بازگشت

(ه) ـ علمه عليه السلام بالآجال


الأوّل ـ علمه عليه السلام بأجل عبد اللّه بن جعفر:

1 ـ أبو جعفر الطبريّ رحمه الله: ... عن أبي بصير، قال: سمعت العبد الصالح عليه السلام

يقول: ... قال أبو بصير: جعلت فداك! ما بالك حججت العام، ونحر عبد اللّه

جزورا؟ ... .

قال أبو بصير: فظننت أنّه عرّض بنفسه، وقال: أما إنّ عبد اللّه لا يعيش أكثر من

سنة، فذهب أصحابه حتّي انقضت السنة.

قال: فهذه فيها يموت.

قال: فمات في تلك السنة[295].



الثاني ـ علمه عليه السلام بأجل الأخرس:

1 ـ الراونديّ رحمه الله: ... أحمد بن عمر الحلاّل، قال: سمعت الأخرس يذكر موسي

ابن جعفر عليهماالسلام بسوء، فاشتريت سكّينا، وقلت في نفسي: واللّه! لأقتلنّه إذا خرج

من المسجد، فأقمت علي ذلك، وجلست فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه السلامقد

طلعت عليَّ فيها: بحقّي عليك لما كففت عن الأخرس، فإنّ اللّه ثقتي، وهو حسبي. (فما

بقي أيّاما إلاّ ومات)[296].



الثالث ـ علمه عليه السلام بأجل شهاب بن عبد ربّه:

1 ـ ابن حمزة الطوسيّ رحمه الله: عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: استقرض

أبو الحسن عليه السلام من شهاب بن عبد ربّه مالاً، وكتب كتابا، ووضعه علي يدي، وقال:

إن حدث بي حدث فخرّقه.

قال عبد الرحمن: فخرجت إلي مكّة، فلقيني أبو الحسن عليه السلام، وأنا بمني، فقال لي:

يا عبد الرحمن! خرّق الكتاب، قال: ففعلت، وقدمت الكوفة وسألت عن شهاب،

فإذا هو قد مات في الوقت [الذي] أومأ إليّ في خرق الكتاب[297].



الرابع ـ علمه عليه السلام بأجل عبد اللّه بن يحيي الكابليّ:

(451) 1 ـ أبو عمرو الكشّيّ رحمه الله: وجدت بخطّ جبريل بن أحمد، حدّثني محمّد بن

عبد اللّه بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أخطل الكاهليّ،

عن عبد اللّه بن يحيي الكاهليّ، قال: حججت فدخلت علي أبي الحسن عليه السلام، فقال

لي: اعمل خيرا في سنتك هذه، فإنّ أجلك قد دني.

قال: فبكيت، فقال لي: وما يبكيك؟

قلت: جعلت فداك! نعيت إلي نفسي.

قال: أبشر! فإنّك من شيعتنا، وأنت إلي خير.

قال أخطل: فما لبث عبد اللّه بعد ذلك إلاّ يسيرا حتّي مات[298].





الخامس ـ علمه عليه السلام بأجل الرجل الذي كان موكّلاً عليه في السجن:



(452) 1 ـ الراونديّ رحمه الله: إنّ إسحاق بن عمّار قال: لمّا حبس هارون أبا الحسن

موسي عليه السلام دخل عليه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، فقال أحدهما

للآخر: نحن علي أحد أمرين: إمّا أن نساويه، وإمّا أن نشاكله.

فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكّلاً به من قبل السنديّ بن شاهك، فقال: إنّ

نوبتي قد انقضت وأنا علي الانصراف، فإن كانت لك حاجة أمرتني حتّي آتيك بها

في الوقت الذي تلحقني النوبة؟

فقال [له]: ما لي حاجة.

فلمّا أن خرج، قال لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن: ما أعجب هذا يسألني أن أكلّفه

حاجة من حوائجي ليرجع، وهو ميّت في هذه الليلة.

قال: فغمز أبو يوسف محمّد بن الحسن للقيام، فقاما، فقال أحدهما للآخر: إنّا

جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة وهو الآن جاء بشيء آخر، كأنّه من علم الغيب. ثمّ

بعثا برجل مع الرجل، فقالا: اذهب حتّي تلزمه وتنتظر ما يكون من أمره في هذه

الليلة، وتأتينا بخبره من الغد.

