بازگشت

قدومه لبغداد


قدم يحيي الي بغداد و نفسه مترعة بالألم و الحزن لعلمه ان هارون لا يفي بعهده و وعده، و جاء الي الرشيد تحف به زمرة من أصحابه فقام اليه و عانقه و أظهر له الود الكاذب، و أمر له بالوقت بمائتي الف دينار فأخذها و أوفي بها دينا كان للحسين صاحب واقعة فخ و لم يتصرف بها و مكث في بغداد، و قد وضع عليه الرشيد العيون و الجواسيس يراقبونه و يتعرفون علي من يفد اليه من أصحابه و شيعته، و في نفس الوقت كان يدبر الحيلة في اغتياله و قتله فشعر بذلك يحيي فطلب من الفضل أن يسمح له بالوفادة لبيت الله الحرام فامتنع من اجابته - أولا - ولكنه توسل اليه و التمس منه ذلك فأذن له، و علم الرشيد بذلك فدعا بالفضل فلما مثل عنده قال له:

- ما خبر يحيي بن عبدالله؟.

- في موضعه عندي مقيم.

- و حياتي

فأحس الفضل بذلك فقال له: و حياتك اني أطلقته سألني برحمة من رسول الله فرققت له.



[ صفحه 95]



قال الرشيد: أحسنت قد كان عزمي أن أخلي سبيله.

و خرج الفضل و هارون يتميز من الغضب و الغيظ و ألحقه بنظرة مريبة قائلا: «قتلني الله ان لم أقتلك» و لما انتهي يحيي من حجة قدم قافلا الي بغداد، و الرشيد مهتم في أمره يتحين الفرص لنقض عهده و قتله، فبعث خلفه فلما حضر عنده قال له:

يا يحيي، أينا أحسن وجها أنا أو أنت؟.

- بل أنت يا أميرالمؤمنين، انك لأنصع لونا و أحسن وجها.

- فأينا أكرم و أسخي أنا أو أنت؟.

و لم تكن هذه الأسئلة الا دليلا علي غروره و قلة حيائه و صفاقة وجهه و تماديه في الاثم و الطيش وانبري يحيي الي جوابه قائلا له:

- و ما هذا يا أميرالمؤمنين؟!! و ما تسألني عنه، أنت تجبي اليك خزائن الأرض و كنوزها، و أنا اتمحل من سنة الي سنة.

فخجل هارون من سؤاله و قال له: أينا أقرب الي رسول الله (ص) أنا أو أنت؟.

قال يحيي: قد أجبتك عن خطتين فاعفني عن هذه.

و انما تنصل من الجواب لعلمه بأنه يسبب له مشكلة لا يتمكن من الخلاص منها فأصر هارون علي أن يجيبه و لم يجد يحيي بدا من ذلك فقال له:

يا أميرالمؤمنين، لو عاش رسول الله (ص) و خطب اليك ابنتك أكنت تزوجه؟!

قال هارون: أي و الله.

قال يحيي: فلو عاش فخطب مني ابنتي أكان يحل لي أن أزوجه؟.

قال الرشيد: لا.

قال يحيي: هذا جواب ما سألت.



[ صفحه 96]



فغضب الرشيد، و لم يملك جوابا لرده، و أمر باعادته الي السجن، و أخذ يطيل التفكير في أمره فعن له أن يجمع بينه و بين عبدالله بن مصعب ابن الزبير - و كان من أعدي الناس للعلويين - لعله يجد في ذلك مجالا لرميه بالخروج من الطاعة ليتخذ من ذلك مبررا في نقض عهده و قتله فجمع بينهما فانبري عبدالله قائلا:

«يا أميرالمؤمنين، هذا دعاني الي بيعته».

قال يحيي: أتصدق هذا و تستنصحه؟ و هو ابن عبدالله بن الزبير الذي أدخل أباك و ولده الشعب و أضرم عليهم النار حتي خلصهم أبوعبدالله الجدلي صاحب علي بن أبي طالب (ع) عنوة، و هو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلي علي النبي (ص) في خطبته حتي التاث عليه الناس، فقال: ان له أهل بيت سوء اذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم و اشرأبوا لذكره و فرحوا بذلك، فلا أحب أن أقر أعينهم بذكره، و هو الذي فعل بعبدالله ابن العباس ما لا خفاء به عليك، حتي ذبحت يوما عنده بقرة فوجدت كبدها قد نقبت فقال له ابنه: يا أبة أما تري كبد هذه البقرة؟ فقال: يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك، ثم نفاه الي الطائف فلما حضرته الوفاة قال لعلي ابنه: يا بني، الحق بقومك من بني عبد مناف بالشام، و لا تقم في بلدة لابن الزبير فيه امرة، فاختار له صحبة يزيد بن معاوية علي صحبة عبدالله بن الزبير و والله ان عداوة هذا لنا جميعا بمنزلة سواء، ولكنه قوي علي بك و ضعفت عنك فتقرب بي اليك ليظفر منك بما يريد اذ لم يقدر علي مثله منك، و ما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في.

و أخذ يحيي يدلي بمنطقه الفياض علي بغض آل الزبير لبني العباس فقال عبدالله: ما تدعون بغيكم علينا و توثبكم في سلطاننا، فأعرض يحيي بن جوابه و قال يخاطب هارون:



[ صفحه 97]



«أتوثبنا في سلطانكم؟ و من أنتم - أصلحك الله - عرفني فلست أعرفكم».

فرفع الرشيد رأسه الي السقف لئلا يبدو عليه الضحك و خجل ابن الزبير و لم يطق جوابا و التفت يحيي الي الرشيد قائلا: فهو الخارج مع أخي علي أبيك و القائل له:



ان الحمامة يوم الشعب من دثن [1] .

هاجت فؤاد محب دائم الحزن



انا لنأمل أن ترتد الفتنا

بعد التدابر و البغضاء و الاحن



حتي يثاب علي الاحسان محسننا

و يأمن الخائف المأخوذ بالدمن



و تنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن



فطالما قد بروا بالجور أعظمنا

بري الصناع قداح النبع بالسفن



قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

ان الخلافة فيكم يا بني الحسن



و أخذ يحيي يتلو بقية ما قاله عبدالله فتغير وجه الرشيد، و أخذ عبدالله يحلف له بالأيمان المغلظة انها ليست له فطلب منه يحيي أن يقسم بيمين خاص و هو - يمين البراءة من حول الله و قوته - فامتنع عبدالله من ذلك فغضب الرشيد منه و رفسه الفضل بن يحيي برجله و صاح به احلف فحلف باليمين المذكور، فما برح من موضعه حتي أصابه الجذام فتقطع و مات في اليوم الثالث.

و دلت هذه القصة علي مدي انتقام الرشيد من العلويين و محاولته بكل صورة الفتك بهم غير معتن بقرابتهم من رسول الله (ص) و ما لهم من الكرامة و الفضل عند الله.



[ صفحه 98]




پاورقي

[1] دثن الطائر تدثينا: طار و أسرع في السقوط في مواضع متقاربة و في الشجرة اتخذ فيها عشا.