بازگشت

وصيته لهشام بن الحكم في العقل


بعث النبي صلي الله عليه و آله و سلم و العرب يعبدون الأصنام، و الفرس يعبدون النار و الهنود يقدسون البقر، و اليهود جعلوا له ولدا، و النصاري عبدوا الأقانيم الثلاثة - الأم و الابن و روح القدس - تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً، لقد تطابق أهل الدنيا آنذاك علي عبادة غير الله سبحانه و تعالي، حتي أن التاريخ يسجل أسماء بعض الذوات القليلة ممن رفض عبادة غير الله سبحانه و تعالي، مثل جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه، و أبي ذرالغفاري رحمه الله، و قيس بن ساعدة الأيادي، و ورقة بن نوفل.

لقد عطلت البشرية عقولها بعبادة غير الله سبحانه و تعالي، فالعقل السليم يأبي هذه المعبودات.

لقد اهتم الاسلام في تنمية العقل و صقله و تهذيبه، فتجد القرآن الكريم يكرر: (ان في ذلك لأيت لقوم يعقلون) (قد بينا لكم الأيت لعلكم تعقلون).

و أخذ ينهض بهم الي العوالم العلوية: (و يتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا بطلا).

و لعل الحديث الذي يرويه ابن شعبة عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم يعطي القاري ء الكريم صورة عن اهتمام الاسلام بالعقل: أثني قوم بحضرته علي رجل حتي ذكروا جميع خصال الخير، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: كيف عقل الرجل؟

فقالوا: يا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده في العبادة و أصناف الخير و تسألنا عن عقله!



[ صفحه 28]



فقال: ان الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، و انما يرتفع العباد غداً في الدرجات، و ينالون الزلفي من ربهم علي قدر عقولهم [1] .

و الأحاديث كثيرة عن الصادقين صلوات الله عليهم في العقل و ثواب أهله، و نسجل في هذه الصفحات كلام الامام موسي بن جعفر صلي الله عليه و آله و سلم مع هشام بن الحكم رضوان الله عليه في ذلك:

قال هشام بن الحكم: قال لي موسي بن جعفر عليه السلام: يا هشام ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدئهم الله و أولئك هم أولوا الألبب).

يا هشام ان الله تبارك و تعالي أكمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبيين بالبيان، و دلهم علي ربوبيته بالأدلة، فقال: (ان في خلق السموات و الأرض و اختلف اليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السمآء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دآبة و تصريف الريح و السحاب المسخر بين السمآء و الأرض لأيت لقوم يعقلون).

يا هشام قد جعل الله ذلك دليلاً علي معرفته بأن لهم مدبراً، فقال (و سخر لكم اليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرت بأمره ان في ذلك لأيت لقوم يعقلون) و قال: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً و منكم من يتوفي من قبل و لتبلغوا أجلاً مسمي و لعلكم تعقلون) و قال: (و اختلف اليل و النهار و ما أنزل الله من السمآء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها و تصريف الريح ءايت لقوم يعقلون) و قال: (يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الأيت لعلكم تعقلون) و قال: (و جنت من أعنب وزرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقي بمآء وحد و نفضل بعضها علي بعض في الأكل ان في ذلك لأيت لقوم يعقلون) و قال: (و من ءايته يريكم البرق خوفاً و طمعاً و ينزل من السماء مآء فيحي به الأرض



[ صفحه 29]



بعد موتها ان في ذلك لأيت لقوم يعقلون) و قال: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً و بالولدين احسناً و لا تقتلوا أولدكم من املق نحن نرزقكم و اياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصكم به لعلكم تعقلون) و قال: (هل لكم من ما ملكت أيمنكم من شركاء في ما رزقنكم فأنتم فيه سوآء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الأيت لقوم يعقلون).

يا هشام ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة، فقال: (و ما الحيوة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون).

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالي: (ثم دمرنا الأخرين و انكم لتمرون عليهم مصبحين و باليل أفلا تعقلون) و قال: (انا منزلون علي أهل هذه القرية رجزاً من السمآء بما كانوا يفسقون و لقد تركنا منهآ ءاية بينة لقوم يعقلون).

يا هشام ان العقل مع العلم فقال: (و تلك الأمثل نضربها للناس و ما يعقلهآ الا العلمون).

يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: (و اذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه ءابآءنآ أولو كان ءابآؤهم لا يعقلون شيئاً و لا يهتدون) و قال: (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعآء و ندآء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) و قال: (و منهم من يستمعون اليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) و قال: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالأنعم بل هم أضل سبيلاً) و قال: (لا يقتلونكم جميعاً الا في قري محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً و قلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) و قال: (و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون).

يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) و قال: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) و قال: (و لئن سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحيا به الأرض من بعد



[ صفحه 30]



موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون).

يا هشام ثم مدح القلة فقال: (و قليل من عبادي الشكور) و قال: (و قليل ما هم) و قال: (و قال رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم ايمنه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) و قال: (و من ءامن و مآ ءامن معه الا قليل) و قال: (و لكن أكثرهم لا يعلمون) و قال: (و أكثرهم لا يعقلون) و قال: (و هم لا يشعرون).

يا هشام ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن الحلية، فقال: (يؤتي الحكمة من يشآء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً و ما يذكر الآ أولوا الألبب) و قال: (و الرسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الآ أولوا الألبب) و قال: (ان في خلق السموات و الأرض و اختلف اليل و النهار لأيت لأولي الألبب) و قال: (أفمن يعلم أنما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألبب) و قال: (أمن هو قنت ءانآء اليل ساجداً و قآئماً يحذر الأخرة و يرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألبب) و قال: (كتب أنزلنه اليك مبرك ليدبروا ءايته و ليتذكر أولوا الألبب) و قال: (و لقد ءاتينا موسي الهدي و أورثنا بني اسرءيل الكتب هدي و ذكري لأولي الألبب) و قال: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين).

يا هشام ان الله تعالي يقول في كتابه: (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب) يعني عقل، و قال: (و لقد ءاتينا لقمن الحكمة) قال: الفهم و العقل.

يا هشام ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، و أن الكيس لدي الحق يسير، يا بني ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيه تقوي الله، و حشوها الايمان، و شراعها التوكل، و قيمها العقل، و دليلها العلم، و سكانها الصبر.

يا هشام ان لكل شي ء دليلاً و دليل العقل التفكر، و دليل التفكر الصمت و لكل شي ء مطية؛ و مطية العقل التواضع و كفي بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.



[ صفحه 31]



يا هشام ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، و أكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة.

يا هشام ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة، و أما الباطنة فالعقول.

يا هشام ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، و لا يغلب الحرام صبره، يا هشام من سلط ثلاثاً علي ثلاث فكأنما أعان علي هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي هدم عقله، و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.

يا هشام كيف يزكو عندالله عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، و أطعت هواك علي غلبة عقلك.

يا هشام الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عند الله، و كان الله أنسه في الوحشة، و صاحبه في الوحدة، و غناه في العيلة، و معزه من غير عشيرة.

يا هشام نصب الخلق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل، و لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العلم بالعقل.

يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود.

يا هشام ان العالم رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، و ترك الدنيا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض.

يا هشام ان العاقل نظر الي الدنيا و الي أهلها فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة، و نظر الي الآخرة فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.



[ صفحه 32]



يا هشام ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة؛ لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه، و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته.

يا هشام من أراد الغني بلا مال، و راحة القلب من الحسد، و السلامة في الدين فليتضرع الي الله عزوجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، و من قنع بما يكفيه استغني، و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبداً.

يا هشام ان الله حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها ورداها.

انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه، و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقاً، و سره لعلانيته موافقاً، لأن الله تبارك اسمه لم يدل علي الباطن الخفي من العقل الا بظاهر منه، و ناطق عنه.

يا هشام كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ما عبدالله بشي ء أفضل من العقل، و ما تم عقل امري ء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشرك منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب اليه مع الله من العز مع غيره، و التواضع أحب اليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيراً منه، و أنه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر.

يا هشام ان العاقل لا يكذب و ان كان فيه هواه.

يا هشام لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له، و ان أعظم الناس قدراً الذي لا يري الدنيا لنفسه خطراً، أما ان أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: ان من علامة العاقل أن يكون فيه



[ صفحه 33]



ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شي ء فهو أحمق.

ان أميرالمؤمنين عليه السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن، فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس فهو أحمق.

و قال الحسن بن علي صلي الله عليه و آله و سلم: اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.

قيل: يا ابن رسول الله و من أهلها؟

قال: الذين قص الله في كتابه و ذكرهم فقال: (انما يتذكر أولوا الألبب) قال: هم أولوا العقول.

و قال علي بن الحسين صلي الله عليه و آله و سلم: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و آداب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل و فيه راحة البدن عاجلا أو آجلا.

يا هشام ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه، و لا بعد ما لا يقدر، و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه [2] .



[ صفحه 34]




پاورقي

[1] تحف العقول 44.

[2] أصول الكافي 1 / 20.