بازگشت

محنة البيت العلوي


وهكذا كانت محنة البيت العلوي عظيمة في تلك الحقبة، حيث أنهم رفضوا التسليم لإرهاب النظام، فزجّ بهم في السجون الرهيبة، ومورس في حقهم كل ألوان التعذيب، كما قتل النظام الكثير منهم صبراً. وإن ذلك لدليل علي قوة شوكة المعارضة الرسالية وتهديدها للنظام، كما هو دليل علي مدي احتمال هذا البيت الطاهر للمآسي والمصائب من أجل رسالات الله، ولم يكن عبثاً تأكيد الرسول (ص) علي الإهتمام باهل بيته واعتبارهم ورثته، وجعلهم محور أهل الحق، وإن مثلهم مثل سفينة نوح من ركبها نجي ومن تخلف عنها غرق وهلك.

وفي القصة التالية بعض تلك المحن العظيمة التي توالت علي أهل بيت الرسول من أبناء فاطمة وعلي عليهم السلام.

عن عبيد الله البزاز النيسابوري - وكان مسناً - قال: كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة، فرحلت إليه في بعض الأيّام، فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعليّ ثياب السفر لم أغيّرها، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر.

فلمّا دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه وجلست، فأتي بطست وإبريق فغسَّل يديه، ثم أمرني فغسلت يدي واحضرت المائدة وذهب عني أنَي صائم وأني في شهر رمضان، ثمّ ذكرت فأمسكت يدي، فقال لي حميد: مالك لا تأكل؟ فقلت أيها الأمير هذا شهر رمضان، ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار، ولعلّ الأمير له عذر في ذلك أو علّة توجب الإفطار، فقال: ما بي علّة توجب الإفطار وإنّي لصحيح البدن، ثم دمعت عيناه وبكي.

فقلت له بعدما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيّها الأمير؟ فقال: أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب، فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد وسيفاً أخضر مسلولاً وبين يديه خادم واقف، فلما قمت بين يديه رفع رأسه إليَّ فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال، فأطرق ثم أذن لي في الانصراف.

فلم ألبث في منزلي حتي عاد الرسول إليَّ وقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: أنا والله أخاف أن يكون قد عزم علي قتلي وأنه لما رآني استحيي منّي، فعدت إلي بين يديه فرفع رأسه إليَّ فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد فتبسم ضاحكاً، ثم أذن لي في الانصراف.

فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليَّ فقال: أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو علي حاله، فرفع رأسه إليَّ فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين، فقلت: بالنفس والمال والأهل والولدل والدين فضحك، ثم قال لي: خذ هذا السيف وامتثل ما يامِّرك به هذا الخادم.

قال: فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلي بيت بابه مغلق ففتحه فإذا به بئر في وسطه، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور والذوائب، شيوخ وكهول وشبّان مقيَّدون، فقال لي: إنَّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، وكانوا كلهم علويّة من ولد علي وفاطمة (ع) فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتي أتيت علي آخرهم، ثم رمي بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر.

ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفسا من العلويّة من ولد علي وفاطمة (ع) مقيدون، فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر، حتي أتيت علي آخرهم، ثم فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد علي وفاطمة (ع)، مقيدون عليهم الشعور والذوائب فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر، حتي أتيت علي تسعة عشر نفساً منهم، وبقي شيخ منهم عليه شعر فقال لي: تبّاً لك يا مشؤوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت علي جدنا رسول الله (ص) وقد قتلت من أولاده ستين نفساً، قد ولدهم عليّ وفاطمة (ع)، فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني، فأتيت علي ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ورمي به في تلك البئر، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول الله (ص) فما ينفعني صومي وصلاتي وأنا لا أشك أني مخلد في النار [1] .


پاورقي

[1] المصدر: (ص 176، 178).