فمضي الرجل فنام في مسجد عند باب داره، فلمّا أصبح سمع الواعية ورأي الناس

يدخلون داره، فقال: ما هذا؟

قالوا: [قد] مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علّة، فانصرف [الرجل ]إلي

أبي يوسف ومحمّد وأخبرهما (الخبر فأتيا) أبا الحسن عليه السلامفقالا: قد علمنا أنّك قد

أدركت العلم في الحلال والحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك أنّه

يموت في هذه الليلة؟

قال: من الباب الذي أخبر بعلمه رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا

أورد عليهما هذا، بقيا لا يحيران جوابا[299].



السادس ـ علمه عليه السلام بأجل أبي بصير:

(453) 1 ـ الراونديّ رحمه الله: قال إسحاق بن عمّار: إنّ أبا بصير أقبل مع أبي الحسن

موسي عليه السلام من المدينة يريد العراق، فنزل أبو الحسن المنزل الذي يقال له: زبالة

بمرحلة، فدعا بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وكان تلميذا لأبي بصير، فجعل يوصيه

بوصيّة بحضرة أبي بصير، ويقول: يا عليّ! إذا صرنا إلي الكوفة فتقدّم في كذا.

فغضب أبو بصير وخرج من عنده، فقال: لا واللّه! ما أعجب ما أري هذا

[الرجل] أنا أصحبه منذ حين، ثمّ يتخطّاني بحوائجه إلي بعض غلماني.

فلمّا كان من الغد حمّ أبو بصير بزبالة، فدعا بعليّ بن أبي حمزة، فقال له: أستغفر

اللّه ممّا حكّ في صدري من مولاي و [من] سوء ظنّي به، كان قد علم أنّي ميّت، وأنّي

لا ألحق الكوفة، فإذا أنا متّ فافعل كذا، وتقدّم في كذا.

فمات أبو بصير بزبالة[300].



السابع ـ علمه عليه السلام بأجل أربعة رجال بمكّة:

(454) 1 ـ الصفّار رحمه الله: حدّثنا أحمد بن الحسين، عن الحسن بن برّة، عن عثمان بن

عيسي، قال: دخلت علي أبي الحسن عليه السلام سنة الموت بمكّة، وهي سنة أربع وسبعون

ومائة، فقال لي: من هيهنا من أصحابكم مريض؟

فقلت: عثمان بن عيسي من أوجع الناس.

فقال: قل له: يخرج، ثمّ قال: من هيهنا؟ فعددت عليه ثمانية فأمرنا بإخراج أربعة

وكفّ عن أربعة، فما أمسينا من غد حتّي دفنّا الأربعة الذين كفّ عن إخراجهم، فقال

عثمان: فخرجت أنا، فأصبحت معافا[301].



الثامن ـ علمه عليه السلام بأجل الجارية:

(455) 1 ـ ابن حمزة الطوسيّ رحمه الله: عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن هِشام، قال:

أردت شراء جارية بمني، فكتبت إلي أبي الحسن عليه السلام أستشيره في ذلك، فأمسك ولم

يخبر.

قال: فإنّني من الغد عند مولي الجارية إذ مرّ بي، وهي جالسة عند جوار تتحدّث

مع جارية، فنظر إليها، ثمّ رجع إلي منزله وقال لي: لا بأس إن لم يكن في عمرها قلّة،

فأمسكت عن شرائها، فلم أخرج من مكّة حتّي ماتت[302].



التاسع ـ علمه عليه السلام بأجل شطيطة:

(456) 1 ـ ابن حمزة الطوسيّ رحمه الله: عن عثمان بن سعيد، عن أبي عليّ بن راشد،

قال: اجتمعت العصابة بنيسابور في أيّام أبي عبد اللّه عليه السلام، فتذاكروا ما هم فيه من

الانتظار للفرج، وقالوا: نحن نحمل في كلّ سنة إلي مولانا ما يجب علينا، وقد كثرت

الكاذبة، ومن يدّعي هذا الأمر، فينبغي لنا أن نختار رجلاً ثقة نبعثه إلي الإمام،

ليتعرّف لنا الأمر.

