بازگشت

عبادته


اذا ذكر أئمة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام يتبادر الذهن الي علم جم، و عبادة متواصلة، و أوراد متصلة، و صدقات كثيرة، و أخلاق عالية، و آداب رفيعة، و حلم عن المسي ء، و صفح عن المذنب، فكأنهم صلوات الله عليهم و المكارم توأم، و كأن المعالي ثوب خيط لهم فلبسوه.

و الحديث في هذه الصفحات عن عبادة الامام موسي بن جعفر عليه السلام، التي شهدت له ألقابه بعبادته، فمن زين المجتهدين، الي العبد الصالح، و النفس الزكية، و الصابر، الي غير ذلك من الألقاب المشيرة الي صفاته المقدسة، و عبادته المتواصلة.

و لم يحدثنا التاريخ عن مسجون - غير الامام موسي بن جعفر - كان يشكر الله تعالي علي ما أتاح له من نعمة التفرغ للعبادة بين جدران السجن، و يجعل ذلك نعمة، وجب بها عليه الشكر.

قال ابن الصباغ المالكي: ان شخصاً من بعض العيون التي كانت عليه في السجن، رفع الي عيسي بن جعفر أنه سمعه يقول في دعائه: «اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك و قد فعلت، فلك الحمد» [1] .

نذكر في هذه الصفحات بعض ما ورد من عبادته عليه السلام:

1 - روي أنه دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فسجد سجدة في أول الليل، و هو يقول في سجوده: «عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوي و يا أهل المغفرة» فجعل يرددها حتي أصبح [2] .



[ صفحه 15]



2 - دخل أبوحنيفة علي الامام الصادق عليه السلام فقال: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه.

فقال أبو عبدالله عليه السلام ادعوا لي موسي، فدعاه، فقال له في ذلك.

فقال: نعم يا أبه، ان الذي كنت أصلي اليه كان أقرب الي منهم، يقول الله تعالي: (و نحن أقرب اليه من حبل الوريد).

فضمه أبو عبدالله الي نفسه ثم قال: بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار [3] .

3 - كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس و يخر لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء و التحميد حتي يقرب زوال الشمس، و كان يدعو كثيراً فيقول: «اللهم اني أسألك الراحة عند الموت، و العفو عند الحساب» و يكرر ذلك [4] .

4 - قال هشام بن أحمر: كنت أسير مع أبي الحسن في بعض طرق المدينة، اذ ثني رجله عن دابته فخر ساجداً فأطال و أطال، ثم رفع رأسه و ركب دابته.

فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود؟

فقال: اني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي، فأحببت أن أشكر ربي [5] .

5 - كان يبكي من خشية الله حتي تخضل كريمته الشريفة من دموع عينيه [6] .

6 - و لكثرة سجوده فقد كان له غلام يقص اللحم من جبينه، و عرنين أنفه، لذا نظم بعض الشعراء ذلك بقوله:



طالت لطول سجود منه ثفنته

فقرحت جبهة منه و عرنينا



رأي فراغته في السجن منيته

و نعمة شكر الباري بها حينا [7] .



7 - قال علي بن جعفر: خرجنا مع أخي موسي بن جعفر في أربع عمر،



[ صفحه 16]



يمشي فيها الي مكة بعياله و أهله، منهن من مشي فيها ستة و عشرين يوماً، و أخري خمسة و عشرين يوماً، و أخري أربعة و عشرين يوماً، و أخري واحداً و عشرين يوماً [8] .

8 - كان عليه السلام أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فكان اذا قرأ يحزن و يبكي و يبكي السامعون لتلاوته، و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع [9] .

9 - قال ابراهيم بن أبي البلاد: قال لي أبوالحسن عليه السلام: اني أستغفر الله كل يوم خمسة آلاف مرة [10] .

10 - كان لموسي بن جعفر بضع عشرة سنة، كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الي وقت الزوال [11] .

11 - ان الرشيد كان يشرف علي الحبس الذي هو فيه فيراه ساجداً فيقول للربيع: ما ذلك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ فيخبره: أنه ليس بثوب، و إنما هو موسي بن جعفر، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي الزوال.

فقال هارون: أما ان هذا من رهبان بني هاشم [12] .

12 - عن أحمد بن عبدالله الفروي عن أبيه قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي: أدن فدنوت حتي حاذيته، ثم قال لي: أشرف الي البيت في الدار فأشرفت، فقال لي: ما تري في البيت؟ قلت: ثوباً مطروحاً، قال: أنظر حسناً، فتأملت و نظرت فتيقنت، فقلت: رجل ساجد. فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا مولاك، قلت: و من مولاي؟ قال: تتجاهل علي؟ فقلت: ما أتجاهل و لكني لا أعرف لي مولي، فقال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر عليه السلام، اني أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي أخبرك بها، انه يصلي الفجر، فيعقب ساعة في دبر الصلاة الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجداً حتي تزول الشمس، و قد و كل من يترصد الزوال، فلست أدري متي يقول



[ صفحه 17]



الغلام: قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدي ء بالصلاة من غير أن يجدد و ضوءا، فأعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي فلا يزال كذلك الي أن يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلي العصر، سجد سجدة فلا يزال ساجداً الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثاً، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة، فاذا صلي العتمة أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، فلست أدري متي يقول الغلام: ان الفجر قد طلع اذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول الي.

فقلت: اتق الله و لا تحدث في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءاً الا كانت نعمته زائلة.

فقال: قد أرسلوا الي في غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم الي ذلك؛ و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني [13] .

13 - قالت أخت السندي: - و قد سجن الامام عليه السلام في بيت أخيها - كان اذا صلي العتمة حمد الله و مجده و دعاه، فلم يزل كذلك حتي يزول الليل، فاذا زال الليل قام يصلي حتي الصبح، ثم يذكر قليلاً حتي تطلع الشمس، ثم يقعد الي ارتفاع الضحي، ثم يتهيأ و يستاك و يأكل، ثم يرقد الي قبل الزوال، ثم يتوضأ و يصلي حتي يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتي يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب و العتمة، فكان هذا دأبه.

فكانت أخت السندي اذا نظرت اليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل [14] .



[ صفحه 18]




پاورقي

[1] الفصول المهمة 222.

[2] تاريخ بغداد 13 / 27.

[3] المناقب 2 / 372.

[4] كشف الغمة 247.

[5] بحارالأنوار 11 / 266.

[6] كشف الغمة 247.

[7] حياة الامام موسي بن جعفر 1 / 83.

[8] بحارالأنوار 11 / 262.

[9] المناقب 2 / 379.

[10] بحارالأنوار 11 / 267.

[11] المناقب 2 / 379.

[12] أعيان الشيعة 4 ق 3 / 42.

[13] أمالي الشيخ الصدوق 127.

[14] تاريخ بغداد 13 / 31.