بازگشت

معاجز الإمام الكاظم


هناك فرق كبير بين فكرة الغلو المرفوضة عند المسلمين بشدة، وبين الإعتقاد بكرامة أولياء الله، واستجابة الله دعائهم، ونظرهم بنور الله إلي الحقائق.

ذلك أن فكرة الغلو تسمو بالشخص إلي درجة الألوهية وتري أن الرب سبحانه وتعالي يحل في عباده، حتي يصبح العبد هو الرب بروحه، وتكون قدراته آنئذٍ ذاتية.

بينما الإعتقاد بالإعجاز لدي أولياء الله يعكس التوحيد الخالص حيث يرفض أي تحول ذاتي في شخص النبي أو الإمام أو الولي، إنما يعني تفضيل الله لعباده المخلصين، وإكرامهم بالعلم أو القدرة.

وفي الوقت الذي نجد الآيات القرآنية تقدس الله وتسبّحه وتذكرنا باستحالة حلوله في شيء أو شخص وتندد بعقائد الشرك، في ذات الوقت تذْكر لنا معاجز الأنبياء (ع) التي دلّت علي كرامتهم عند الله، حيث أجري الله علي أيديهم تلك المعاجز فيقول الله سبحانه في شأن عيسي ابن مريم (ع):

[وَرَسُولاً إِلَي بَنِي إِسْرَآئِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِاَيَةٍ مِن رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَاَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله وَاُبْرِئُ اْلأَكْمَهَ وَاْلأبْرَصَ وَاُحْيِي الْمَوْتَي بِإِذْنِ الله وَاُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] (آل عمران/49)

إن تكرار كلمة (بإذن الله) يدلل علي أن تلك المعاجز لا تعني حلولاً إلهياً في شخص عيسي ليجعله ابناً لله سبحانه وتعالي عما يقوله المشركون، بل علي أن الله يهب لعبده ما يشاء وكيف يشاء ومتي يشاء.

وهكذا كانت عقيدة المسلمين في الأئمة (ع) والأولياء بأن الله قد أكرمهم بالعلم والقدرة، وهذا من صميم عقيدة التوحيد، أوليس الله بقادر علي أن يكفي عبده وينصره ويطلعه علي غيبه إذا ارتضاه؟ ولِمَ لا يفعل الرب بعبده المطيع له المخلص في العبادة مثل ذلك؟ أوليس الله يحب التوّابين ويحب المتطّهرين ويحب المتوكّلين، ويحب من يطيعه، ويجزي من يعبده، ويجزي المتصدقين، ويجزي المحسنين، ويكرم المتقين، ويسلّم ويصلي علي عباده الصابرين؟ كما نقرأ في أكثر سور القرآن الكريم.

إن من لا يعتقد بالتأييد الإلهي لعباده الصالحين وفي طليعتهم الأئمة المعصومين (ع)، ويثير الشكوك حول معاجزهم، يكاد يكفر بروح القرآن وباطنه ومحتواه وأعظم معانيه.

إن لبّ رسالات الله هو الإعتقاد بأن الله مهيمن علي عرش القدرة، ويفعل ما يشاء وأنه لا يفعل إلاّ بحكمة بالغة، وخلاصة الحكمة جزاء من أحسن وعقاب من أساء، فإذا كان سواء عنده من أحسن ومن أساء وكان لا ينصر عباده المؤمنين ولا يخذل الكفار والمنافقين، فما هي فائدة الإيمان بقدرته وحكمته و. و..

وهكذا كان الإمام موسي بن جعفر حليف القرآن، وأعبد الناس للرب في عصره، وأعظم المطيعين للخالق، كان له من المعاجز والكرامات ما اعترف بها المسلمون جميعاً، ولا يسعنا أن نذكر فيما يلي إلاّ قليلاً منها [1] .

1 - لقد أنقذ الله سبحانه عبده الصالح موسي بن جعفر (ع) من طغاة عصره بفضل توكله عليه وتبتله إليه، وكذلك ينجي الله المؤمنين.

جاء في الحديث عن عبيد الله بن صالح قال: حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن ربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريّ فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض إلاّ يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ فقال لي: أجب الأمير، ولم يسلّم عليّ.

فيئست من نفسي وقلت: هذا مسرور، دخل إليّ بلا إذن ولم يسلم، ما هو إلاّ القتل، وكنت جنباً فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتي أغتسل، فقالت لي الجارية: لما رأت تحيّري وتبلّدي: ثق بالله عزّ وجلّ وانهض، فنهضت، ولبست ثيابي، وخرجت معه حتي أتيت الدار، فسلمت علي أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد عليَّ السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب.؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فتركني ساعة حتي سكنت ثم قال لي: صر إلي حبسنا فأخرج موسي بن جعفر بن محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله علي ثلاث مراكب، وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلي أيّ بلد أراد وأحب.

