بازگشت

في ذكر بعض أخبار موسي


و كان أبوه يحبه و يميل إليه، و وهب له البشيرة تفضيلا، [1] و كان شراؤها بستة و عشرين ألف دينار.

و كان عليه السلام كريما، بهيا، و عتق ألف مملوك. و كان يدعي العبد الصالح من عبادته و اجتهاده. [2] .



[ صفحه 652]



و قيل: إنه دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله فسجد سجدة في أول الليل، و سمع و هو يقول في سجوده: «عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوي و يا أهل المغفرة» فجعل يرددها حتي أصبح. [3] .

و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار.

و كان يصر الصرر بثلاثمائة دينار و أربعمائة دينار و مائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة. و كانت صرة موسي عليه السلام إذا جاءت الإنسان فقد استغني. [4] .

و قال محمد بن عبدالله البكري: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني ذلك، فقلت: لو ذهبت إلي أبي الحسن موسي شكوت إليه ذلك. فأتيته يسقي [5] في ضيعته، فخرج إلي و معه غلامه معه منسف [6] فيه قديد مجزع [7] ليس معه غيره، فأكل و أكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي، فدخل فلم يقر إلا يسيرا حتي خرج إلي فقال لغلامه: اذهب، ثم مد يده إلي فدفع صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولي، و قمت فركبت دابتي و انصرفت. [8] .

و قيل: إن أباحنيفة صار إلي أبي عبدالله عليه السلام ليسأله عن مسألة فلم يأذن له، فجلس ينتظر الإذن، فخرج أبوالحسن عليه السلام و سنه يومئذ خمس سنين، فدعاه و قال: يا غلام أين يضع المسافر خلاه في بلدكم هذا؟ فاستند أبوالحسن عليه السلام إلي الحائط و قال له: يا شيخ يتوقي شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و منازل النزال، و أفنية المساجد، و لا يستقبل القبلة، و لا يستدبرها، و يتواري خلف جدار، و يضعه حيث شاء. فانصرف أبوحنيفة تلك السنة و لم يدخل علي أبي عبدالله عليه السلام. [9] .

و قال الحسين بن عيسي: [10] دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام اريد أن أسأله عن



[ صفحه 653]



أبي الخطاب، فقال مبتدئا: ما يمنعك أن تلقي ابني فتسأله عن جميع ما تريد.

قال: فذهبت إليه و هو قاعد في الكتاب و علي شفتيه أثر مداد، فقال لي: يا اباعيسي إن الله تبارك و تعالي أخذ ميثاق النبيين علي النبوة فلن يتحولوا عنها إلي غيرها أبدا، و أخذ ميثاق الوصيين علي الوصية فلن يتحولوا عنها إلي غيرها أبدا، و أعار قوما الإيمان زمانا ثم سلبهم إياه، و ان الخطاب ممن اعير الإيمان ثم سلبه الله إياه.

قال: فضممته إلي صدري، و قبلت بين عينيه، و قلت: بأبي و امي ذرية بعضها من بعض، أتيته فأخبرني مبتدئا من غير أن أسأله عن شي ء بجميع ما أردت.

قال: يا عيسي إن ابني الذي رأيته لو سألته عن ما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم.

قال عيسي: ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر. [11] .

و قال صفوان الجمال: سألت أباعبدالله عليه السلام من صاحب هذا الأمر؟ فقال: صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب.

فأقبل أبوالحسن و هو صغير و معه عناق مكية، [12] و هو يقول لها: اسجدي لربك. فأخذه أبوعبدالله و ضمه إليه و قال: بأبي من لا يلهو و لا يلعب. [13] .

و قيل: إنه لما خرج الرشيد إلي الحج و قرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسي بن جعفر عليهماالسلام علي بغلة. فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أميرالمؤمنين و أنت إن طلبت لم تدرك، و إن طلبت لم تفت؟ فقال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، و ارتفعت عن ذلة العير، و خير الامور أوسطها. [14] .

و لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلي الله عليه و آله و معه الناس، فتقدم



[ صفحه 654]



الرشيد إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يابن عم، مفتخرا بذلك علي غيره.

فتقدم أبوالحسن موسي عليه السلام فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه. فتغير وجه الرشيد و تبين الغيظ فيه. [15] .

