بازگشت

طابعها الخاص


ان جامعة الامام الصادق (ع) كان لها طابع خاص انفردت به عن بقية المؤسسات و هو الاستقلال الذاتي المتميز بعدم الارتباط بأي جهاز رسمي، فلم يكتب للسلطة أن تستخدمها في أي غرض من أغراضها السياسية اذ لم يكن لها أي سلطان عليها، فقد كانت تتمتع بالحرية الواسعة سواء في مناهجها التعليمية أو في مجالاتها الفكرية، و لم تتلق من السلطة الحاكمة أي دعم اقتصادي أو مادي، و انما كانت منفصلة عنها، و مبتعدة في سلوكها عن جميع المؤثرات الخارجية، فهي تسير بوحي من الروح الاسلامية المشرقة، و تسلك في طريق واضح بعيد عن الالتواء و الانحراف هدفها خدمة الأمة، و رائدها الحق.

و حاول المنصور أن يجلب الامام الصادق، و يكتسب وده و ثقة تلامذته و شيعته فكتب اليه:

«لم لا تخشانا كما يخشانا سائر الناس؟!».

فأجابه الامام عن خطته و سلوكه قائلا.

«ليس عندنا من الدنيا ما نخافك عليه، و ليس عندك من الآخرة ما نرجوك له..».



[ صفحه 89]



لم يكن عند الامام أي شي ء من حطام الدنيا حي يخاف عليه من سلطان المنصور، و ليس عند المنصور من متع الآخرة حتي يرجوه و يتصل به، و سلك المنصور طريقا آخر فكتب الي الامام:

«انك تصحبنا لتنصحنا».

فأجابه الامام:

«من أراد الآخرة فلا يصحبك، و من أراد الدنيا فلا ينصحك..»

و بهذا المنطق الحافل بجميع مقومات الحق اعرب الامام عن سلوكه في الابتعاد عن السلطة و عدم التعاون معها، و تحدث الاستاذ أسد حيدر عن هذا الطابع النير الذي امتازت به مدرسة الامام بقوله:

«كان طابع مدرسة الامام الصادق الذي طبعت عليه، و منهجها الذي اختصت به - من بين المدارس الاسلامية - هو استقلالها الروحي، و عدم خضوعها لنظام السلطة، ولم تفسح المجال لولاة الأمر أن يتدخلوا في شؤونها، أو تكون لهم يد في توجيهها و تطبيق نظامها، لذلك لم يتسن لذوي السلطة استخدامها في مصالحهم الخاصة، أو تتعاون في شؤون الدولة و من المستحيل ذلك - و ان بذلوا جهدهم في تحقيقه - فهي لا تزال منذ نشأتها الأولي تحارب الظالمين، و لا تركن اليهم، كما لا تربطها و اياهم روابط الالفة، و لم يحصل بينها و بينهم انسجام، و بهذا النهج الذي سارت عليه، و الطابع الذي اختصت به، أصبحت عرضة للخطر فكان النزاع بينها و بين الدولة يشتد، و العداء يتضخم، فلا الدولة تستطيع التنازل لمنهج المدرسة فتكسب ودها، و تسعد بمعاونتها، و لا المدرسة في امكانها أن تتنازل لارادة الدولة، فتؤازرها، و تسير بخدمتها، و تتعاون معها، و كيف يكون ذلك؟ و هي منذ نشأتها الأولي ترتبط بالثقلين كتاب الله، و عترة رسوله، و هما متلازمان متكاتفان لن يفترقا في أداء واجبهما لارشاد الأمة و هدايتها،



[ صفحه 90]



فالقرآن ينهي عن معاونة الظالمين، و الركون اليهم «و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار و ما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون» [1] .

و سارت علي هذا المنهج المشرق جميع المؤسسات العلمية التي تخضع في مناهجها و سلوكها لمدرسة الامام (ع) كجامعة النجف الاشرف، و جامعة قم فان كلا منهما يسيران علي وفق الأهداف الاصيلة التي اعلنها الامام الصادق واتخذها شعارا و منهجا لمدرسته من عدم الارتباط و التعاون مع السلطات الحاكمة.


پاورقي

[1] الامام الصادق و المذاهب الأربعة 3 / 15.