بازگشت

هدم مرقد الحسين


و ضاق الرشيد ذرعا، و استشاط غضبا و غيظا حينما رآي جماهير المسلمين تتهافت علي زيارة مرقد ريحانة النبي (ص) و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين (ع) فأمر باحضار سادن المرقد المطهر ابن ابي داود ليصب عليه جام عقابه و عذابه، و لما مثل عنده قال له بنبرات تقطر غضبا:

«ما الذي صيرك في الحير» [1] .

فقال له ابن ابي داود: ان الحسن بن راشد [2] هو الذي وضعني في ذلك الموضع، فهز الرشيد رأسه، و أمر باحضاره بالفور و هو يقول: «ما أخلق ان يكون هذا من تخيلط الحسن» و لما حضر عنده قال له:

«ما حملك علي أن صيرت هذا الرجل في الحير؟»

فقال له الحسن مستعطفا:

«رحم الله من صيره في الحير أمرتني ام موسي [3] أن اصيره و ان اجري عليه في كل شهر ثلاثين درهما.

فهدأ روع الرشيد، و قال: «ردوه الي الحير، و اجروا عليه ما أجرته أم موسي» [4] .

و ما لبث الرشيد أن عاد الي غيه و طغيانه فأمر بهدم المرقد العظيم و هدم الدور المجاورة له، و اقتلاع السدرة التي كانت الي جانب القبر



[ صفحه 86]



الشريف [5] كما أمر بحرث ارض كربلا ليمحو بذلك كل أثر للقبر المطهر و قد انتقم الله منه فانه لم يدر عليه الحول حتي هلك في خراسان [6] .

لقد خاب سعي الرشيد، و ظل كيده فانه و سائر ملوك الأمويين و العباسيين و غيرهم ممن نصبوا العداوة و البغضاء لسيد الشهدا (ع) قد خبا ذكرهم، و أفل مجدهم، و بقي الامام الحسين رمزا للخلود قد استوعب ذكره جميع لغات الأرض، تتهافت الملايين من المسلمين علي زيارة مرقده و اقامة عزائه.

و ستبقي تلك المراقد الزكية في كربلاء رمزا خالدا للانسانية تزداد شأنا و عظمة علي جميع مراحل التأريخ.

و سيبقي الحسين وحده علي هامة الشرف و المجد حتي يرث الله الأرض و من عليها


پاورقي

[1] الحير: اسم لمدينة كربلاء المقدسة كما في معجم البلدان و الصحاح.

[2] الحسن بن راشد من رواة الامام الصادق (ع) و من أعلام الشيعة.

[3] ام موسي: هي ام المهدي، و هي ابنة يزيد بن منصور الحميري من ملوك اليمن.

[4] الطبري: 10 / 118.

[5] المناقب: 2 / 19، الامالي: (ص 206) و جاء فيهما ان يحيي ابن المغيرة الرازي قال: «كنت عند جرير بن عبدالحميد اذ جاءه رجل من أهل العراق، فسأله جرير عن خبر الناس. فقال: تركت الرشيد، و قد كرب قبر الحسين عليه السلام و أمر أن تقطع السدرة فقطعت. فرفع جرير يديه و قال الله اكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله (ص) أنه قال: لعن الله قاطع السدرة ثلاثا. فلم نقف علي معناه حتي الآن، لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين حتي لا يقف الناس علي قبره».

[6] تأريخ كربلاء: (ص 198).