فقلت: يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسي بن جعفر؟ قال: نعم فكرّرت ذلك عليه ثلاث مرات، فقال لي: نعم ويلك أتريد ان أنكث العهد؟ فقلت: يا أمير المؤمنين وما العهد؟ قال: بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد علي صدري وقبض

علي حلقي وقال لي: حبست موسي بن جعفر ظالماً له؟ فقلت: فأنا أطلقه وأهب له، وأخلع عليه، فأخذ عليّ عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه، وقام عن صدري، وقد كادت نفسي تخرج.

فخرجت من عنده ووافيت موسي بن جعفر (ع) وهو في حبسه، فرأيته قائماّ يصلي فجلست حتي سلم، ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره، وأني قد أحضرت ما وصله به، قال: إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله؟ فقلت: لا وحق جدّك رسول الله ما أمرت إلاّ بهذا، فقال: لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ، فقال: إعمل به ما أحببت، وأخذت بيده (ع) وأخرجته من السجن.

ثم قلت له: يابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك، ولما أجراه الله عزّ وجلّ علي يدي من هذا الأمر، فقال (ع): رأيت النبي (ص) ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم؟ فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم، فكرر عليً ذلك ثلاثاً ثم قال:

[وإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَي حِينٍ] (الانبياءِ/111) أصبح غداً صائماً وأتبعه بصيام الخميس والجمعة، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنتي عشر ركعة تقرأ في كلّ ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد، فإذا صلّيت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل: يا سابق الفوت يا سامع كلّ صوت يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي علي محمد عبدك ورسولك وعلي أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه “ ففعلت فكان الذي رأيت [2] .

2 - وقد دعا سيدنا الكاظم (ع) لإنقاذ بعض المؤمنين من شيعته من ظلم الطاغية ن فاستجاب الله دعاءه حيث جاء في التاريخ عن صالح بن واقد الطبري قال: دخلت علي موسي بن جعفر فقال: يا صالح إنه يدعوك الطاغية يعني هارون فيحبسك في محبسه ويسألك عني فقل إني لا أعرفه، فإذا صرت إلي محبسه فقل من أردت أن تخرجه فأخرجه بإذن الله تعالي، فدعاني هارون من طبرستان فقال: ما فعل موسي بن جعفر فقد بلغني أنه كان عندك؟ فقلت: ما يدريني من موسي بن جعفر؟ أنت يا أمير المؤمنين أعرف به وبمكانه، فقال: اذهبوا به إلي الحبس، فوالله إني لفي بعض اللّيالي قاعد وأهل الحبس نيام إذ أنا به يقول: يا صالح، قلت: لبيك قال: صرت إلي ههنا؟ فقلت: نعم يا سيدي، قال: قم فاخرج واتبعني، فقمت وخرجت، فلما صرنا إلي بعض الطريق قال: صالح يا رسول الله محبوس مظلوم فكرر عليّ ذلك ثلاثاً، ثم قال:

السلطان سلطاننا كرامة من الله أعطاناها، قلت: يا سيدي فأين أحتجز من هذا الطاغية؟ قال: عليك ببلادك فارجع إليها فإنه لن يصل إليك، قال صالح: فرجعت إلي طبرستان، فوالله ما سأل ولا أدري أحبسني أم لا [3] .

3 - وكان يؤدب شيعته علي التقوي، ويعطيه الرب نوراً يعلم به خباياهم، فقد جاء في الحديث عن عبد الله بن القاسم بن الحارث البطل، عن مرازم قال: (دخلت المدينة فرأيت جارية في الدار التي نزلتها فعجبتني فأردت أن أتمتع منها فأبت أن تزوجني نفسها، فجئت بعد العتمة فقرعت الباب فكانت هي التي فتحت لي، فوضعت يدي علي صدرها فبادرتني حتي دخلت، فلما أصبحت دخلت علي أبي الحسن (ع) فقال: يا مرازم ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه) [4] .

4 - وينتفع بعلمه الإلهي في سبيل تربية شيعته علي الانضباط، باعتباره ضرورة قصوي في سائر حقول الحياة، وبالذات حقل الجهاد، جاء في الآثار:

عن محمد بن الحسين بن علي عن حسان الواسطي، عن موسي بن بكر قال: (دفع إليّ أبو الحسن الأول (ع) رقعة فيها حوائج وقال لي: إعمل بما فيها، فوضعتها تحت المصلّي، وتوانيت عنها، فمررت فإذا الرقعة في يده، فسألني عن الرقعة فقلت: في البيت، فقال: يا موسي إذا أمرتك بالشيء فاعمله وإلاّ غضبت عليك [5] .

5 - وربما اقتضي الأمر الإعجاز بهدف تأديب الشيعة علي التواضع للحق، والإبتعاد عن الكبر والتعالي للارتفاع بهم إلي مستوي (حزب الله) الذين لا يتمايزون عن بعضهم بما يملكون من مال أو علم أو منصب، دعنا نقرأ معاً قصة علي بن يقطين، وهو وزير في سلطان الطغاة، وبحكم منصبه ربما أخذه الغرور وتعالي علي سائر المؤمنين، لننظر كيف يؤدبه الإمام، ويستخدم قدرته الإلهية لتربية روح التقوي فيه.