و قال السندي بن شاهك: وافي خادم من قبل الرشيد إلي أبي الحسن عليه السلام و هو محبوس عندي، فدخلت معه و قد كان قال له تعرف خبره. فوقف الخادم، فقال: مالك؟ فقال: بعثني الخليفة لأعرف خبرك. قال: فقال: قل له: يا هارون ما من يوم ضراء انقضي عني إلا انقضي عنك من السراء مثله حتي نجتمع أنا و أنت في دار يخسر فيها المبطلون. [16] .

و قال الفضل بن الربيع، عن أبيه قال: بعثني هارون الي أبي الحسن عليه السلام برسالة و هو في حبس السندي بن شاهك، فدخلت عليه و هو يصلي فهبته أن أجلس، فوقفت متكئا علي سيفي، فكان عليه السلام إذا صلي ركعتين و سلم واصل بركعتين اخراوتين. فلما طال وقوفي و خفت أن يسأل عني هارون و حانت منه تسليمة فشرعت في الكلام، فأمسك و قد كان قال لي هارون: لا تقول بعثني أميرالمؤمنين إليك و لكن قل: بعثني أخوك و هو يقرؤك السلام و يقول لك: إنه بلغني عنك أشياء أقلقتني فأقدمتك إلي فحصت عن ذلك فوجدتك نقي الجيب بريئا من العيب مكذوبا عليك فيما رميت به، ففكرت بين إصرافك إلي منزلك و مقامك ببابي، فوجدت مقامك ببابي أبرء لصدري و أكذب لقول المسرعين فيك، و لكل إنسان غذاء قد اغتذاه و ألفت عليه طبيعته، و لعلك اغتذيت بالمدينة أغذية لا تجد من يصنعها لك هاهنا، و قد أمرت الفضل أن يقيم لك من ذلك ما شئت، فمره بما أحببت و انبسط فيما تريده.

قال: فجعل عليه السلام الجواب في كلمتين من غير أن يلتفت إلي، فقال: لا حاضر



[ صفحه 655]



مالي فينفعني و لم أخلق مسؤولا، الله اكبر و دخل في الصلاة.

قال: فرجعت الي هارون فأخبرته، فقال لي: فما تري في أمره فقلت: يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها ثم قال لا أخرج منها ما خرج منها. قال: هو كما قلت ولكن مقامه عندي أحب إلي.

وروي غيره قال: قال هارون: إياك أن تخبر بهذا أحدا. قال: فما أخبرت به أحدا حتي مات هارون.

و قال المأمون لقومه: أتدرون من علمني التشيع؟ فقال القوم: و الله ما نعلم ذلك. فقال: علمنيه الرشيد. فقيل له: كيف ذلك و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟! قال: كان يقتلهم علي الملك، إن الملك لعقيم. [17] .

ثم قال: إنه دخل موسي بن جعفر علي الرشيد يوما فقام الرشيد إليه و استقبله و أجلسه في الصدر وقعد بين يديه و جرت بينهما أشياء، ثم قال موسي بن جعفر لأبي: يا أميرالمؤمنين إن الله قد فرض علي ولاة عهده أن ينعشوا فقراء الامة و يقضوا عن الغارمين و يخففوا عن المثقل و يكسوا العاري و يحسنوا الي العاني، و أنت أولي من فعل ذلك. فقال: أفعل يا أباالحسن ثم قام فقال الرشيد لقيامه و قبل عينيه و وجهه، ثم أقبل علي و علي الأمين و المؤتمن فقال: يا عبدالله و يا محمد و يا إبراهيم بين يدي ابن عمكم [18] و سيدكم، خذوا بركابه، و سووا عليه ثيابه، و شيعوه الي منزله.

فأقبل علي أبوالحسن موسي بن جعفر سرا بيني و بينه فبشرني بالخلافة، و قال لي: إذا ملكت هذا الأمر فأحسن الي ولدي [ثم انصرفنا]، [19] و كنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت: يا أميرالمؤمنين من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته، و قمت من مجلسك إليه فاستقبلته، و أقعدته في صدر المجلس، و قعدت دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ فقال: هذا إمام الناس، و حجة الله علي خلقه



[ صفحه 656]



و عباده. فقلت: يا أميرالمؤمنين أوليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟! فقال: أنا إمام الجماعة بالغلبة و القهر، و موسي بن جعفر إمام حق، و الله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله مني و من الخلق جميعا. فقلت: يا أبه أنت تعلم هذا و تنازعهم حقهم؟ [20] فقال: يا بني و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، إن الملك عقيم.

