هربه الي الديلم
و خاف يحيي علي نفسه و علي أصحابه من هارون فمضي متخفيا و متنكرا مع سبعين رجلا من أصحابه الي الديلم فلما وصل اليها استقبل باستقبال حاشد و ظهر أمره و دعا الناس الي نفسه فاستجابوا له، و نزع اليه الناس من سائر الأمصار و الأقطار، ففزع الرشيد من ذلك فزعا شديدا فترك شرب الخمر و اشتغل بالتفكير في أمره، و بينما هو مشغول في أمره اذ دخل عليه رجل فقال له: يا أميرالمؤمنين نصيحة. فقال الرشيد: لهرثمة اسمع ما يقول، فأبي الرجل أن يخبر بأي شي ء و قال: انها من أسرار الخلافة فأمره أن لا يبرح من مكانه حتي يفرغ من بعض شؤونه فلما فرغ استدعي به فطلب منه
[ صفحه 92]
اخلاء المجلس من كل انسان فأمر الرشيد بانصراف من كان معه و قال له:
- هات ما عندك
- علي أن تؤمنني من الأسود و الأحمر؟
- نعم و أحسن اليك
- كنت في خان من خانات حلوان فاذا انا بيحيي بن عبدالله في دراعة صوف غليظة، و كساء صوف أحمر غليظ و معه جماعة ينزلون اذا نزل، و يرتحلون اذا رحل، و يكونون معه ناحية فيوهمون من رآهم أنهم لا يعرفونه و هم أعوانه.
قال الرشيد: أو تعرف يحيي؟
قال قديما و ذاك الذي حقق معرفتي بالأمس له.
قال: صفه لي
فوصفه بجميع صفاته
قال الرشيد: هو ذاك. فما سمعته يقول؟.
قال: ما سمعته يقول شيئا، غير اني رأيته، و رأيت غلاما له أعرفه لما حضر وقت الصلاة أتاه بثوب غسيل فألقاه في عنقه، و نزع جبة من الصوف ليغسلها، فلما كان بعد الزوال صلي صلاة ظننتها العصر، أطال في الأولتين و حذف الأخيرتين.
قال الرشيد: لله أبوك!! لجاد ما حفظت تلك صلاة العصر و ذلك وقتها عند القوم، أحسن الله جزاءك و شكر سعيك، فما أنت و ما أصلك؟؟.
قال: انا رجل من أبناء هذه الدولة، و أصلي مرو، و منزلي بمدينة السلام.
و اغتم الرشيد، و طافت به أفكار مبرحة و هواجس مريرة و أخذ يطيل التفكير في ذلك فرأي أن لا وسيلة له الا الحرب.
[ صفحه 93]