عن محمد بن علي الصوفي قال: (استأذن إبراهيم الجمّال رضي الله عنه علي أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه، فحج علي بن يقطين في تلك السَّنة فاستأذن بالمدينة علي مولانا موسي بن جعفر فحجبه، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: سيدي ما ذنبي؟ فقال: حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال، وقد أبي الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك حجب إبراهيم الجمّال، فقلت: يا سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال: إذا كان الليل فامض إلي البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرجاً، قال: فوافي البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه علي باب إبراهيم الجمّال بالكوفة، فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين.

فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟! فقال علي بن يقطين: يا هذا إن أمري عظيم، وآلي عليه أن يأذن له، فلما دخل قال: يا إبراهيم إن المولي (ع) أبي أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك فآلي علي بن يقطين علي إبراهيم الجمّال أن يطأ خده فامتنع ابراهيم من ذلك، فآلي عليه ثانياً ففعل، فلم يزل ابراهيم يطأ خده، وعلي بن يقطين يقول: اللهم اشهد، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولي موسي بن جعفر (ع) بالمدينة، فأذن له ودخل عليه فقبله) [6] .

6 - باعتباره قائد المسلمين، وخليفة رسول الله (ص) الذي تحلّي بمكارم الخلق المحمدي، فإنه كان رحيماً بالمؤمنين عزيزاً عليه ما عندتم.

وكثيراً ما كان ينظر بنور الله فيري الضر الّذي قد يلحق بهم فيبادر برفعه عنهم بطريقة أو باخري حتي ولو كان من النوع الفردي أو الجزئي، دعنا نقرأ معاً القصة التالية:

عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: (كتب إليّ أبو الحسن (ع) - قال عثمان بن عيسي وكنت حاضراً بالمدينة -: تحوّل عن منزلك، فاغتمَّ بذلك، وكان منزله منزلاً وسطاً بين المسجد والسوق، فلم يتحوّل، فعاد إليه الرسول: تحوّل عن منزلك، فبقي، ثم عاد إليه الثالثة: تحوّل عن منزلك، فذهب وطلب منزلاً وكنت في المسجد، ولم يجيء إلي المسجد إلاّ عتمة فقلت له: ما خلّفك؟ فقال: ما تدري ما أصابني اليوم؟ قلت: لا، قال: ذهبت أستقي الماء من البر لأتوضأ فخرج الدلو مملوءاً خرءاً وقد عجّنا خبزنا بذلك الماء، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا، فشغلني عن المجيء، ونقلت متاعي إلي البيت الذي أكتريته، فليس بالمنزل إلاّ الجارية، الساعة أنصرف وآخذ بيدها، فقلت: بارك الله لك، ثم افترقنا، فلمّا كان سحراً خرجنا إلي المسجد فقال: ما ترون ما حدث في هذه الليلة؟ قلت: لا “ قال: سقط والله منزلي، السفلي والعليا) [7] .

هكذا قدم الإمام نصيحته لشيعته في مسألة حياتية جزئية ولكنها هامة بالنسبة إلي الفرد المؤمن صاحب المسألة، وفي واقعة أخري نجد الإمام ينصح الفرد في مسألة تجارية تبدو هي الأخري جزئية ولكنها تكشف عن حقيقة الإهتمام بامور المسلمين، والواقعة رويت هكذا:

عن الحسن بن علي بن النعمان، عن عثمان بن عيسي قال: (أبو الحسن (ع) لإبراهيم بن عبد الحميد، ولقيه سحراً وإبراهيم ذاهب إلي قبا، وأبو الحسن (ع) داخل إلي المدينة فقال: يا إبراهيم فقلت: لبيك، قال: إلي أين؟ قلت: إلي قبا، فقال: في أي شيء؟ فقلت: إنَّا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر فأردت أن آتي رجلا من الأنصار فأشتري منه من الثمار، فقال: وقد أمنتم الجراد، ثم دخل ومضيت أنا فأخبرت أبا العز، فقال: لا والله لا أشتري العام نخلة، فما مرت بنا خامسة، حتي بعث الله جراداً فأكل عامة مافي النخل) [8] .


پاورقي

[1] العلاّمة المجلسي خصص في موسوعته بحار الأنوار الجزء 48 جزءاً مفصلاً (من ص 29 - 100) حول بعض معاجزه.

[2] المصدر: (ص 213 - 215).

[3] المصدر: (ص 66).

[4] المصدر: (ص 45).

[5] المصدر: (ص 44).

[6] المصدر / (ص 85).

[7] المصدر: (ص 45 - 46).

[8] المصدر: (ص 46 - الرقم 30).