فلما أراد الرحيل من المدينة الي مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار، ثم أقبل علي الفضل و قال: اذهب إلي موسي بن جعفر و قل له: نحن في ضيقة و سيأتيك برنا بعد هذا الوقت. فقمت في وجهه و قلت: يا أميرالمؤمنين تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني هاشم و من لا تعرف نسبه خمسة آلاف دينار إلي ما دونها، و تعطي موسي بن جعفر و قد أعظمته و أجللته مائتي دينار؟! أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟ فقال: اسكت لا ام لك، فإني لو أعطيته هذا من ضمنه [21] لك، و الله ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه، و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم. [22] .

و روي الفضل بن الربيع و غيره من أهل النقل قالوا: دخل موسي بن جعفر عليهماالسلام علي الرشيد و قد كان هم به سوء، فلما رآه و ثب إليه و عانقه و خلع عليه و وصله، فلما ولي قال الفضل بن الربيع: يا أميرالمؤمنين أردت أن تضربه و تعاقبه فخلعت عليه و أجزته؟

فقال: يا فضل إني ابلغت عنه شيئا عظيما فهممت به فرأيته عند الله وجيها عظيما، إنك [لما ذهبت] لتجي ء به فرأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرزوها في أصل الدار و هم يقولون: إن آذي ابن رسول الله خسفنا به و إن أحسن إليه انصرفنا عنه.

قال الفضل: فتبعته و قلت: يابن رسول الله ما الذي قلته حتي كفيت أمر



[ صفحه 657]



الرشيد؟ فقال عليه السلام: دعاء جدي علي بن أبي طالب عليه السلام، ما دعا به وبرز الي عسكر إلا هزمه و لا الي فارس إلا قهره، و هو دعاء كفاية البلاء. قلت: و ما هو؟ فقال عليه السلام: قل: اللهم بك اساور و بك احاول، و بك أصول، و بك أنتصر، و بك أموت و بك أحيا، أسلمت نفسي إليك و فوضت أمري اليك، لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إنك خلقتني و رزقتني و سورتني و سترتني من بين العباد بطاعتك و خولتني إذا هربت رددتني و اذا عثرت أقلتني و إذا دعوتك أجبتني، يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني. [23] .

و روي عن موسي بن جعفر عليهماالسلام أنه قال: لما دخلت علي هارون الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام و قال: يا موسي بن جعفر خليفتان هاهنا يجبي إليهما الخراج.

فقلت: يا أميرالمؤمنين اعيذك بالله أن تبوء بإثمي و إثمك و تقبل الباطل من أعدائنا علينا، و قد علمت بأنه قد كذب علينا عند قبض رسول الله صلي الله عليه و آله بما علم ذلك عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله أن تأذن لي أن احدثك بحديث. فقال: قد أذنت لك. فقلت: أخبرني أبي عن أبائه عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «إن الرحم إذا مست الرحم تحركت و اضطربت» فناولني يدك جعلني الله فداك. فقال: ادن، فدنوت فأخذ بيدي ثم جذبني إلي نفسه و عانقني طويلا ثم تركني و قال: اجلس يا موسي فليس عليك بأس، فنظرت إليه و إذا به قد دمعت عيناه فرجعت إلي نفسي و قال: صدقت و صدق رسول الله جدك صلي الله عليه و آله لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي حتي غلبت علي الرقة و فاضت عيناي و أنا اريد أن أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك و لم أقبل قول أحد فيك، و قد بلغني أنك لم تكذب قط فاصدقني فيما أسألك عنه مما في قلبي. فقلت: ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن كنت آمنتني فقال: لك الأمان إن أنت صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها يا بني فاطمة. فقلت: ليسأل أميرالمؤمنين عما شاء. فقال: أخبرني بم فضلتم علينا، و نحن و أنتم



[ صفحه 658]



