بازگشت

ميزانيته العامة


و أضخم ميزانية للدولة الاسلامية كانت في عهد هارون فقد توفر له من المال ما لم يتوفر لاحد من ملوك المسلمين فقد روي ابن خلدون ان المحمول الي بيت المال في ايام الرشيد بلغ 7500 قنطارا في كل سنة [1] و قدر الجهشياري مجموع الواردات بما يقرب من خمسمائة مليون درهم و مائتين و أربعين الف درهم [2] هذا مع العلم ان الدينار في ذلك الوقت كانت له أهمية بالغة لا تقاس بما نحن عليه اليوم، فقد كان الكبش يباع بدرهم، و الجمل بأربعة دنانير، و التمر ستون رطلا بدرهم، و الزيت ستة عشر رطلا بدرهم، و السمن ثمانية أرطال بدرهم، و اجرة البناء الاستاذ بخمس حبات و من المعلوم في أيامهم ان الحبة كانت ثلث الدرهم، و الدانق سدس الدرهم [3] و علي هذا فميزانية دولة هارون السنوية كانت بحسب سعر الدينار العراقي الحالي «مليارين و مائتين و عشرين مليون دينارا و تسعمائة و ستين الف دينار» [4] و هي ميزانية ضخمة لم تستورد مثلها أي حكومة في العالم قبل حكومة الرشيد

و كانت هذه الواردات الهائلة تجبي مما يلي:

أولا - انها تجبي من الخراج و هو مقدار من المال أو الحاصلات قد فرضت علي الاراضي التي كان يملكها المشركون قبل الفتح



[ صفحه 30]



ثانيا - انها تجبي من الجزية و هي ما يدفعه الذميون الي الدولة الاسلامية لقيامها بحمايتهم، كما انها في نفس الوقت تكون بدلا من الضرائب التي تؤخذ من المسلمين، و لم يكن في اخذها اي ضرر علي الذمي - كما يقول بذلك اعداء الاسلام - فانها عوض لما تقوم به الدولة من الخدمات و المصالح الاجتماعية لهم و لغيرهم.

و كان ما يدفعه الذمي من الجزية في عهد الرشيد يختلف بحسب ثرائه و يتراوح ما يؤخذ منه مابين أربعة عشر درهم الي ثمانية دراهم، و لا يؤخذ شي ء من المرأة و المعدم و الطفل [5] .

ثالثا - انها تجبي من الزكاة، و هي ذات وارد خطير، و هي تجب فيما يلي:

1 - تجب في النقدين الذهب و الفضة، فنصاب الذهب عشرون دينارا [6] فمن ملكها وجب عليه دفع نصف دينار، و ما زاد عليها يؤخذ من كل أربعة قيراطان و نصاب الفضة مائتا درهم، و زكاتها خمسة دراهم، و كل ما زاد اذا بلغ الاربعين كان فيه درهم بالغا ما بلغ، و ذكر فقهاء الاسلام شروطا في زكاة النقدين لا تجب الزكاة الا مع توفرها.

2 - تجبي من الانعام الثلاثة الابل و البقر و الغنم بأنواعها من عراب [7] و بخاتي [8] و بقر و جاموس و معز و ضأن، و يجب أن تتوفر فيها الشروط من بلوغ النصاب و السوم و غيرهما حسب ما ذكره الفقهاء.

3 - تجبي من الغلات الاربع و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،



[ صفحه 31]



و يشترط فيها بلوغ النصاب و غيره من الشروط التي ذكرها الفقهاء.

و الزكاة فريضة اسلامية تقاتل عليها الدولة، و تحكم بردة من لم يدفعها و هي ذات وارد ضخم تفي بكثير من شؤون الدولة، و حاجات الفقراء، و كان لها ديوان خاص في بغداد، و له فروع في انحاء البلاد.

هذه بعض واردات الدولة التي اسسها الاسلام لسد شؤونها الاقتصادية و هي واردات ضخمة لو طبقتها الدولة الاسلامية لما اصابها أي عجز مالي و ما احتاجت الي القرض من الدول الاجنبية التي جعلتها تحت مناطق نفوذها كما ان الدول الاسلامية لو انفقت خزينتها علي مصالح المسلمين، و سارت في سياستها المالية علي وفق ما أثر عن الاسلام في ذلك لما انتشر الفقر و الحرمان في ربوع المجتمع، و ما غزتهم الافكار الالحادية و المبادي ء الهزيلة التي تهدد كيانهم و تنذرهم بالويل و الدمار.

علي من ينفق بيت المال؟

ان الاموال التي جبيت لخزينة هارون قد ضربت الرقم القياسي في ضخامتها - كما ذكرنا - و من المؤسف انه لم يصرف الكثير منها علي صالح المسلمين، و انما انفقت علي التفنن علي في الملذات و الشهوات و تشييد القصور التي كانت تعج بالمغنيات و الماجنين كما بذلت للشعراء الذين أوقفوا نشاطهم الفكري علي المدح و الثناء، و اضافة النعوت الكريمة لهارون، و الحاقة بمصاف الخلفاء الذين احتاطوا في أمور المسلمين.

و علي أي حال فان هارون قد انفق الكثير من خزينة بيت المال علي ما يلي من شهواته:


پاورقي

[1] المقدمة (ص 117 - 118).

[2] الوزراء و الكتاب (ص 288).

[3] هارون الرشيد لاحمد أمين (ص 88).

[4] هارون الرشيد للجومرد 2 / 362.

[5] الأحكام السلطانية (ص 175).

[6] الدينار: يساوي مثقالا، و هو يساوي عشرين قيراطا.

[7] العراب: النوع الاصيل من الابل.

[8] البخاتي: الابل الخراسانية.