بازگشت

فيما وقع بينه و بين الرشيد


في المناقب عن الفضل بن الربيع و رجل آخر قالا حجج هارون الرشيد و ابتدأ بالطواف و منعت العامة من ذلك لينفرد وحده فبينما هو في ذلك اذ ابتدر اعرابي البيت و جعل يطوف معه فقال الحاجب تنح يا هذا عن وجه الخليفة فانتهرهم الأعرابي و قال ان الله ساوي بين الناس في هذا الموضع فقال (سواء العاكف فيه و الباد) فامر الحاجب بالكف عنه فكلما طاف الرشيد



[ صفحه 163]



طاف الاعرابي امامه فنهض الي الحجر الأسود ليقبله فسبقه الاعرابي اليه و التثمه ثم صار الرشيد الي المقام ليصلي فيه فصلي الاعرابي امامه فلما فرغ هارون من صلاته استدعي الاعرابي فقال الحجاب اجب اميرالمؤمنين فقال مالي اليه حاجة فاقوم اليه بل ان كانت الحاجة له فهو بالفيام الي اولي قال صدق فمشي اليه و سلم عليه فرد عليه السلام فقال هارون أجلس يا اعرابي فقال ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس انما هو بيت الله نصبه لعباده فان احببت ان تجلس فاجلس و ان احببت ان تنصرف فانصرف فجلس هارون و قال ويحك يا اعرابي مثلك من يزاحم الملوك قال نعم و في المستمع يعني و في علم يجب ان يستمع اليه قال فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال سؤالك هذا متعلم او سؤال متعنت قال بل سؤال متعلم قال اجلس مكان السائل من المسؤل و سل و أنت مسؤل فقال هارون اخبرني ما فرضك قال ان الفرض رحمك الله واحد و خمسة و سبعة عشر و اربع و ثلاثون و اربع و تسعون و مأة و ثلاثة و خمسون علي سبعة عشر و من اثني عشر واحد و من اربعين واحد و من مأتين خمس و من الدهر كله واحد و واحد بواحد قال فضحك الرشيد ويحك اسألك عن فرضك و انت تعد علي الحساب قال اما علمت ان الدين كله حساب و لو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلايق حسابا ثم قرأوا (و ان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها و كفي بنا حاسبين) قال فبين لي ما قلت و الا امرت بقتلك بين الصفا و المروة فقال الحاجب للرشيد تهبة لله و لهذا المقام قال فضحك الاعرابي من قوله فقال الرشيد مما ضحكت يا اعرابي قال تعجبا منكما اذ لا ادري من الأجهل منكما الذي يستوهب اجلا قد حضر و الذي استعجل اجلا لم يحضر فقال الرشيد فسر ما قلت قال اما قولي الفرض واحد فدين الاسلام كله واحد و عليه خمس صلوات و هي



[ صفحه 164]



سبع عشرة ركعة و اربع و ثلاثون سجدة و اربع و تسعون تكبيرة و مأة و ثلاث و خمسون تسبيحة و اما قولي من اثني عشر واحد فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا و اما قولي من الاربعين واحد فمن ملك اربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا و اما قولي من مأتين خمسة فمن ملك مأتي درهم اوجب الله عليه خمسة دراهم و اما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام و اما قولي واحد من واحد فمن اهرق دما من غير حق وجب اهراق دمه قال الله تبارك و تعالي (النفس بالنفس) فقال الرشيد لله درك و اعطاه بدرة فقال فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون بالكلام او بالمسألة قال بالكلام فاني سائلك عن مسألة فان اتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف و ان لم تجبني عنها اضفت الي البدرة بدرة اخري لأتصدق بها علي فقراء الحي من قومي فامر بايراد اخري و قال سل عما بدالك فقال اخبرني عن الخنفساء تزق ام ترضع ولدها فحرد هارون و قال ويحك يا اعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة فقال سمعت ممن سمع من رسولي الله (ص) يقول من ولي اقواما وهب له من العقل كعقولهم و انت امام هذه الامة يجب ان لا تسأل عن شي ء من امر دينك و من الفرائض الا اجب عنها فهل عندك له الجواب قال هارون رحمك الله لا فبين لي ما قلته و خذ البدرتين فقال ان الله تعالي لما خلق الارض خلق دبابات الارض الذي من غير فرث و لا دم خلقها من التراب و جعل رزقها و عيشها منه فاذا فاروق الجنين امه لم تزقه و لم ترضعه و كان عيشها من التراب فقال هارون و الله ما ابتلي احد بمثل هذه المسألة و اخذ الاعرابي البدرتين و خرج فتبعه بعض الناس و سأله عن اسمه فاذا هو موسي بن جعفر بن محمد عليهم السلام فاخبر هارون بذلك فقال و الله