فاختاروا رجلاً يعرف بأبي جعفر محمّد بن إبراهيم النيسابوريّ، ودفعوا إليه ما

وجب عليهم في السنة من مال وثياب، وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار، والدراهم

خمسين ألف درهم، والثياب ألفي شقّة، وأثواب مقاربات ومرتفعات.

وجاءت عجوز[303] من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها (شطيطة)، ومعها درهم

صحيح فيه درهم ودانقان، وشقّة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم، وقالت: ما

يستحقّ عليّ في مالي غير هذا، فادفعه إلي مولاي. فقال: يا امرأة! أستحيي من أبي

عبد اللّه عليه السلام أن أحمل إليه درهما، وشقّة بطانة.

فقالت: ألا تفعل!؟ إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، هذا الذي يستحقّ، فاحمل

يا فلان! فلئن ألقي اللّه عزّ وجلّ وما له قبلي حقّ قلّ أم كثر أحبّ إليّ من أن ألقاه

وفي رقبتي لجعفر بن محمّد حقّ.

قال: فعوجت الدرهم، وطرحته في كيس فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف بخلف

ابن موسي اللؤلوئيّ، وطرحت الشقّة في رزمة فيها ثلاثون ثوبا لأخوين بلخيّين

يعرفان بابني نوح بن إسماعيل.

وجاءت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل، وكان سبعين ورقة، وكلّ مسألة تحتها

بياض، وقد أخذوا كلّ ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة، وختموا علي كلّ حزام بخاتم،

وقالوا: تحمل هذا الجزء معك، وتمضي إلي الإمام، فتدفع الجزء إليه وتبيّته عنده ليلة،

وعد عليه وخذه منه، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعّب فاكسر منها

ختمه وانظر الجواب، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الإمام، فادفعه إليه، وإلاّ

فردّ أموالنا علينا.

قال أبو جعفر: فسرت حتّي وصلت إلي الكوفة، وبدأت بزيارة أمير المؤمنين

صلوات اللّه عليه، ووجدت علي باب المسجد شيخا مسنّا قد سقط حاجباه علي

عينيه من الكبر، وقد تشنّج وجهه، متّزرا ببرد، متّشحا بآخر، وحوله جماعة

يسألونه عن الحلال والحرام، وهو يفتيهم علي مذهب أمير المؤمنين عليه السلام، فسألت من

حضر عنده؟

فقالوا: أبو حمزة الثمالي، فسلّمت عليه، وجلست إليه، فسألني عن أمري، فعرّفته

الحال، ففرح بي وجذبني إليه، وقبّل بين عينيّ، وقال: لو تجدب الدنيا ما وصل إلي

هؤلاء حقوقهم، وإنّك ستصل بحرمتهم إلي جوارهم، فسررت بكلامه، وكان ذلك

أوّل فائدة لقيتها بالعراق، وجلست معهم أتحدّث إذ فتح عينيه، ونظر إلي البرّيّة

وقال: هل ترون ما أري؟

فقلنا: وأيّ شيء رأيت؟

قال: أري شخصا علي ناقة، فنظرنا إلي الموضع، فرأينا رجلاً علي جمل، فأقبل

فأناخ البعير، وسلّم علينا وجلس، فسأله الشيخ وقال: من أين أقبلت؟

قال: من يثرب، قال: ما وراءك؟

قال: مات جعفر بن محمّد عليهماالسلام، فانقطع ظهري نصفين وقلت لنفسي: إلي أين

أمضي!؟

فقال له أبو حمزة: إلي من أوصي؟

قال: إلي ثلاثة أوّلهم أبو جعفر المنصور، وإلي ابنه عبد اللّه، وإلي ابنه موسي،

فضحك أبو حمزة والتفت إليّ وقال: لا تغتمّ، فقد عرفت الإمام.

فقلت: وكيف أيّها الشيخ؟!

فقال: أمّا وصيّته إلي أبي جعفر المنصور، فستر علي الإمام، وأمّا وصيّته إلي ابنه

الأكبر والأصغر فقد بيّن عن عوار الأكبر، ونصّ علي الأصغر.