من شجرة واحدة، و بنوعبدالمطلب و نحن و أنتم واحد، نحن بنوالعباس و أنتم بنوأبي طالب، و هما عما رسول الله صلي الله عليه و آله و قرابتهما منه سواء؟ فقلت: نحن أقرب فقال: و كيف ذلك؟ فقلت: لأن عبدالله و أباطالب لأب و ام و أبوكم العباس ليس هو من ام عبدالله و لا من أبي طالب. قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم رسول الله صلي الله عليه و آله و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و قد توفي أبوطالب قبله و العباس عمه حي؟ فقلت له: إن رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني عن هذه الأسئلة و يسألني عن كل باب سواه فقال: لا أو تجيب. فقلت: آمني. فقال: قد آمنتك قبل الكلام. فقلت: في قول علي عليه السلام أنه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو انثي لأحد سهم إلا الأبوين و الزوج و الزوجة، و العم لم يثبت له مع ولد الصلب ميراث و لم ينطق به الكتاب، إلا أن تيما وعديا و بني امية قالوا: العم والد رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: فمن قال بقول علي من العلماء و قضاياهم خلاف قضاياه؟ فقلت: هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي بن أبي طالب عليه السلام، و قد حكم به، و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين الكوفة و البصرة، و قد قضي به. فانتهي إلي أميرالمؤمنين و أمر بإحضاره و إحضار من يقول بخلاف قوله، منهم سفيان الثوري و إبراهيم المدني و الفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول علي عليه السلام في هذه المسألة. فقال لهم: فيما بلغني بعض العلماء من أهل الحجاز لم لا يقضون بما قضي به نوح ابن دراج؟ فقالوا: خسرا وجبنا [24] و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته [25] يقول قدماء العامة عن النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: «أقضاكم علي»، و كذلك قال عمر بن الخطاب: «علي أقضانا»، و هو اسم جامع، لأن جميع ما خص به النبي صلي الله عليه و آله أصحابه من القراءة و الفرائض و العلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسي. فقلت: المجالس بالأمانة و خاصة مجلسك فقال: لا بأس عليك. فقلت: إن النبي صلي الله عليه و آله لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية حتي يهاجر. فقال: و ما حجتك فيه. فقلت: قول الله تعالي: (و الذين آمنوا و لم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شي ء حتي يهاجروا) [26] .



[ صفحه 659]



و أن عمي العباس لم يهاجر. فقال لي: أسألك يا موسي هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي ء؟ فقلت: اللهم لا، و ما سألني عنها إلا أميرالمؤمنين. ثم قال: جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و يقولوا لكم يا بني رسول الله و أنتم. بنوعلي و إنما ينسب الرجل إلي أبيه و فاطمة إنما هي وعاء، و النبي صلي الله عليه و آله جدكم من قبل امكم. فقلت: يا أميرالمؤمنين لو أن النبي صلي الله عليه و آله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله و لم لا اجيبه و أفخر علي العرب و العجم و قريش بذلك فقلت له: لكنه لو خطب إلي لم ازوجه. قال: و لم؟ قلت: لأنه ولدني و لم يلدك. فقال: أحسنت يا موسي ثم قال: كيف قلتم إنا ورثة النبي صلي الله عليه و آله و النبي لم يعقب، و العقب للذكر لا للانثي، و أنتم ولد الإبنة، و الإبنة لا يكون لها حق؟ فقلت له: بحق القرابة و القبر [27] إلا أعفيتني عن هذه المسألة. فقال: لا أو تخبرني عن حجتكم فيها يا ولد علي، و أنت موسي يعسوبهم، و إمام زمانهم، كذا انهي إلي وسلت أعفيك عن كل ما سألتك عنه حتي تأتيني بحجة من كتاب الله تعالي، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط منه عنكم شي ء ألف و لا واو إلا و تأويله عندكم و أحججتم بقول الله عزوجل (ما فرطنا في الكتاب من شي ء) [28] و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم. فقلت: يأذن أميرالمؤمنين في الجواب. فقال: هات فقلت: بسم الله الرحيم الرحيم (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين) [29] من أبوعيسي يا أميرالمؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب. قلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليهاالسلام، و كذلك الحقنا بذراري النبي صلي الله عليه و آله من قبل امنا فاطمة عليهاالسلام. أزيدك يا أميرالمؤمنين. فقال: هات قلت: قول الله تعالي: (فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [30] و لم يدع أحد أنه أدخله تحت الكساء إلا علي و فاطمة و الحسن



[ صفحه 660]



