استجابة دعائه
قضي أئمة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام حياتهم مظلومين مضطهدين طيلة الحكم الأموي الغاشم، و حسب الناس أن الحكم العباسي سوف يخفف عنهم الوطأة، و يرفع عنهم الحيف و الأذي، و جميع ما لحقهم من بني أمية و عمالهم، و لم يغلط الناس في حسابهم هذا، فبين البيتين و شائج القربي و الرحم الماسة، مضافاً الي أن العباسيين توصلوا للحكم باسم العلويين، و ما جاءت رايات أبي مسلم الخراساني الا للانتصار للعلويين، و للاخذ بثأرهم و ظلامتهم.
و أصبح الأمر معكوساً، فاذا بالعباسيين يتبعون أئمة البيت عليهم السلام قتلاً و سجناً و تشريداً، فكان مدة ملكهم أشد علي أهل البيت عليهم السلام من بني أمية.
تالله ما فعلت علوج
أمية معشار ما فعلت بنوالعباس
و لم يلجأ الأئمة عليهم السلام الي الدعاء علي ظالميهم الا عندما يبلغ الظلم منتهاه، و الجور غايته، و سيمر عليك في فصل (كلمات العلماء و العظماء) كتاب عيسي بن جعفر للرشيد - و قد حبس عنده الامام -: اني وضعت من يسمع منه ما يقوله في دعائه، فما دعا عليك و لا علي، و لا ذكرنا بسوء الخ.
اذا عرفنا هذا منه صلوات الله و سلامه عليه، نقدر شدة الظروف التي مرت عليه فاضطرته للدعاء علي ظالميه.
و في هذه الصفحات بعض ما ورد من استجابة دعائه عليه السلام:
1 - نقل صاحب كتاب نثر الدرر: أن موسي بن جعفر الكاظم ذكر له: أن الهادي قد هم بك، قال لأهل بيته و من يليه: ما تشيرون به علي من الرأي؟
[ صفحه 60]
فقالوا: نري أن تتباعد عنه، و أن تغيب شخصك عنه، فانه لا يؤمن عليك من شره. فتبسم ثم قال:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها
و ليغلبن مغالب الغلاب
ثم أنه رفع يده الي السماء فقال: «الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، و أرهف لي شبا حده، و داف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، و عجزي عن ملمات الجوائح، صرفت ذلك عني بحولك و قوتك لا بحولي و قوتي، و ألقيته في الحفيرة التي احتفرها لي خائباً مما أمله في دنياه، متباعداً عما يرجوه في أخراه، فلك الحمد علي قدر ما عممتني فيه نعمك، و ما توليتني من جودك و كرمك. اللهم فخذه بقوتك، و افلل حده عني بقدرتك، و اجعل له شغلاً فيما يليه، و عجزاً به عما ينويه. اللهم و أعدني عليه عدوة حاضرة تكون من غيظي شفاء، و من حنقي عليه وفاء، و صل اللهم دعائي بالاجابة، و انظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت به من الاجابة لعبيدك المضطرين انك ذوالفضل العظيم، و المن الجسيم».
ثم ان أهل بيته انصرفوا عنه، فلما كان بعد مدة يسيرة اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد علي موسي الكاظم بموت موسي الهادي و في ذلك يقول بعضهم:
و سارية لم تسر في الأرض تبتغي
محلا و لم يقطع بها الأرض قاطع
من أبيات مما قيل في الدعاء المستجاب [1] .
2 - قال عبدالله بن صالح: حدثنا صاحب الفضل بن الربيع؛ قال: كنت ذات ليلة في فراشي، مع بعض جواريي، فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الهواء فلم يمض الا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد انفتح، و اذا مسرور الكبير قد دخل علي، فقال أجب الرشيد، و لم يسلم علي، فيئست من نفسي، و قلت: هذا مسرور، و يدخل بلا
[ صفحه 61]
اذن و لم يسلم، ما هو الا القتل، و كنت جنباً و لم أجسر أن أسأله أنظاري حتي اغتسل.
فقالت لي الجارية لما رأت تحيري و تبلدي: ثق بالله عزوجل و انهض، فنهضت و لبست ثيابي، و خرجت معه حتي أتيت الدار، فسلمت علي أميرالمؤمنين و هو في مرقده، فرد علي السلام فسقطت.
فقال: تداخلك رعب؟
قلت: نعم يا أميرالمؤمنين.
فتركني ساعة حتي سكنت، ثم قال: صر الي حبسنا فاخرج موسي بن جعفر بن محمد، و ادفع اليه ثلاثين ألف درهم، و اخلع عليه خمس خلع، و احمله علي ثلاثة مراكب، و خيره بين المقام معنا و الرحيل عنا الي أي بلاد أحب.
فقلت له: يا أميرالمؤمنين: تأمر باطلاق موسي بن جعفر؟!
قال: نعم.
فكررت ثلاث مرات.
فقال: نعم، ويلك أتريد أن أنكث العهد؟!
فقلت: يا أميرالمؤمنين: و ما العهد؟!
قال: بينا أنا في مرقدي هذا اذا ساورني أسد، ما رأيت من الأسود أعظم منه، فقعد علي صدري و قبض علي حلقي، و قال لي: حبست موسي بن جعفر ظالماً له.
فقلت: و أنا أطلقه، و أهب له، و اخلع عليه، فأخذ علي عهد الله عزوجل و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج.
قال: فخرجت من عنده و وافيت موسي بن جعفر عليه السلام و هو في حبسه، فرأيته قائماً يصلي، فجلست حتي سلم، ثم أبلغته سلام أميرالمؤمنين و أعلمته بالذي أمرني به في أمره، و اني قد أحضرت ما وصله به.
فقال: ان كنت أمرت بشي ء غير هذا فافعله.
فقلت: لا وحق جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما أمرت الا بهذا.
[ صفحه 62]
فقال: لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال اذا كانت فيه حقوق الأمة.
فقلت: ناشدتك الله أن لا ترده فيغتاظ.
فقال: اعمل به ما أحببت.
و أخذت بيده عليه السلام و أخرجته من السجن، ثم قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقي عليك لبشارتي اياك، و لما أجراه الله تعالي علي يدي من هذا الأمر؟
فقال عليه السلام: رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم ليلة الأربعاء في النوم؛ فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم.
فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم.
فكرر علي ثلاثاً، ثم قال: (لعله فتنة لكم و متع الي حين)، أصبح غداً صائماً، و أتبعه بصيام الخميس و الجمعة، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد و اثنتي عشرة قل هو الله أحد، فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد، ثم قل: «يا سابق الفوت، يا سامع كل صوت، و يا محيي العظام و هي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي علي محمد عبدك و رسولك، و علي أهل بيته الطاهرين، و أن تعجل لي الفرج مما أنا فيه» ففعلت فكان الذي رأيت [2] .
[ صفحه 63]
پاورقي
[1] الفصول المهمة 222، مهج الدعوات 29، أمالي الشيخ الصدوق 308 بلفظ مقارب.
[2] مدينة المعاجز 394.