بازگشت

النص علي امامته


بالاضافة الي النصوص التي اشتهرت بين الرواة عن النبي في خلفائه الاثني عشر، والتي سمتهم في بعضها بأسمائهم و في البعض الآخر اقترنت بالمواصفات التي لا تنطبق علي غيرهم، و قد ذكرنا بعض تلك النصوص في الفصل الأول من هذا الكتاب و بالاضافة الي هذه النصوص فان كل امام من الأئمة الاثني عشر قد نص علي خليفته و أرجع خواص اصحابه اليه.

و قد جاء في الارشاد للمفيد أن من الذين رووا عن أبي عبدالله الصادق (ع) صريح النص علي امامة ولده موسي من شيوخ اصحابه و خاصته و بطانته و ثقاته من الفقهاء الصالحين المفضل بن عمر و معاذ بن كثير و عبدالرحمن بن الحجاج و الفيض بن المختار و يعقوب السراج و سليمان بن خالد و صفوان الجمال و غيرهم من الأصحاب، كما روي بذلك عن أخويه اسحاق و علي ابناجعفر (ع) و كانا من الفضل والورع علي ما لا يختلف فيه اثنان علي حد تعبير المفيد في ارشاده.

و مضي يقول: فقد روي موسي الصيقل عن المفضل بن عمر انه قال: كنت عند أبي عبدالله الصادق (ع) فدخل أبوابراهيم و هو غلام، فقال لي أبوعبدالله: استوص به وضع أمره عند من تثق بهم من اصحابك.



[ صفحه 301]



و جاء في رواية شبيب عن معاذ بن كثير أنه قال: قلت لأبي عبدالله اسأل الله الذي رزق اباك منك هذه المنزلة ان يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، قال: قد فعل الله ذلك، قلت: من هو جعلت فداك؟ فأشار الي العبد الصالح و هو راقد و قال: هذا الراقد، و هو يومئذ غلام.

و قال له عبدالرحمن بن الحجاج و كان قد دخل عليه و هو يدعو و ولده موسي الي جانبه يؤمن علي دعائه، فقال له: جعلت فداك قد عرفت انقطاعي اليك و خدمتي لك فمن ولي الأمر بعدك؟ قال: يا عبدالرحمن ان موسي قد لبس الدرع و استوت عليه، فقلت له: لا احتاج بعد هذا الي شي ء.

و جاء في رواية ابن حازم انه قال للامام الصادق: اذا حدث عليك ما لابد منه فلمن الأمر من بعدك، فقال له ابوعبدالله: اذا كان ذلك فهذا صاحبكم، و ضرب بيده علي منكب أبي الحسن الايمن.

و روي محمد بن الوليد عن علي بن جعفر أنه قال: سمعت ابي جعفر بن محمد الصادق يقول لجماعة من أصحابه و خاصته: استوصوا بابني موسي خيرا فانه افضل ولدي و من اخلف من بعدي و هو القائم مقامي والحجة علي كافة خلقه بعدي.

الي غير ذلك من الروايات الكثيرة التي نص بها الامام الصادق علي امامته من بعده و أكثرها بهذا الاسلوب الذي يبدو منه و كان الامام يتحاشي فيه الصراحة احيانا خوفا عليه من السلطات الحاكمة التي كانت تراقبه أشد المراقبة في السنين الأخيرة من حياته كما تؤكد ذلك مواقف المنصور معه و اهتمامه بمعرفة وصيه عندما بلغه نبأ وفاته، و قد كتب الي الوالي علي المدينة محمد بن سليمان فور وصول النبأ اليه ان كان اوصي الي رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه، فرجع الجواب من الوالي، أنه أوصي الي خمسة: أبي جعفر المنصور و محمد بن سليمان و ولديه عبدالله و موسي و زوجته، فقال: اذا كان



[ صفحه 302]



ذلك فليس الي قتل هؤلاء من سبيل كما جاء في رواية الكليني عن أبي ايوب الجوزي، و يبدو من وصية الامام الصادق (ع) لهؤلاء الخمسة أنه كان يقدر حراجة الموقف و يخاف علي خليفته من اولئك الطغاة فصاغ وصيته علي هذا النحو و أخبر ثقات اصحابه بخليفته الشرعي و أوصاهم بالتكتم حتي عن عامة الشيعة ريثما يتهيأ الجو المناسب.