و الحسين، فأبناؤنا: الحسن و الحسين، و نساؤنا: فاطمة، و أنفسنا: علي بن أبي طالب، علي أن العلماء قد أجمعوا أن جبرئيل قال يوم احد: يا محمد إن هذا لهو المواساة من علي قال: إنه مني و أنا منه. فقال جبريل: و أنا منكما يا رسول الله. ثم قال: «لا سيف إلا ذوالفقار و لا فتي إلا علي» و كان فيما مدح الله عزوجل خليله عليه السلام إذ يقول: (فتي يذكرهم يقال له إبراهيم) [31] و إنا نفتخر بقول جبريل إنه منا. فقال: أحسنت يا موسي، ارفع الينا حوائجك فقلت: أول حاجة لي أن تأذن لابن عمك يرجع إلي حرم جده عليه السلام إلي عياله فقال: ننظر إن شاء الله. [32] .

قال: جلس المأمون ذات يوم و عنده ندماؤه يتذاكرون فضائل أهل البيت عليهم السلام إذ دخل عبدالحميد بن بكار فقال: يا أميرالمؤمنين إن لبعضهم عندي حديثا حسنا. قال المأمون: حدثني قال عبدالحميد: حدثني أبي بكار أنه دخل ذات يوم علي الرشيد فقال له: يا بكار إني قد عزمت علي الحج في سنتي هذه فتنشط. قلت: نعم. قال: فأخذنا في عداد آلة الحج ثم سرنا، فلما وردنا مكة أراد الرشيد أن يطوف وحده و أقام أمامه حجابه، إذ سبقه أعرابي إلي الطواف فانتدب له بعض حجابه فقال له: تنح يا أيها الرجل أما تري أميرالمؤمنين يريد أن يطوف وحده. فانتهره الاعرابي و قال له: مه أما علمت أن الله تعالي وضع هذا البيت لخلقه و قال في محكم كتابه علي لسان نبيه محمد صلي الله عليه و آله: (سواء العاكف فيه و الباد). [33] فسمع الرشيد فقال لحاجبه: خل عنه، و جعل يطوف و الأعرابي يطوف معه، ثم مال الرشيد إلي الركن اليماني فصلي عنده ركعتين و الأعرابي يفعل مثل فعله، ثم عاج إلي الحجر الأسود فقبله و التزمه و الأعرابي يفعل مثل فعله، ثم انثني إلي المقام و صلي ركعتين و الأعرابي كذلك، و هو في خلال ذلك يزاحمه.

فلما فرغ من جميع ما عليه جلس الأعرابي في موضع يسمع فيه كلام الرشيد



[ صفحه 661]



و الرشيد يسمع كلامه، فأقبل الرشيد علي بعض أصحابه و قال: علي بالأعرابي. فجاء الحاجب فسلم عليه و قال: أجب أميرالمؤمنين فقال الأعرابي: مالي إليه حاجة فأقوم إليه، فإن تكن الحاجة له إلي فهو أولي بقصدي. فقال الرشيد: صدق. ثم إنه و ثب و جاء فقال: يا أعرابي أأجلس؟

فقال: و الله ما الموضع لي فتستأذنني، إنما هو بيت وضعه الله لخلقه، لي فيه مثل مالك فيه، فإن شئت أن تجلس فاجلس، و إن شئت أن تنصرف فانصرف.

فجلس الرشيد و قد امتلأ غيظا و قال له: إني مسائل عن فرضك فإن قمت به فإنك لعمري بغيره أقوم، و إن عجزت عنه كنت عما سواه أعجز. فقال الأعرابي: سل عما شئت. فقال له الرشيد: ما فرضك؟ قال الأعرابي: فرضي واحد، و خمس، و سبع عشرة، و اربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاثة و خمسون، و سبعة، [34] و من إثني عشر واحدة، و في طول عمري واحدة، و من مائتين خمسة، و من أربعين واحدة. فقال له الرشيد: أسألك عن فرضك تأتيني بحساب! فقال الأعرابي: إن الدين الحساب، أما أخذ الله به الخلائق، وقرأ: (و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و إن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حاسبين) [35] فقال الرشيد: بين ما قلت و إلا ضربت عنقك بين الصفا و المروة. فقال الأعرابي: يا هذا لقد زهوت بأعوانك. قال له الرشيد: أبن عما قلت، و قد امتلأ غيظا.

