بازگشت

اجوبته


نقدم في هذا الفصل طائفة من أجوبة الامام عليه السلام الي بعض من سأله، و تختلف هذه المسائل فمرة في العقائد، و أخري في الفقه، و ثالثة في الأخلاق، و كما اختلفت المسائل فقد اختلف أربابها، فمن ملك طاغ، و عدو متعند، و جاهل مستفهم، و تري الجميع - علي اختلاف ميولهم و مذاهبهم - يذعنون للامام عليه السلام و يسلمون له.

نذكر من ذا و ذاك:

1 - قال: أبوحنيفة - اما المذهب - حججت في أيام أبي عبدالله الصادق، فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر اذنه اذ خرج صبي، فقلت يا غلام: أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟

قال: علي رسلك، ثم جلس مستنداً الي الحائط ثم قال: توق شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و أفنية المساجد، و قارعة الطريق، و توار خلف جدار، و شل ثوبك، و لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، وضع حيث شئت. فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له: ما اسمك؟

قال: أنا موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقلت له: يا غلام ممن المعصية؟

فقال: ان السيئات لا تخلو من احدي ثلاث: اما أن تكون من الله و ليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد علي ما لا يرتكب، و اما أن تكون منه و من العبد



[ صفحه 41]



و ليست كذلك، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، و اما أن تكون من العبد و هي منه، فان عفا فبكرمه وجوده، و ان عاقب فبذنب العبد و جريرته.

قال أبوحنيفة: فانصرفت و لم ألق أبا عبدالله، و استغنيت بما سمعت [1] .

2 - سأله هارون الرشيد: لم جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و يقولوا لكم: يا بني رسول الله و أنتم بنو علي، و انما ينسب المرء الي أبيه، و فاطمة انما هي وعاء، و النبي عليه السلام جدكم من قبل أمكم؟

فقال عليه السلام: يا أميرالمؤمنين لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم نشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

قال: سبحان الله و لم لا أجيبه، بل أفتخر علي العرب و العجم بذلك.

فقال عليه السلام: لا يخطب الي و لا أزوجه.

فقال: و لم؟

قال: لأنه ولدني و لم يلدك.

فقال: أحسنت يا موسي.

ثم قال كيف قلتم: انا ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم و النبي عليه السلام لم يعقب، و انما العقب للذكر لا للأنثي، و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب؟

قال عليه السلام: أسألك بحق القرابة و القبر الا ما أعفيتني عن هذه المسألة.

فقال: لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، و أنت يا موسي يعسوبهم و امام زمانهم، كذا انتهي الي، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله.

فقال عليه السلام: تأذن لي في الجواب؟

قال: هات.



[ صفحه 42]



فقال عليه السلام: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، (و من ذريته ي داود و سليمن و أيوب و يوسف و موسي و هرون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيي و عيسي)، من أبوعيسي يا أميرالمؤمنين؟

فقال: ليس لعيسي أب.

فقال عليه السلام: انما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم، و كذلك ألحقنا بذراري النبي صلي الله عليه و آله و سلم من قبل أمنا فاطمة، أزيدك يا أميرالمؤمنين؟

قال: هات.

قلت: قول الله عزوجل: (فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا و أبنآءكم و نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكذبين) و لم يدع أحد أنه أدخل النبي صلي الله عليه و آله و سلم تحت الكساء عند مباهلة النصاري الا علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، فكان تأويل قوله عزوجل (أبنآءنا) الحسن و الحسين و (و نسآءنا) فاطمة و (و أنفسنا) علي بن أبي طالب [2] .

3 - سأل محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة - أباالحسن موسي عليه السلام بمحضر من الرشيد و هم بمكة فقال له: أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟

فقال له موسي: لا يجوز له ذلك مع الاختيار.

فقال محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الضلال مختاراً؟

فقال له: نعم.

فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك.

فقال له أبوالحسن موسي: أفتعجب من سنة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و تستهزي ء بها؟! ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كشف ضلاله في احرامه، و مشي تحت الظلال و هو محرم، و ان أحكام الدين يا محمد لا تقاس، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل.

فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جواباً [3] .



[ صفحه 43]



4- ان رجلا افتض جارية معصرا لم تطمث، فسال الدم نحوا من عشرة أيام، فاختلف القوابل أنه دم الحيض أم دم العذرة، و سألوا أباحنيفة عن ذلك فقال: هذا الشي ء أشكل فلتتوضأ، و ليمسك عنها زوجها حتي تري البياض، فسأل خلف ابن حماد موسي بن جعفر، فقال عليه السلام: تستدخل القطنة ثم تدعها ملياً، ثم تخرجها اخراجاً رقيقاً، فان كان الدم مطوقاً في القطنة فهو من العذرة، و انم كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض.