[ صفحه 165]



لقد كان ينبغي ان تكون هذه الورقة من تلك الشجرة و دخل من موسي ابن جعفر في قلب الرشيد من هذا المجلس رعب عظيم و من المعلوم ان الرشيد مع تلك الهيبة و السطوة و الجبروتية و القهارية كان يهاب موسي بن جعفر و يخاف منه و لا سيما بعد ما رأي منه امورا عجيبة و آيات غريبة و مجالس مهولة منها هذا المجلس الذي قرع سمعك و الاخر مجلسه في بغداد و ذلك كما روي عن علي بن يقطين قال استدعي الرشيد رجلا يبطل به امر ابي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام و يقطعه و يخجله في المجلس فانتدب له رجل مغرم فلما احضرت المائدة عمل ناموسا علي الخبز فكان كلما رام خادم ابي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه و استقر هارون الفرح و الضحك لذلك فلم يلبث ابوالحسن ان رفع رأسه الي أسد مصور علي بعض الستور فقال له يا اسد الله خذ عدو الله قال فوثبت تلك الصورة كاعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المغرم فخر هارون و ندماؤه علي وجوههم مغشيا عليهم و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه فاما افاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لابي الحسن (ع) اسألك بحقي عليك لما سألت الصورة ان ترد الرجل فقال (ع) ان كانت عصا موسي ردت ما ابتلعته من دحار القوم و عصيهم فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل فكان ذلك اعمل الاشياء في افاقة نفسه و مجلس آخر دخل منه (ع) في قلب الرشيد رعب عظيم في المناقب ان الرشيد امر حميد بن مهران الحاجب بالاستخاف به (ع) فقال له ان القوم افتتنوا بك بلا حجة فأريد أن يأكلني هذان الاسدان المصوران علي هذا البساط و المسند فاشار (ع) اليهما و قال خذا عدو الله فاخذاه و اكلاه ثم قالا و ما الامر في الرشيد اتأمرنا ان نأخذ الرشيد قال (ع) لا عودا الي مكانكما و لنعم ما قال الشاعر



[ صفحه 166]