قال: أما قولي لك فرض واحد فهو دين الإسلام، و أما قولي خمس فهي الصلوات الخمس، و أما قولي سبع عشرة فهي ركعات فرض الصلاة، و أما قولي أربع و ثلاثون ففيها أربع و ثلاثون سجدة، و أما قولي أربع و تسعون ففيها أربع و تسعون تكبيرة، و أما قولي مائة و ثلاث و خمسون فمائة و ثلاث و خمسون تسبيحة، و أما قولي سبعة فإن الله لا يقبل الصلاة إلا علي سبعة أعضاء و ذلك قوله



[ صفحه 662]



تعالي: (و ان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) [36] ليس من المساجد المبنية بالحجارة بل هي القدمان و الركبتان و اليدان و الجبين، [37] و أما قولي من اثني عشر واحد فالسنة اثنا عشر شهرا الفرض منها واحد و هو صوم شهر رمضان، و أما قولي من مائتين خمسة فإن من ملك مائتي درهم وجب عليه زكاتها إذا حالت خمسة دراهم، و أما قولي من أربعين واحد ففي كل أربعين من الغنم شاة، و أما قولي في دهري واحدة فحجة الإسلام تجب في العمر مرة واحدة. قال الرشيد: مثلك يا هذا يزاحم الملوك. ثم أمر له ببدرتين عينا. فقام الأعرابي و أخذ المال و تصدق به في موضعه و انصرف، فاتبعه قوما فسألوه عن اسمه فإذا هو موسي بن جعفر عليهماالسلام، فأخبر بذلك الرشيد فقال: أنكرت أن يكون هذا الفضل و الكرم إلا في رجل من ولد علي بن أبي طالب عليه السلام. [38] .

وحدث عيسي بن محمد بن مغيث القرطي، قال: زرعت بطيخا وقثاء، فلما استوي رعي الجراد فبينا أنا جالس اذ طلع موسي بن جعفر عليهماالسلام فسلم ثم قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم. قال: و كم غرمت فيه؟ قلت: مائة و عشرين دينارا مع ثمن الجملين. فقال: يا عرفة زن له مائة و خمسين دينارا نربحك ثلاثين دينارا و الجملين. فقلت: يا مبارك ادخل و ادع لي فيها. فدخل و دعا و جلس، و جعل الله فيها البركة و زكت، فبعث منها بعشرة آلاف. [39] .


پاورقي

[1] في المصدر: البسيرية تفضلا.

[2] دلائل الإمامة: ص 149 - 150.

[3] دلائل الإمامة: ص 150.

[4] دلائل الإمامة: ص 150.

[5] كذا في الأصل و لعله نقمي بالتحريك و القصر: موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب. و في دلائل الإمامة: بنعمي.

[6] المنسف: كمنبر، ما ينفض به الحب، شي ء طويل منصوب الصدر أعلاه مرتفع.

[7] المجزع: المقطع.

[8] دلائل الإمامة: ص 150.

[9] الكافي: ج 3 ص 16 ح 5.

[10] في دلائل الإمامة: الحسن بن عيسي.

[11] دلائل الإمامة: ص 164.

[12] العناق: كسحاب، الانثي من أولاد المعز مالم يتم لها سنة.

[13] الإرشاد: ص 290.

[14] الإرشاد: ص 297.

[15] الاحتجاج، ص 393.

[16] بحارالأنوار: ج 48 ص 148 باب 6 من تاريخ الإمام الكاظم عليه السلام ذيل ح 22.

[17] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 72 ب 7 ح 11.

[18] في المصدر: بين يدي عمكم.

[19] ليس في الأصل.

[20] قوله: «فقلت: يا أبة...» إلي قوله: «حقهم» ليس في المصدر.

[21] في المصدر: ماضمنه.

[22] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 72 ب 7 ح 11.

[23] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 62 - 64 ب 7 ح 5.

[24] كذا، و في العيون: جسر و جبنا.

[25] كذا، و الظاهر: قضية، كما في العيون.

[26] الأنفال: 72.

[27] في المصدر: و القبر و من فيه.

[28] الأنعام: 38.

[29] الأنعام: 84 و 85.

[30] آل عمران: 61.

[31] الأنبياء: 60.

[32] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 66 - 70 ب 7 ح 9.

[33] الحج: 25.

[34] في المصدر: علي سبعة عشر.

[35] الأنبياء: 47.

[36] الجن: 18.

[37] من قوله: «و أما قولي سبعة» إلي قوله: «و الجبين» ليس في المصدر.

[38] المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 312 - 313.

[39] كشف الغمة: ج 2 ص 217.