فبكي خلف و قال: جعلت فداك من يحسن هذا غيرك.

فرفع يده الي السماء و قال: اني و الله ما أخبرك الا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، عن الله تعالي [4] .

5 - سأله راهب: كيف طوبي أصلها في دار عيسي، و عندكم في دار محمد، و أغصانها في كل دار؟

فقال عليه السلام: الشمس قد وصل ضوءها الي كل مكان، و كل موضع و هي في السماء.

قال: و في الجنة لا ينفذ طعامها و ان أكلوا منه، و لا ينقص منه شي ء؟

فقال عليه السلام: السراج في الدنيا يقتبس منه و لا ينقص منه شي ء.

قال: و في الجنة ظل ممدود؟

فقال عليه السلام: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كله ظل ممدود، قوله: (ألم تر الي ربك كيف مد الظل).

قال: ما يؤكل و يشرب في الجنة لا يكون بولا و لا غايطاً؟

فقال عليه السلام: الجنين في بطن أمه.

قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟



[ صفحه 44]



فقال عليه السلام: اذا احتاج الانسان الي شي ء عرفت أعضاؤه ذلك، و يفعلون بمراده من غير أمر.

قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة؟

فقال عليه السلام: مفتاح الجنة لسان العبد لا اله الا الله.

قال: صدقت، و أسلم و الجماعة معه [5] .

6 - سئل عن اليقين؟

فقال عليه السلام: يتوكل علي الله، و يسلم لله، و يرضي بقضاء الله، و يفوض الي الله [6] .

7 - سئل عليه السلام عن معني الله.

فقال: استولي علي ما دق و جل [7] .

8 - سئل عليه السلام عن رجل قال: و الله لأتصدقن بمال كثير فما يتصدق؟

فقال عليه السلام: ان كان الذي حلف من أرباب شياه، فليتصدق بأربع و ثمانين شاة، و ان كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربع و ثمانين بعيراً، و ان كان من أرباب الدراهم، فليتصدق بأربع و ثمانين درهماً، و الدليل عليه قوله تعالي: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددت مواطن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبل نزول تلك الآية فكان أربعة و ثمانين موطناً [8] .

9 - سئل عليه السلام عن رجل نبش قبر ميت، و قطع رأس الميت، و أخذ الكفن.

فقال: يقطع يد السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز، و يلزم مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح [9] .



[ صفحه 45]



10 - سأله أبوأحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك؟

فقال عليه السلام: ما لك و لهذا، ما عهدي بك تكلم الناس؟

قال: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك.

فقال عليه السلام: قل له: الكفر أقدم، أول من كفر ابليس (أبي و استكبر و كان من الكفرين) و الكفر شي ء واحد، و الشرك يثبت واحداً و يشرك معه غيره [10] .

11 - قدم علي الرشيد رجل من الأنصار يقال له (نفيع) و كان عارفاً، فحضر يوماً باب الرشيد و تبعه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز، و حضر موسي بن جعفر عليه السلام علي حمار له، فتلقاه الحاجب بالاكرام، و أعظمه من كان هناك، و عجل له الاذن.

فقال نفيع لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟

فقال له: أو ما تعرفه؟! هذا شيخ آل أبي طالب، هذا موسي بن جعفر عليه السلام.

فقال نفيع: ما رأيت أعجب من هؤلاء القوم، يفعلون هذا برجل لو يقدر علي زوالهم عن السرير لفعل، أما ان خرج لأسوأنه.

فقال له عبدالعزيز: لا تفعل، فان هؤلاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد بخطاب الا وسموه في الجواب و سمة يبقة عارها أبد الدهر.

و خرج موسي فقام اليه نفيع فأخذ بلجام حماره ثم قال له: من أنت؟!

قال: يا هذا ان كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله بن اسماعيل ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله، و ان كنت تريد البلد، فهو الذي فرض الله جل و عز عليك و علي المسلمين - ان كنت منهم - الحج اليه، و ان كنت تريد المفاخرة، فو الله ما رضي مشركي قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتي قالوا: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش، خل عن الحمار.

فخلي عنه و يده ترعد و انصرف بخزي.



[ صفحه 46]



فقال له عبدالعزيز: ألم أقل لك؟ [11] .

12 - قال الفضل بن الربيع: حج هارون الرشيد و ابتدأ بالطواف، و منعت العامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك اذ ابتدر أعرابي البيت، و جعل يطوف معه.

فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة.

فانتهره الأعرابي و قال: ان الله ساوي بين الناس في هذا الموضع، فقال: (سوآء العكف فيه و الباد) فأمر الحاجب بالكف عنه.

فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه، فنهض الي الحجر الأسود ليقبله، سبقه الأعرابي اليه و التثمه، ثم صار الرشيد الي المقام ليصلي فيه، فصلي الأعرابي أمامه، فلما فرغ هارون من صلاته استدعي الأعرابي، فقال الحاجب: أجب أميرالمؤمنين.

فقال: ما لي اليه حاجة فأقوم اليه، بل ان كانت الحاجة له فهو بالقيام الي أولي.

قال: صدق.

فمشي اليه و سلم عليه، فرد عليه السلام، فقال هارون: اجلس يا أعرابي؟

فقال: ما الموضع لي فتستأذني فيه بالجلوس، و انما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت فاجلس، و ان أحببت أن تنصرف فانصرف.

فجلس هارون و قال: ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟!

قال: نعم و في مستمع.

قال: فاني سائلك، فان عجزت أذيتك.

فقال: سؤالك هذا سؤال متعلم، أو سؤال متعنت؟

قال: بل سؤال متعلم.



[ صفحه 47]



قال: اجلس مكان السائل من المسؤول و سل، و أنت مسؤول.

فقال هارون: ما فرضك؟

قال: ان الفرض رحمك الله واحد، و خمس، و سبع عشرة، و أربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاث و خمسون علي سبع عشرة، و من اثني عشر واحد، و من اربعين واحد، و من مائتين خمس، و من الدهر كله واحد، و واحد بواحد.

قال: فضحك الرشيد و قال: ويحك أسألك عن فرضك و أنت تعد علي الحساب؟!

قال: أما علمت أن الدين كله حساب، ولو لم يكن الدين كله حساب لما اتخذ الله للخلائق حساباً، ثم قرأ (و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حسبين).

قال: فبين لي ما قلت و الا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة؟

فقال الحاجب: تهبه لله و لهذا المقام.

فضحك الأعرابي من قوله.

فقال الرشيد: مما ضحكك يا أعرابي؟

قال: تعجباً منكما، اذ لا أدري من الأجهل منكما، الذي يستوهب أجلاً قد حضر، أو الذي استعجل أجلاً لم يحضر.

فقال الرشيد: فسر ما قلت.

قال: أما قولي الفرض واحد: فدين الاسلام كله واحد، و عليه خمس صلوات، و هي سبع عشرة ركعة، و أربع و ثلاثون سجدة، و أربع و تسعون تكبيرة، و مائة و ثلاث و خمسون تسبيحة، و أما قولي من اثني عشر واحد: فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهر، و أما قولي من الأربعين واحد: فمن ملك أربعين ديناراً أوجب الله عليه ديناراً، و أما قولي من مائتين خمسة: فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم،



[ صفحه 48]



و أما قولي فمن الدهر كله واحد: فحجة الاسلام، و أما قولي واحد بواحد: فمن أهرق دماً من غير حق، وجب اهراق دمه، قال الله تعالي: (النفس بالنفس). فقال الرشيد: لله درك، و أعطاه بدرة.

فقال: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون، بالكلام أو بالمسألة؟

قال: بالكلام.

قال: فاني أسألك عن مسألة، فان أتيت بها كانت البدرة لك، تصدق بها في هذا الموضع الشريف، و ان لم تجبني عنها أضفت الي البدرة بدرة أخري لأتصدق بها علي فقراء الحي من قومي.

فأمر الرشيد بايراد أخري و قال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها؟

فحرد هارون و قال: و يحك يا أعرابي من يسأل عن هذه المسألة؟!

فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: من ولي أقواماً وهب له من العقل كعقولهم، و أنت أمام هذه الأمة، يجب أن لا تسئل عن شي ء من أمر دينك و من الفرائض، الا أجبت عنها، فهل عندك له جواب؟.

قال هارون: رحمك الله لا، فبين لي ما قلته و خذ البدرتين.

فقال: ان الله تعالي لما خلق الأرض خلق ديابات الأرض التي من غير فرث و لا دم، خلقها من التراب، و جعل رزقها و عيشها منه، فاذا فارق الجنين أمه لم تزقه و لم ترضعه و كان عيشها من التراب.

فقال هارون: و الله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة، و أخذ الأعرابي البدرتين و خرج، فتبعه الناس و سألوا عن اسمه، فاذا هو موسي بن جعفر صلي الله عليه و آله و سلم، فأخبر هارون بذلك فقال: و الله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة [12] .