فقلت: وما فقه ذلك؟

فقال: قول النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم: الإمامة في أكبر ولدك يا عليّ! ما لم يكن ذا عاهة، فلمّا

رأيناه قد أوصي إلي الأكبر والأصغر، علمنا أنّه قد بيّن عن عوار كبيره ونصّ علي

صغيره، فسر إلي موسي، فإنّه صاحب الأمر.

قال أبو جعفر: فودّعت أمير المؤمنين وودّعت أبا حمزة، وسرت إلي المدينة

وجعلت رحلي في بعض الخانات، وقصدت مسجد رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلموزرته

وصلّيت، ثمّ خرجت وسألت أهل المدينة إلي من أوصي جعفر بن محمّد؟

فقالوا: إلي ابنه الأفطح عبد اللّه، فقلت: هل يفتي؟

قالوا: نعم، فقصدته وجئت إلي باب داره، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد

علي باب دار أمير البلد، فأنكرت ثمّ قلت: الإمام لا يقال له: لم؟ وكيف؟ فاستأذنت،

فدخل الغلام وخرج وقال: من أين أنت؟

فأنكرت وقلت: واللّه ! ما هذا بصاحبي، ثمّ قلت: لعلّه من التقيّة، فقلت: قل:

فلان الخراسانيّ، فدخل وأذن لي، فدخلت فإذا به جالس في الدست علي منصّة

عظيمة، وبين يديه غلمان قيام، فقلت في نفسي: ذا أعظم، الإمام يقعد في الدست؟!

ثمّ قلت: هذا أيضا من الفضول الذي لا يحتاج إليه، يفعل الإمام ما يشاء،

فسلّمت عليه فأدناني وصافحني وأجلسني بالقرب منه، وسألني فأحفي، ثمّ قال: في

أيّ شيء جئت؟

قلت: في مسائل أسأل عنها، وأريد الحجّ.

فقال لي: اسأل عمّا تريد؟

فقلت: كم في المائتين من الزكاة؟

قال: خمسة دراهم.

قلت: كم في المائة؟

قال: درهمان ونصف.

فقلت: حسن يا مولاي! أعيذك باللّه، ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق

عدد نجوم السماء؟

قال: يكفيه من رأس الجوزاء ثلاثة.

فقلت: الرجل لا يحسن شيئا، فقمت وقلت: أنا أعود إلي سيّدنا غدا.

فقال: إن كان لك حاجة فإنّا لا نقصّر.

فانصرفت من عنده، وجئت إلي ضريح النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم فانكببت علي قبره،

وشكوت خيبة سفري، وقلت: يا رسول اللّه! بأبي أنت وأُمّي! إلي من أمضي في هذه

المسائل التي معي؟ إلي اليهود، أم إلي النصاري، أم إلي المجوس، أم إلي فقهاء

النواصب؟ إلي أين يا رسول اللّه؟

فما زلت أبكي وأستغيث به، فإذا أنا بإنسان يحرّكني، فرفعت رأسي من فوق

القبر، فرأيت عبدا أسود عليه قميص خلق، وعلي رأسه عمامة خلق.

فقال لي: يا أبا جعفر النيسابوريّ، يقول لك مولاك موسي بن جعفر عليهماالسلام: لا إلي

اليهود، ولا إلي النصاري، ولا إلي المجوس، ولا إلي أعدائنا من النواصب، إليّ، فأنا

حجّة اللّه، قد أجبتك عمّا في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس، فجئني به وبدرهم

شطيطة الذي فيه درهم ودانقان، الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلوئيّ، وشقّتها

التي في رزمة الأخوين البلخيّين.

قال: فطار عقلي وجئت إلي رحلي، ففتحت وأخذت الجزو والكيس والرزمة

فجئت إليه فوجدته في دار خراب، وبابه مهجور ما عليه أحد، وإذا بذلك الغلام قائم

علي الباب، فلمّا رآني دخل بين يديّ، ودخلت معه فإذا بسيّدنا عليه السلام جالس علي

الحصير، وتحته شاذكونه يمانيّة، فلمّا رآني ضحك وقال: لا تقنط، ولم تفزع؟ لا إلي

اليهود، ولا إلي النصاري والمجوس، أنا حجّة اللّه ووليّه، ألم يعرّفك أبو حمزة علي

باب مسجد الكوفة جري أمري؟!