واستقبل الامام (ع) خلافته في هذا الجو المحفوف بالمخاطر هو و خلص شيعته و عيون المنصور تراقبهم و تحصي عليهم انفاسهم و الباقون من الشيعة حياري لا يدرون لمن يرجعون، و لعل رجوع من رجع منهم الي عبدالله الافطح و الي اسماعيل كان السبب المباشر له هو عدم اعلان الامام الصادق عن خليفته الشرعي لعامة الشيعة و تكتم الامام موسي بن جعفر (ع) الا عن عدد محدود من خاصة اصحابه خوفا من المنصور و ولاته كما تشير الي ذلك رواية هشام بن سالم، و قد جاء فيها انه قال: كنا في المدينة بعد وفاة ابي عبدالله (ع): أنا و محمد بن النعمان صاحب الطاق و الناس مجتمعون علي عبدالله بن جعفر علي أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه و الناس عنده فسألناه عن الزكاة في كم تجب، فقال: في مائتي درهم خمسة دراهم، فقلنا له: ففي مائة قال درهمان و نصف، قلنا: والله ما تقول المرجئة هذا، فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة.

و مضي يقول: فخرجنا من مجلسه ضلالا لا ندري الي أين نتوجه و الي من نقصد، فبينما نحن كذلك و اذ برجل شيخ لا أعرفه يومي الي بيده فخفت أن يكون عينا من عيون ابي جعفر المنصور، و قد كان له بالمدينة جواسيس يتحرون له من يجتمع الناس عليه بعد جعفر بن محمد (ع) ليأخذه و يضرب عنقه فخفت أن يكون منهم، و قلت للأحول: تنح فاني خائف علي نفسي و عليك و هو لا يريد سواي، فتنحي الاحوال عني بعيدا و تبعت الشيخ لظني بأني لا أقدر علي التخلص منه، فما زلت اسير معه و في ظني أني اسير الي الموت حتي ورد بي علي باب الحسن موسي (ع) ثم تركني و مضي فاذا



[ صفحه 303]



خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله فدخلت فاذا ابوالحسن عليه السلام فقال لي ابتداء منه الي لا الي المرجئة و لا الي القدرية و لا الي المعتزلة و لا الي الزيدية، فقلت له: جعلت فداك مضي ابوك، فقال: نعم، قلت: مضي موتا، قال: نعم، فقلت له: جعلت فداك فمن لنا من بعده، قال: هداك الله الي ما تريد، قلت: جعلت فداك ان عبدالله اخاك يزعم أنه الامام بعد أبيه، فقال: ان اخي عبدالله يريد ان لا يعبدالله، قلت: جعلت فداك فمن بعد أبيك، فقال: ان شاء الله ان يهديك هداك، قلت: جعلت فداك فأنت هو، قال: لا اقول ذلك.

فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، قلت له: عليك امام، قال: لا، فدخلني منه شي ء لا يعلمه الا الله اعظاما و هيبة، ثم قلت له: جعلت فداك، اسألك كما كنت أسأل اباك، قال: تخير و لا تذع فان اذعت فهو الذبح، فسألته: فاذا هو بحر لا ينزف. ثم قلت له: ان شيعة ابيك ضلال فألقي اليهم هذا الأمر و أدعوهم اليك فقد اخذت علي الكتمان، قال: من أنست منهم رشدا فألق اليه و خذ عليه الكتمان فان اذاع فهو الذبح و أشار بيده الي حلقه.

و لما خرجت من عنده لقيت اباجعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدي و حدثته بما جري معي، ثم التقينا زرارة و أبابصير فدخلا عليه و سمعا كلامه و سألاه و قطعا عليه، و كل من دخل عليه قطع بامامته الا طائفة عمار الساباطي، و لم يبق الي جانب عبدالله الافطح الا القليل من الناس، و أخذ أمر الامام ينتشر و يتسع حتي اهتدي اليه اكثر الشيعة و رجعوا اليه في مشاكلهم و أمور دينهم بالرغم من الرقابة الشديدة التي وضعها المنصور و محاولاته لتشتيت امر الشيعة و ارجاعهم الي أخويه عبدالله و اسماعيل، مع العلم بأن اسماعيل قد مات في حياة أبيه و قد شيعة بحضور الوالي محمد بن سليمان، و كان كما جاء في بعض الروايات كلما سار المشيعون بالنعش خطوات يتقدم الامام الصادق و يكشف وجهه للناس، و مع ذلك فقد



[ صفحه 304]



قال بعض الشيعة بامامته و رحب المنصور و أنصاره بهذه الفكرة و أشاعوا بأن الوالي علي البصرة كتب اليهم يخبرهم بوجوده فيها و انه مر علي مريض مزمن فدعا له و بري ء من مرضه.



[ صفحه 305]