[ صفحه 49]



13 - ذكر عنده عليه السلام قوم زعموا: أن الله تبارك و تعالي ينزل الي السماء الدنيا.

فقال عليه السلام: ان الله لا ينزل، و لا يحتاج أن ينزل، انما منظره في القرب و البعد سواء، لم يبعد منه بعيد، و لا يقرب منه قريب، و لم يحتج الي شي ء، بل يحتاج اليه كل شي ء، و هو ذو الطول لا اله الا هو العزيز الحكيم.

أما قول الواصفين: انه ينزل، تبارك و تعالي عن ذلك علواً كبيراً، فانما يقول ذلك من ينسبه الي نقص أو زيادة، و كل متحرك يحتاج الي من يحركه، أو يتحرك به، فمن ظن بالله الظنون فقد هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد تحدونه بنقص أو زيادة أو تحريك، أو تحرك زوال و استنزال، أو نهوض أو قعود، فان الله جل و عز عن صفة الواصفين، و نعت الناعتين، و توهم المتوهمين [13] .

14 - قال داود بن قبيصة: سمعت الرضا عليه السلام يقول سئل أبي عليه السلام: هل منع الله ما أمر به، و هل نهي عما أراد، و هل أعان علي ما لم يرد؟

فقال عليه السلام: أما ما سألت: هل منع الله عما أمر به؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان قد منع ابليس عن السجود، لآدم، ولو منع ابليس لعذره و لم يلعنه، فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان حيث نهي آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها لما نادي صبيان الكتاتيب: (و عصي ءادم ربه فغوي) و الله تعالي لا يجوز عليه أن يأمر بشي ء و يريد غيره.

و أما ما سألت عنه من قولك: هل أعان علي ما لم يرد؟.

و لا يجوز ذلك، و جل الله تعالي عن أن يعين علي قتل الأنبياء و تكذيبهم، و قتل الحسين بن علي صلي الله عليه و آله و سلم و الفضلاء من ولده، و كيف يعين علي ما لم يرد؟ و قد أعد جهنم لمخالفيه، و لعنهم علي تكذيبهم لطاعته، و ارتكابهم لمخالفته، ولو جاز أن يعين علي ما لم يرد لكان أعان فرعون علي كفره و ادعائه أنه رب العالمين، أفتري الله أراد من



[ صفحه 50]



فرعون أن يدعي الربوبية؟ يستتاب قائل هذا القول، فان تاب من كذبه علي الله و الا ضربت عنقه [14] .

15 - حج المهدي، فلما صار في (فتق العبادي) ضج الناس من العطش، فأمر أن يحفر بئراً، فلما بلغوا قريباً من القرار، هبت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء و منعت من العمل، فخرجت الفعلة خوفاً علي أنفسهم. فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاءاً كثيراً ليحفراً، فنزلا فأبطئا، ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر.

فقالا: انا رأينا آثاراً و أثاثاً، و رأينا رجالا و نساء، فكلما أومأنا الي شي ء منهم صار هباءاً، فصار المهدي يسأل عن ذلك و لا يعلمون.

فقال موسي بن جعفر عليه السلام: هؤلاء أصحاب الأحقاف، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم [15] .

16 - سأله الرشيد: لم فضلتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة بنو عبدالمطلب، و نحن و أنتم واحد، انا بنوالعباس، و أنتم ولد أبي طالب و هما عما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قرابتهما منه سواء؟

فقال عليه السلام: نحن أقرب.

قال هارون: و كيف ذلك؟

فقال عليه السلام: لأن عبدالله و أباطالب لأب و أم؛ و أبوكم العباس ليس هو من أم عبدالله، و لا من أم أبي طالب.

قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد توفي أبوطالب قبله، و العباس عمه حي؟



[ صفحه 51]



فقال عليه السلام: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة، و يسألني عن كل باب سواه يريد.

قال: لا، أو تجيب.

فقال عليه السلام: فآمني.

قال: آمنتك قبل الكلام.

فقال: ان في قول علي بن أبي طالب عليه السلام: انه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أنثي لأحد سهم الا الأبوين، و الزوج و الزوجة، و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، و لم ينطق به الكتاب العزيز و السنة، الا ان تيماً و عدياً و بني أمية قالوا: العم والد، رأياً منهم بلا حقيقة و لا أثر عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و من قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي، و قد حكم به، و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين - الكوفة و البصرة -، و قضي به.

