بازگشت

من مناظراته و وصاياه لاصحابه و غيرهم من المسلمين


فقد جاء عن يعقوب بن جعفر الجعفري ان قوما زعموا ان الله تبارك و تعالي ينزل الي السماء الدنيا، فقال ابوابراهيم موسي بن جعفر: ان الله لا ينزل و لا يحتاج ان ينزل، لم يبعد منه بعيد، و لم يقرب منه قريب، و يحتاج اليه كل شي ء، و هو ذوالطول لا اله الا هو العزيز الحكيم، أما قول الواصفين له بأنه ينزل تبارك و تعالي عن ذلك علوا كبيرا، فانما يقول ذلك من ينسبه الي نقص أو زيادة و كل متحرك يحتاج الي من يحركه او يتحرك به فمن ظن بالله الظنون فقد هلك فاحذروا في صفاته من ان تقفوا له علي حد تحدونه بنقص او زيادة أو تحريك أو تحرك او زوال او استنزال، او نهوض او قعود فان الله سبحانه عزوجل عن صفته الواصفين و نعت الناعتين و توهم المتوهمين.

و عنه أيضا انه سأله رجل يقال له عبدالغفار عن قوله تعالي: (ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني) و قال: أري ههنا خروجا من حجب و تدليا الي الأرض، و أري محمدا رأي ربه بقلبه و نسب الي بصره فكيف هذا؟ فقال ابوابراهيم: دنا فتدلي فانه لم يزل عن موضع و لم يتبدل ببدن، فقال عبدالغفار: اصفه بما وصف به نفسه حيث قال: دنا فتدلي، فلم يتدل عن مجلسه الا و قد زال عنه و لولا ذلك لم يصف بذلك نفسه، فقال ابو



[ صفحه 317]



ابراهيم: ان هذه لغة في قريش اذا اراد رجل منهم ان يقول قد سمعت، يقول قد تدليت و انما التدلي هو الفهم.

و روي داود بن قبيصة عن الامام الرضا (ع) أنه قال: سأل رجل أبي: هل منع الله عما امر به، و هل نهي عما اراد، و هل اعان علي ما لم يرد؟ فقال: اما قولك هل منع عما امر به فلا يجوز ذلك عليه، ولو جاز ذلك لكان قد منع ابليس عن السجود لآدم، ولو منعه لعذره و لم يلعنه، و أما قولك هل نهي عما اراد، فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان حيث نهي آدم عن اكل الشجرة اراد منه اكلها، ولو اراد منه اكلها، لما نادي عليه صبيان الكتاتيب، و عصي آدم ربه فغوي، والله تعالي لا يجوز عليه ان يأمر بشي ء و يريد غيره.

و أما قولك: هل أعان علي ما لم يرد، فلا يجوز ذلك عليه، و تعالي الله عن أن يعين علي قتل الأنبياء و تكفيرهم و قتل الحسين بن علي و الفضلاء من ولده، و كيف يعين علي ما لم يرد و قد اعد جهنم لمخالفيه ولعنهم علي تكذيبهم لطاعته و ارتكابهم لمخالفته، ولو جاز ان يعين علي ما لم يرد، لكان اعان فرعون علي كفره و ادعائه أنه رب العالمين، أفتري أنه اراد من فرعون ان يدعي الربوبية؟ و مضي الامام يقول: يستتاب قائل هذا القول فان تاب من كذبه علي الله و الا ضربت عنقه.

وروي الرواة عن الحسن بن علي بن محمد العسكري (ع) انا اباالحسن موسي بن جعفر (ع) قال: ان الله خلق الخلق فعلم ما هم اليه صائرون فأمرهم و نهاهم، فما أمر به من شي ء فقد جعل له السبيل الي الاخذ به و ما نهاهم عنه من شي ء فقد جعل لهم السبيل الي تركه و لا يكونون آخذين و لا تاركين الا باذنه، و ما جبرالله احدا من خلقه علي معصيته بل اختبرهم بالبلوي، كما قال: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا).

و من وصيته لبعض ولده كما جاء في تحف العقول انه قال: يا بني اياك



[ صفحه 318]



ان يراك الله في معصية نهاك عنها و اياك ان يفقدك عند طاعة امرك بها و لا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله و طاعته فان الله لا يعبد حق عبادته، و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف مروءتك، و اياك و الضجر و الكسل فانهما يمنعان حظك من الدنيا و الآخرة.

و جاء في وصيته لهشام بن الحكم: يا هشام لو كان في يدك جوزة و قال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك و أنت تعلم انها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس انها جوزة ما ضرك و أنت تعلم انها لؤلؤة؟

يا هشام ما من عبد الا و ملك آخذ بناصيته فلا يتواضع الا رفعه الله و لا يتعاظم الا وضعه الله، ان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شي ء من الدنيا يغنيك، ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد بما لا يقدر عليه و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يتقدم علي ما يخاف العجز منه، الغضب مفتاح الشر و أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا، و ان خالطت الناس فان استطعت ان لا تخالط احدا منهم الا من كانت يدك العليا عليه فافعل.

يا هشام عليك بالرفق فان الرفق يمن و الخرق شؤم، و ان الرفق والبر و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق، ان قول الله: (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) يجري في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر، من صنع اليك المعروف فعليك ان تكافئه، و ليست المكافأة ان تصنع كما صنع حتي يكون لك الفضل، فان صنعت كما صنع الفضل له بالابتداء.

يا هشام ليس حقا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسنا استزاد منه و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه، و اياك و مخالصة الناس و الانس بهم الا ان تجد منهم عاقلا و مأمونا فأنس به و اهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية، و عليك باليأس مما في ايدي الناس و أمت الطمع من المخلوقين فان الطمع مفتاح الذل واختلاس العقل و اختلاف المروءات



[ صفحه 319]



و تدنيس العرض و جاهد نفسك لتردها عن هواها فانه واجب عليك كجهاد عدوك، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به: عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله. و غني يكفيه مخافة الفقر.



[ صفحه 320]