[ صفحه 85]




پاورقي

[1] بحارالأنوار 78: 327، الحديث 5.

[2] هو أبونصر بشر بن الحارث بن عبدالرحمن المروزي البغدادي، العارف الزاهد المشتهر، أحد أركان رجال الطريقة، قيل: انه كان من أولاد الرؤساء و الكتاب، و كان من أهل المعازف و الملاهي فتاب، و نقل في سبب توبته جملة أخبار منها ما ذكرناه، و نقل عنه كلمات رائعة في الحكمة و أشعار في الزهد، انظر تأريخ بغداد 7: 67.

[3] روضات الجنات 2: 130. الكني و الألقاب 2: 168. و قد ذكرنا ذلك مفصلا في كراس «التوابون في التأريخ» من سلسلة الثقافة الاسلامية - رقم 7، فراجع.

[4] أي جيدة الرأي محكمة العقل.

[5] النمل: 36.

[6] هذا هو شأن الطواغيت يجعلون الهداية سحرا.

[7] المناقب 4: 297. اثبات الهداة 3: 214، الحديث 145. البحار 48: 238. العوالم: 441، الحديث 4.

[8] ام غيلان: من الأشجار عند العرب، و تسمي أيضا: السمرة.

[9] تخد الأرض: تشقها.

[10] الارشاد 2: 223. الكافي 1: 286، الحديث 8. بصائر الدرجات: 274، الحديث 6. البحار 48: 53، الحديث 49.