بازگشت

الامام ابوالحسن موسي بن جعفر


لم يكن الامام ابوالحسن موسي بن جعفر أكبر اولاد الامام الصادق و لعله كان ثالث اولاده أو رابعهم و أكبرهم عبدالله الافطح و به كان يكني، و تشير اكثر الروايات الي ان الامام موسي بن جعفر الصادق ولد في الابواء و هو مكان يقع بين مكة و المدينة و فيه قبر آمنة بنت وهب أم النبي (ص) في السابع من صفر سنة 128، و أولم الصادق (ع) بعد ولادته فأطعم الناس ثلاثا كما جاء في رواية البرقي في المحاسن، من أم اندلسية و قيل بربرية يقال لها حميدة كانت علي درجة عالية من الصلاح و التقوي، و بقي مع ابيه نحوا من عشرين عاما ادرك فيها عهد الأمويين و هو في دور الاحتضار يلفظ أنفاسه الاخيرة، و هو يوم ذاك في سن الطفولة، و شاهد و هو في هذا السن و بعده وفود العلماء و طلاب العلم من جميع الاقطار تغص بهم المدينة و قد ازدحموا علي أبيه شبابا و شيوخا و هم ما بين مستمع يأخذ منه العلم و الحديث، و بين كن يناظره في التوحيد و التشبيه و القدر و الامامة و غير ذلك من المواضيع التي شاعت في ذلك العصر و تشعبت فيها الآراء، و مضت العشرون عاما و هو الي جانب أبيه الصادق (ع) يلقنه من فنون العلم و طرائف الحكمة ما يؤهله الي الامامة العامة التي تنتظره في الغد القريب حتي أصبح و هو في مطلع شبابه مصدر اعجاب العلماء و تقديرهم، و حكما مفضلا في حل اكثر المشاكل تعقيدا و تشعبا.



[ صفحه 298]



و لعل فيما رواه الرواة عن الحوار الذي جري بينه و بين امام المذهب الحنفي ابي حنيفة و شهادة أبي حنيفة له بعد نهاية الحوار و هو يوم ذاك لم يتخط سن الصبا ما يشير الي ذلك، و حسبما اظن ان اباحنيفة و هو جالس ينتظر الاذن بالدخول علي الصادق. لقد خرج عليه الامام موسي بن جعفر و هو يوم ذلك في سن الصبا فأراد أن يستحكيه او يداعبه فافتتح الحديث معه بالسؤال الأول، و حينما رأي العمق و الشمول في جوابه تغيرت نظرته اليه فوجه اليه السؤال الثاني و كان من اعقد المسائل، والصراع فيه يوم ذاك علي أشده بين الفقهاء و المتكلمين و غيرهم، و قد روي الرواة هذا الحوار بينهما علي النحو التالي:

فقد جاء في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة و غيرهما ان اباحنيفة قال: حججت في أيام ابي عبدالله الصادق (ع) فلما اتيت المدينة دخلت داره و جلست في الدهليز انتظر اذنه اذ خرج صبي فقلت: اين يحدث الغريب اذا اراد ذلك؟ فنظر الي ثم قال: يتواري خلف الجدار و يتوقي اعين الجار و شطوط الانهار و مساقط الثمار و أقنية الدور و الطرق النافذة و المساجد و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها و يرفع ثوبه و يضع بعد ذلك حيث شاء، و مضي ابوحنيفة يقول: فلما سمعت منه ذلك نبل في عيني و عظم في قلبي؛ فقلت له: جعلت فداك ممن المعصية؟ فنظر الي و قال: اجلس حتي اخبرك، فجلست مصغيا اليه، قال: ان المعصية لابد ان تكون اما من العبد أو من ربه او منهما جميعا، فان كانت من الله فهو اعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله، و اما ان تكون منه و من العبد و هو اقوي الشريكين، والقوي اولي بانصاف عبده الضعيف و العفو عنه و ان كانت من العبد وحده و هو كذلك فعليه وقع الأمر و اليه توجه النهي فان عفا عنه فبكرمه وجوده، و ان عاقبة فبذنبه و جريرته، و أضاف الي ذلك الراوي ان اباحنيفة قال: فاستغنيت بما سمعت من الغلام وانصرفت بدون أن القي اباعبدالله الصادق و قلت ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.



[ صفحه 299]



و مهما كان الحال فقبل أن يتخطي الامام سن الصبا تمخضت الاحداث و المعارك الضارية التي استمرت اعواما بني الأمويين و أخصامهم الذين كانوا ينادون باسم العلويين و يرددون علي مسامع الناس جرائمهم مع اهل البيت تمخضت تلك المعارك التي شملت جميع المناطق عن عهد جديد رحب به المسلمون و ظنوا أنهم سيجدون في ظله حريتهم و كرامتهم و حقوقهم المغتصبة منذ عشرات السنين. و لم تمض سوي سنوات معدودات علي العهد الجديد كان قادته يراقبون فلول اخصامهم و يمهدون لاستتاب الامن و اذا بهم يمثلون أقبح الادوار التي كان يمثلها قادة العهد البائد في سلوكهم و سيرتهم و بخاصة مع العلويين و شيعتهم و حاول المنصور اكثر من مرة ان يفتك بالامام الصادق (ع) ولكن الله سبحانه كان يصرفه عنه كما اشرنا الي ذلك خلال حديثنا عن سيرته في الفصول السابقة. لقد بقي الامام موسي بن جعفر مع أبيه عشرين عاما منها خمس سنوات تقريبا من عهد الأمويين و أربع سنوات و نصف السنة في عهد عبدالله بن محمد بن علي الملقب بالسفاح و تسع سنوات و أشهر في ملك المنصور الدوانيقي حيث كانت وفاة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) و عاش بعد أبيه خمسة و ثلاثين عاما مدة امامته قضي منها مع المنصور بعد أبيه نحوا من عشر سنوات، و مع ولده محمد الملقب بالمهدي عشر سنين، و مع ولده موسي الهادي سنة واحدة، و مع أخيه هارون الرشيد نحوا من خمسة عشر عاما و بنهايتها كانت وفاته مسموما في حبسه بواسطة السندي بن شاهك أميرالسجن خلال شهر رجب من سنة 183 كما هو المشهور بن الرواة.



[ صفحه 300]