بازگشت

التقية حتي في كيفية الوضوء


وفشلت محاولات الوشاة ورجال مباحث النظام في كشف حقيقة علي بن يقطين، فقام الرشيد بنفسه بعملية التجسس عليه، فكانت عاقبته الفشل أيضاً كما في الخبر التالي: -

روي محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضل قال: (اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلي الكعبين؟ أم من الكعبين إلي الأصابع؟ فكتب علي بن يقطين إلي أبي الحسن موسي (ع) أن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله، فكتب إليه أبو الحسن (ع): فهمتُ ما ذكرتَ من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك فأن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلل شعرلحيتك وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر أذنيك. وباطنها، وتغسل رجليك إلي الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلي غيره.

فلما وصل الكتاب إلي عليّ بن يقطين تعجب بما رسم فيه، ممّا أجمع العصابة علي خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، وكان يعمل في وضوئه علي هذا الحدّ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن (ع)، وسعي بعليّ بن يقطين إلي الرشيد، وقيل له: إنه رافضي مخالف لك.

فقال الرشيد لبعض خاصّته: قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين والقذف له بخلافنا وميله إلي الرفض ولست أري في خدمته لي تقصيراً، وقد امتحنته مراراً فما ظَهَرْتُ منه علي ما يُقذف به، وأحبّ أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز منّي.

فقيل له: إنّ الرّافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ولا تري غسل الرّجلين فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم، بالوقوف علي وضوئه، فقال: أجل إنّ هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدّار، حتّي دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرّشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يري عليّ بن يقطين، ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وخلّل شعر لحيته، وغسل يديه إلي المرفقين ثلاثاً، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه.

فلما رأه وقد فعل ذلك ولم يملك نفسه حتّي أشرف عليه بحيث يراه، ثمّ ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة، وصلحت حاله عنده، وورد عليه كتاب أبي الحسن (ع): ابتداءً من الآن يا علي بن يقطين فتوضّأ كما أمر الله، واغسل وجهك مرة فريضة، وأخري إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بنداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام) [1] .

3 - كان المسيّب نائب رئيس شرطة النظام سندي بن شاهك، وكان موكلاً بسجن الإمام (ع)، وكان يوالي الإمام (ع) كما يظهر من بعض التواريخ، وكان يتصل بالشيعة ويأمرهم بما يوصيه الإمام، والواقع أن كثير ممن سجن الإمام عندهم قالوا بولايته لما شاهدوا منه من المعاجز، فهذا بشّار مولي السندي بن شاهك يقول: (كنت من أشد الناس بغضاً لآل أبي طالب (ع)، فدعاني السندي بن شاهك يوماً فقال لي: يا بشار إنّي أريد أن أئتمنك علي ما ائتمنني عليه هارون، قلت: إذن لا أبقي فيه غاية، فقال: هذا موسي بن جعفر قد دفعه إلّي وقد وكّلتك بحفظه، فجعله في دار دون حرمه ووكّلني عليه، فكنت أقفل عليه عدّة أقفال، فإذا مضيت في حاجة وكّلت امرأتي بالباب فلا تفارقه حتّي أرجع.

قال بشّار: فحوّل الله ما كان في قلبي من البغض حبّاً، قال: فدعاني (ع) يوماً فقال: يا بشّار امضِ إلي سجن القنطرة فادع لي هند بن الحجاج وقل له: أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه، فإنّه سينهرك ويصيح عليك، فإذا فعل ذلك، فقل له: أنا قد قلت لك وابلغت رسالته، فإن شئت فافعل ما أمرني، وإن شئت فلا تفعل، واتركه وانصرف، قال: ففعلت ما أمرني وأقفلت الأبواب كما كنت أقفل وأقعدت امرأتي علي الباب وقلت لها: لا تبرحي حتّي آتيك.

وقصدت إلي سجن القنطرة فدخلت إلي هند بن الحجّاج، فقلت: أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه، قال: فصاح عليّ وانتهرني فقلت له: أنا قد أبلغتك وقلت لك، فإن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل، وانصرفت وتركته وجئت إلي أبي الحسن (ع) فوجدت امرأتي قاعدة علي الباب والأبواب مغلقة، فلم أزل أفتح واحداً منها حتي انتهيت إليه فوجدته وأعلمته الخبر، فقال: نعم قد جائني وانصرف، فخرجت إلي امرأتي فقلت لها: جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب؟ فقالت: لا والله ما فارقت الباب ولا فتحت الأقفال حتي جئت) [2] .


پاورقي

[1] المصدر: (ص 38 - 39).

[2] المصدر: (ص 241).