فأمر باحضار من يقول خلاف قوله، منهم: سفيان الثوري، و ابراهيم المازني، و الفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول علي عليه السلام في هذه المسألة.

فقال لهم: لم لا تفتون و قد قضي نوح بن دراج؟

فقالوا: جسر وجبنا، و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: أقضاكم علي، و كذلك عمر بن الخطاب قال: علي أقضانا، و هو اسم جامع، لأن جميع ما مدح به النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه من القرابة، و الفرائض، و العلم، داخل في القضاء.

قال: زدني يا موسي.

فقال عليه السلام: المجالس بالأمانات و خاصة مجلسك.

قال: لا بأس به.

فقال عليه السلام: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يورث من لم يهاجر، و لا أثبت له ولاية حتي يهاجر.



[ صفحه 52]



قال: ما حجتك فيه؟!

فقال عليه السلام: قول الله تبارك و تعالي: (و الذين ءامنوا و لم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شي ء حتي يهاجروا) و ان عمي العباس لم يهاجر.

قال: اني أسألك يا موسي هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا، أو أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشي ء؟

فقال عليه السلام: اللهم لا، و ما سألني عنها الا أميرالمؤمنين [16] .

17 - قال علي بن يقطين: سأل المهدي أباالحسن عليه السلام عن الخمر، هل هي محرمة في كتاب الله عزوجل، فان الناس انما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون التحريم؟

فقال له أبوالحسن: بل هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أميرالمؤمنين.

قال: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أباالحسن؟

فقال عليه السلام: قول الله عزوجل: (انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق).

فأما قوله: (ما ظهر منها) يعني: الزنا المعلن، و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية.

و أما قوله عزوجل: (و ما بطن) يعني: ما نكح الآباء، لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلي الله عليه و آله و سلم اذا كان للرجل زوجة و مات عنها تزوجها ابنه من بعده اذا لم تكن أمه، فحرم الله عزوجل ذلك.

و أما (و الاثم): فانها الخمرة بعينها، و قد قال الله تبارك و تعالي في موضع آخر: (يسئلونك عن الخمر و الميسر قل فيهمآ اثم كبير) فأما الاثم في كتاب الله فهو الخمر و الميسر، و اثمهما كبير كما قال عزوجل.

فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه و الله فتوي هاشمية.



[ صفحه 53]



قال: فقلت له: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.

قال: فو الله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي [17] .

18 - قال محمد بن أبي عمير: دخلت علي سيدي موسي بن جعفر عليه السلام فقلت له: يا ابن رسول الله علمني التوحيد.

فقال: يا أباأحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالي ذكره في كتابه فتهلك، و اعلم أن الله تعالي واحد أحد صمد، لم يلد فيورث، و لم يولد فيشارك، و لم يتخذ صاحبة و لا ولداً و لا شريكاً، و انه الحي الذي لا يموت، و القادر الذي لا يعجز، و القاهر الذي لا يغلب، و الحليم الذي لا يعجل، و الدائم الذي لا يبيد، و الباقي الذي لا يفني، و الثابت الذي لا يزول، و الغني الذي لا يفتقر، و العزيز الذي لا يذل، و العالم الذي لا يجهل، و العدل الذي لا يجور، و الجواد الذي لا يبخل، و انه لا تقدره العقول، و لا تقع عليه الأوهام، و لا تحيط به الأقطار، و لا يحويه مكان، و لا تدركه الأبصار و هو اللطيف الخبير، و ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير (ما يكون من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لآ أدني من ذلك و لآ أكثر الا هو معهم أين ما كانوا) و هو الأول الذي لا شي ء قبله، و الآخر الذي لا شي ء بعده، و هو القديم و ما سواه مخلوق محدث، تعالي عن صفات المخلوقين علواً كبيراً [18] .



[ صفحه 54]




پاورقي

[1] أعيان الشيعة 4 ق 3 / 38.

[2] أعيان الشيعة 4 ق 3 / 49.

[3] الارشاد 318.

[4] المناقب 2 / 373.

[5] المناقب 2 / 374.

[6] تحف العقول 301.

[7] أصول الكافي 1 / 115.

[8] بحارالأنوار 11 / 353.

[9] بحارالأنوار 11 / 253.

[10] بحارالأنوار 17 / 203.

[11] بحارالأنوار 17 / 206.

[12] بحارالأنوار 11 / 275.

[13] الاحتجاج 2 / 156.

[14] الاحتجاج 2 / 158.

[15] المناقب 2 / 373.

[16] الاحتجاج 2 / 163.

[17] بحارالأنوار 11 / 277.

[18] التوحيد 77.