قال: فأزاد ذلك في بصيرتي، وتحقّقت أمره، ثمّ قال لي: هات الكيس، فدفعته إليه،

فحلّه وأدخل يده فيه، وأخرج منه درهم شطيطة، وقال لي: هذا درهمها؟

فقلت: نعم، فأخذ الرزمة وحلّها وأخرج منها شقّة قطن مقصورة، طولها خمسة

وعشرون ذراعا، وقال لي: اقرأ عليها السلام كثيرا، وقل لها: قد جعلت شقّتك في

أكفاني، وبعثت إليك بهذه من أكفاننا من قطن قريتنا صريا، قرية فاطمة عليهاالسلام، وبذر

قطن كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد

اللّه عليه السلام وقصارة يده لكفنه، فاجعليها في كفنك.

ثمّ قال: يا معتب! جئني بكيس نفقة مؤوناتنا، فجاء به فطرح درهما فيه، وأخرج

منه أربعين درهما، وقال: أقرئها منّي السلام، وقل لها: ستعيشين تسع عشرة ليلة من

دخول أبي جعفر، ووصول هذا الكفن وهذه الدراهم، فأنفقي منها ستّة عشر درهما،

واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عليك، وأنا أتولّي الصلاة عليك،

فإذا رأيتني فاكتم، فإنّ ذلك أبقي لنفسك، وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم

لا، قبل أن تجيء بدراهمهم كما أوصوك فإنّك رسول.

فتأمّلت الخواتيم فوجدتها صحاحا، ففككت من وسطها واحدا، فوجدت تحتها:

ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: نذرت للّه عزّ وجلّ لأعتقنّ كلّ مملوك كان في

ملكي قديما، وكان له جماعة من المماليك؟

تحته الجواب من موسي بن جعفر عليهماالسلام: من كان في ملكه قبل ستّة أشهر، والدليل

علي صحّة ذلك قوله تعالي: «حَتَّي عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»[304]، (وكان بين

العرجون القديم والعرجون الجديد في النخلة) ستّة أشهر.

وفككت الآخر، فوجدت فيه: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: واللّه! أتصدّق

بمال كثير بما يتصدّق؟.

تحته الجواب بخطّه عليه السلام: إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدّق

بأربعة وثمانين دينارا، وإن كان من أرباب الدراهم تصدّق بأربعة وثمانين درهما،

وإن كان من أرباب الغنم فيتصدّق بأربعة وثمانين غنما، وإن كان من أرباب البعير

فبأربعة وثمانين بعيرا، والدليل علي ذلك قوله تعالي:

«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ»[305] فعددت مواطن رسول

اللّه صلي الله عليه و آله وسلم قبل نزول الآية، فكانت أربعة وثمانين موطنا.

وكسرت الأخري فوجدت تحته: ما يقول العالم عليه السلام في رجل نبش قبرا وقطع

رأس الميّت وأخذ كفنه؟

الجواب تحته بخطّه عليه السلام: تقطع يده لأخذ الكفن من وراء الحرز، ويؤخذ منه مائة

دينار لقطع رأس الميّت، لأنّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أُمّه من قبل نفخ الروح

فيه، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا، وفي العلقة عشرين دينارا، وفي المضغة

عشرين دينارا، وفي اللحم عشرين دينارا، وفي تمام الخلق عشرين دينارا، فلو نفخ

فيه الروح لألزمناه ألف دينار علي أن لا يأخذ ورثة الميّت منها شيئا، بل يتصدّق بها

عنه، أو يحجّ، أو يغزي بها، لأنّها أصابته في جسمه بعد الموت.

