بازگشت

نشأته


خلال عشرين عاماً من عمره الشريف كان والده الإمام أبو عبد الله الصادق (ع) يتعهده بالرعاية، ويشير إلي فضائله ويبين لخاصة أوليائه أنه سيد ولده، وأنه الإمام من بعده.

إن الإمامة لابد أن تكون بنص صريح، وقد تواترت النصوص علي الأئمة الإثني عشر من الرسول الأكرم (ص)، وهكذا كان كل إمام يوصي بمن بعده، فلهذا كان الموالون لآل البيت (ع) حريصين علي التأكد من إمامهم يسألون السلف عن الخلف.

يروي عبد الرحمن بن الحجاج يقول: دخلت علي جعفر بن محمد في منزله وهو في بيت كذا من دار،

في مسجدٍ له وهو يدعو، وعلي يمينه موسي بن جعفر يؤمِّن علي دعائه، فقلت له: جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك، وخدمتي لك، فمن وليّ الأمر بعدك؟ قال: (يا عبد الرحمن إن موسي قد لبس الدرع فاستوت عليه، فقلت له: لا أحتاج بعدها إلي شيء) [1] .

وكان الإمام الصادق (ع) يوصي سائر أبنائه بحق ابنه موسي (ع)، فهذا عبد الله بن جعفر أكبر سناً من الإمام موسي يتحدث إليه والده ويقول له: ما يمنعك أن تكون مثل أخيك، فوالله إني لأعرف النور في وجهه، فقال عبد الله: وكيف؟ أليس أبي وأبوه واحداً؟ وأصلي وأصله واحداً؟ فقال له أبو عبد الله: (إنه من نفسي وأنت ابني) [2] .

وكانت حياة الإمام موسي (ع) متميّزة منذ الصبا، ولذلك فقد كانت في ذلك أمارة مقامه العظيم. جاء في حديث مأثور عن صفوان الجمّال وهو من خواصّ الشيعة، سألت أبا عبد الله عن صاحب هذا الأمر، قال: صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن وهو صغير ومعه بهمة عناق مكية [3] ويقول لها: (اسجدي لربك، فأخذه أبو عبد الله وضمه إليه وقال بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب) [4] .

وهكذا شبّ موسي بن جعفر محبوباً بين إخوته بسبب وصفه المميز، وعملا بوصايا والده بحقه، فكان بين إخوته المتمسّكين بولاية علي بن جعفر، جاء في الحديث المأثور عن محمد بن الوليد قال:

(سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق (ع) يقول: سمعت أبا جعفر بن محمد (ع) يقول لجماعة من خاصته وأصحابه: استوصوا بموسي ابني خيراً فإنه أفضل ولدي، ومن أخلّف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله عزّ وجلّ علي كافة خلقه من بعدي، وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسي، والإنقطاع إليه، والتوفر علي أخذ معالم الدين منه، وله مسائل مشهورة عنه، وجوابات رواها سماعاً منه، والأخبار فيما ذكرناه أكثر من أن تحصي علي ما بيًّناه ووصفناه) [5] .

ولأن عهد الإمام الصادق (ع) مميَّز ببعض الانفراج، وقد انتشرت معارف أهل البيت وأصبح مذهبهم من بين المذاهب الأكثر شيوعاً واتباعاً في العالم الإسلامي، فلقد كان الخوف علي مستقبل الطائفة شديداً، حيث كان يخشي من طمع بعض القيادات في الرئاسة علي الطائفة، وربما انجرف معهم بعض أولاد الإمام الصادق أو أحفاده، لذلك فقد كان تأكيد الإمام علي أن الوصي بعده ابنه موسي شديداً ومستمراً.

وهكذا كان فلقد انحرف البعض وزعم أن الوليّ بعد الإمام الصادق (عليه السلام) ابنه الأكبر إسماعيل، وقالوا بأنه لم يمت علي عهد أبيه إنما غاب عن الأنظار.

وكانت الفرقة الإسماعيلية ذات الشوكة التي أسست أكبر حركة ثورية بعد الحركة الرسالية، وبَنت دولة عظيمة في شمال إفريقيا وكانت هذه الحركة وليدة هذا التصور الخاطيء.

من هنا أشهد الإمام الصادق (ع) كبار شيعته علي وفاة ابنه وأكد لهم أن الوصي الحق بعده إنما هو موسي (ع).

فلقد روي عن زرارة بن أعين أنه قال:

(دخلت علي أبي عبد الله (ع) وعن يمينه سيد ولده موسي (ع) وقدّامه مرقد مغطي، فقال لي: يا زرارة جئني بداود الرّقي، وحمران، وأبي بصير، ودخل عليه المفضل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد، حتي صرنا في البيت ثلاثين رجلاً.

فلما حشد المجلس قال: يا داود اكشف لي عن وجه اسماعيل، فكشف عن وجهه، فقال ابو عبد الله (ع): يا داود أحيّ هو أم ميت؟ قال داود: يا مولاي هو ميت، فجعل يعرض ذلك علي رجل رجل، حتي أتي علي آخر من في المجلس وكل يقول: هو ميت يا مولاي، فقال: اللهم اشهد ثم أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

فلما فرغ منه قال للمفضل: يا مفضل أحسر عن وجهه، فحسر عن وجهه فقال: أحيّ هو أم ميت؟ فقال ميت قال: اللهم اشهد عليهم، ثم حمل إلي قبره، فلما وضع في لحده قال: يا مفضل أكشف عن وجهه، وقال للجماعة: أحيّ هو أم ميت؟ قلنا له: ميت فقال: اللهم اشهد، واشهدوا فإنه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم ثم أومأ إلي موسي، والله متم نوره ولو كره المشركون، ثم حثوا عليه التراب، ثم أعاد علينا القول فقال: الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو؟ فقلنا: إسماعيل قال: اللهم اشهد، ثم أخذ بيد موسي (ع) وقال: هو حق والحق معه ومنه، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها) [6] .


پاورقي

[1] المصدر: (ص 181 ج 48).

[2] المصدر.

[3] البهمة الواحدة من الضأن، والعناق الأنثي من أولاد المعز ما لم يتم لها سنة.

[4] المصدر.

[5] المصدر. (ص 20).

[6] المصدر: (ص 21).