و له المعجز الذي بهر الخلق

باهلاكه الذي كان يسحر



حين قال افترسه يا اسد الله

و اومي الي هزبر مصور



فسعي نحوه و مد اليه

باع ليث عند الفريسة قسور



ثم غابا عن العيون جميعا

بعد اكل اللعين و الخلق حضر



و فيه ايضا عن علي بن حمزة قال كان يتقدم الرشيد الي خدمه اذا خرج موسي بن جعفر من عنده ان يقتلوه فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة و الزمع فلما طال ذلك امر بتمثال من خشب و جعل له وجها مثل موسي بن جعفر (ع) و كانوا اذا سكروا امرهم ان يذبحوه بالسكاكين فكانوا يفعلون ذلك ابدا فلما كان في بعض الايام جمعهم في الموضع و هم سكاري و اخرج سيدي اليهم فلما بصروا به هموا به علي رسم الصورة فلما علم منهم ما يريدون و كلمهم بالخزرية و التركية فرموا من ايديهم السكاكين و وثبوا الي قدميه فقبلوها و تضرعوا اليه و تبعوه الي ان شيعوه الي المنزل الذي كان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا ان هذا الرجل يصير الينا في كل عام فيقضي احكامنا و يرضي بعضنا من بعض و نستسقي به اذا قحط بلدنا و اذا نزلت بنا نازلة فزعنا اليه فعاهدهم انه لا يأمرهم بذلك فرجعوا فلم يزل الرشيد يفكر في أمر موسي بن جعفر (ع) و قد أعياه امره و يحتال في قتله حتي دعاه يوما و قال يا موسي حد فدكا حتي اردها اليك فيأبي حتي ألح عليه فقال (ع) لا احدها الا بحدودها قال و ما حدودها قال ان حددتها لم تردها قال بحق جدك الا فعلت قال (ع) اما الحد الاول فعدن فتغير وجه الرشيد و قال ايها قال و الحد الثاني سمرقند فاربد وجهه قال و الحد الثالث افريقية فاسود وجهه و قال هيه قال و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر و ارمينية قال الرشيد فلم يبق لنا شي ء فتحول الي مجلسي قال



[ صفحه 167]



موسي (ع) قد علمتك انني ان حددتها لم تزدها فعند ذلك عزم علي قتله فقال بحق القبر و المنبر و بحق قرابتك من رسول الله اخبرني انت تموت قبلي او انا اموت قيلك لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسي (ع) آمني حتي اخبرك فقال لك الأمان فقال (ع) انا اموت قبلك و ما كذبت و لا اكذب و وفاتي قريب ثم ان هارون اذن له في الانصراف فتوجه الي الرقة ثم تقولوا عليه شيئا فاستعاده هارون و اطعمه السم فتوفي صلي الله عليه و آله في حبس السندي بعد ما كان يضيق عليه غاية التضيق الي ان سقاه السم بأمر الرشيد في رطبات مسمومة فلما اكل عشر رطبات تغير لونه فقال كل منها قال حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه فيما أمرت به ثم أنه احضر القضاة و العدول قبل وفاته بايام و اخرجه اليهم و قال ان الناس يقولون ان اباالحسن موسي بن جعفر (ع) في ضنك شديد و ها هو ذا لا علة به و لا مرض فقال (ع) ايتها الجماعة اعلموا اني مقتول بالسم و سأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة و اصفر غدا و ابيض بعد غد و امضي الي رحمة الله و رضوانه و مضي (ع) كما قال و قيل بل لف في بساط و غمز حتي مات ثم اخرج جنازته و نودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه فلما اتوا به مجلس الشرطة و هو محل اجتماع ندماء السلطان قام اربعة نفر فنادوا الا من اراد ان يري الخبيث بن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج و تركوه منذ ثلاثة ايام علي الطريق و ينادي المنادي هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت فيأتي من يأتي و ينظر اليه ثم يكتب بموته حتف أنفه و أشرف سليمان بن ابي جعفر من قصره علي الشط و سمع الصياح و الضوضاء فقال لولده و غلمانه ما هذا قالوا هذا موسي بن جعفر قضي نحبه و السندي ينادي عليه فقال سليمان خذوه من ايديهم فان مانعوكم فاضربوهم فاخذوا جنازة



[ صفحه 168]



موسي بن جعفر (ع) و وضعوه في مفرق اربعة طرق و اقام المنادي ينادي الا من اراد الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج و حضر الخلق و غسل و حنط و كفن في كفن قيمته اربعة آلاف دينار استعمله سليمان لنفسه مكتوب عليه القرآن كله و حملوا جنازته و مشي سليمان خلف الجنازة متسلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش فدفنه هناك (اقول) يا ليت حضر احد مثل سليمان في كربلا يوم نودي علي جسد الحسين (ع) يا قوم من ينتدب للحسين فيوطي ء الخيل صدره و ظهره فانتدب منهم عشرة فوارس و داسوا صدر الحسين و ظهره بحوافر خيولهم الخ.