قال أبو جعفر: فمضيت من فوري إلي الخان، وحملت المال والمتاع إليه، وأقمت معه

وحجّ في تلك السنة، فخرجت في جملته معادلاً له في عماريّته في ذهابي يوما، وفي

عماريّة أبيه يوما، ورجعت إلي خراسان فاستقبلني الناس، وشطيطة من جملتهم،

فسلّموا عليّ، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جري، ودفعت إليها

الشقّة والدراهم، وكادت تنشق مرارتها من الفرح، ولم يدخل إلي المدينة من الشيعة

إلاّ حاسد، أو متأسّف علي منزلتها ودفعت الجزء إليهم، ففتحوا الخواتيم، فوجدوا

الجوابات تحت مسائلهم.

وأقامت شطيطة تسعه عشر يوما، وماتت رحمها اللّه، فتزاحمت الشيعة علي

الصلاة عليها، فرأيت أبا الحسن عليه السلام علي نجيب، فنزل عنه وأخذ بخطامه، ووقف

يصلّي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلي قبرها، ونثر في قبرها من تراب قبر

أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام.

فلمّا فرغ من أمرها ركب البعير وألوي برأسه نحو البرّيّة، وقال: عرّف أصحابك

واقرئهم عنّي السلام، وقل لهم: إنّني ومن جري مجراي من أهل البيت لابدّ لنا من

حضور جنائزكم في أيّ بلد كنتم، فاتّقوا اللّه في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا

علي خلاصكم، وفكّ رقابكم من النار.

قال أبو جعفر: فلمّا ولّي عليه السلام عرّفت الجماعة، فرأوه وقد بعد والنجيب يجري به،

فكادت أنفسهم تسيل حزنا، إذ لم يتمكّنوا من النظر إليه[306].



العاشر ـ علمه عليه السلام بأجل رجل:

(457) 1 ـ ابن شهر آشوب رحمه الله: بيان بن نافع التفليسيّ، قال: خلّفت والدي مع

الحرم في الموسم، وقصدت موسي بن جعفر عليهماالسلام، فلمّا أن قربت منه هممت بالسلام

عليه، فأقبل عليّ بوجهه، وقال عليه السلام: برّ حجّك يا ابن نافع! آجرك اللّه في أبيك! فإنّه

قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه، فبقيت متحيّرا عند قوله، وقد

كنت خلّفته وما به علّة.

فقال: يا ابن نافع! أفلا تؤمن؟

فرجعت، فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهنّ، فقلت: ما وراءكنّ؟

قلن: أبوك فارق الدنيا.

قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عمّا أخفاه ورائي.

فقال لي: أبدا ما أخفاه وراءك، ثمّ قال: يا ابن نافع! إن كان في أمنيّتك كذا وكذا

أن تسأل عنه، فأنا جنب اللّه، وكلمته الباقية، وحجّته البالغة[307].

پاورقي

[295] الغيبة: 24، ح 3. عنه البحار: 48/230، ح 36.

[296] الغيبة: 56، ح 49.

[297] تهذيب الأحكام: 6/81، س 5. عنه الوافي: 3/813، س 22.

الدروس للشهيد: 154، س 1. عنه البحار: 48/207، ح 6.

[298] المناقب: 4/323، س 4، عنه البحار: 48/11، س 6، ضمن ح 7.

[299] المناقب: 4/324، س 17.

[300] المناقب: 4/328، س 5.

قطعة منه في إخباره عليه السلام بكيفيّة شهادته

[301] كشف الغمّة: 2/252، س 6. عنه أاعيان الشيعة: 2/11، س 46.

[302] عمدة الطالب: 215 س 12.

الشجرة المباركة: 101، س 14، قطعة منه.

قطعة منه في دعاؤه عليه السلام علي محمّد بن إسماعيل و(ما رواه عليه السلام عن جدّه رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم).

[303] إعلام الوري: 2/6، س 14. عنه البحار: 48/2، س 1.

[304] عيون المعجزات: 108، س 19. عنه البحار: 48/247، ح 56، واثبات الهداة: 3/214، ح

148.

قطعة منه في إخباره عليه السلام بكيفيّة شهادته، و(مدّة عمره عليه السلام).

[305] ألقاب الرسول وعترته، ضمن كتاب «مجموعة نفيسة»: 219، س 13.

[306] جامع الأخبار: 29، س 1.

[307] أعيان الشيعة: 2/5، س 9.