بازگشت

اضطهاد الملحدين


و قامت السلطات الحاكمة في العصر العباسي باضطهاد الزنادقة اضطهادا رسميا في السنوات الاخيرة من خلافة المهدي، و ابان خلافة الهادي القصيرة الأجل ففي سنة (163 ه) بدأت حملة المهدي علي الزنادقة بأن أمر عبدالجبار المحتسب الذي لقبه صاحب (الأغاني) بلقب (صاحب الزنادقة) بالقبض علي كل الزنادقة الموجودين داخل البلاد، فقبض علي من استطاع القبض عليه، و جي ء بهم مخفورين الي الخليفة الذي كان مقيما آنذاك في (دابق) فأمر بقتل بعضهم و التنكيل بالبعض الآخر حتي بلغ الاضطهاد غايته ما بين سنة 166 ه الي سنة 170 ه و كان يقوم بتعذيبهم قضاة مخصوصون أشهرهم عبدالجبار الذي ذكرناه آنفا، و عمر الكلوزي الذي عين في هذه الوظيفة سنة 167 ه ثم محمد بن عيسي الذي خلف عمر.



[ صفحه 135]



لقد قام المهدي بحملة واسعة النطاق ضد الزنادقة، فأنشأ ديوانا خاصا بهم، و قد اجتهدت سلطات الأمن و المباحث في التفتيش عنهم فمن ظفروا به نفذوا فيه حكم الاعدام الا أن يعلن التوبة و يثوب الي الرشاد، و لم يكتف المهدي بذلك، و انما قام بنفسه يجوب في الأقطار للتفتيش عنهم، فرحل الي بلاد الشام، و أقام بها يبحث عنهم، فعلم أن جماعة منهم قد هربوا من العراق الي حلب فأمر بالقاء القبض عليهم، و سوقهم الي المحاكم، و بعد القاء القبض عليهم ثبت اتهامهم بالزندقة فأمر باعدامهم جميعا [1] .

لقد امعن المهدي في تتبع الزنادقة، و قتلهم يقول السيوطي: «وجد المهدي في تتبع الزنادقة و ابادتهم، و البحث عنهم في الآفاق، و القتل علي التهمة» [2] و لما حضرته الوفاة عهد الي ولده الهادي في قتلهم، و قد أوصاه بهذه الوصية:

«يا بني، ان صار لك هذا الأمر فتجرد لهذه العصابة - اي الزنادقة - فانها فرقة تدعوا الناس الي ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، و الزهد في الدنيا، و العمل للآخرة، ثم تخرجها الي تحريم اللحم، و مس الماء الطهور و ترك قتل الهوام تحرجا و تحوبا، ثم تخرجها من هذا الي عبادة اثنين: أحدهما النور، و الآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات و البنات و الاغتسال بالبول، و سرقة الاطفال من الطريق، لتنقذهم من ضلال الظلمة الي هداية النور فارفع فيها الخشب، و جرد فيها السيف، و تقرب بأمرها الي الله الذي لا شريك له. فاني رأيت جدك العباس في المنام قلدني سيفين، و أمرني بقتل اصحاب الاثنين...» [3] .



[ صفحه 136]



و قد نفذ الهادي وصية أبيه فأشاع القتل و الاعدام في الزنادقة، و سار من بعده الرشيد و سائر ملوك بني العباس فلم يتركوا مجالا للأوكار التخريبية أن تعمل في افساد المسلمين و قضوا علي جميع دعاة الالحاد و الزندقة.

لقد كان الخلفاء يستخدمون جميع الوسائل لمحاربة الزندقة و القضاء علي هذه الروح الخبيثة، فاذا قبضوا علي الزنديق طلبوا منه أن يبصق علي صورة ماني أو يذبح طائرا اسمه (التذرج)، اما البصق علي صورة ماني فالمقصود منه تحقير مبتدع الفكرة المانوية و هو دليل في نفس الوقت علي رجوع الزنديق عن فكرته، و المقصود من ذبح الطائر أن ذبح الحيوان الحي كان محرما عند المانوية أما الحكمة في ذبح الطائر (تذرج) فلا تكشف عنها المصادر التي بأيدينا كما يقول الاستاذ جورج فيدا [4] .

و مهما يكن من أمر فان الحملة التي شنها الخلفاء علي الزنادقة كانت شديدة للغاية، و لكن بمزيد الأسف ان العقاب الصارم كان علي الأبرياء اكثر منه علي الزنادقة الحقيقين كما سنبينه.


پاورقي

[1] الاغاني 6 / 67.

[2] تأريخ الخلفاء: ص 273.

[3] الطبري 6 / 388.

[4] الالحاد في الاسلام: ص 28 - 29 نقلا عن مجلة الدراسات الشرقية 14 / 173 - 229.