بازگشت

التنكيل بالشيعة


و لما كانت الشيعة أقوي المنظمات التي تطالب المسؤولين بالعدالة الاجتماعية و القيم الانسانية، تعرضت للنقمة البالغة من قبل الولاة و الملوك، فاستعملوا معهم جميع أساليب القهر و البطش، و حرموهم من الحياة و الحرية، فأودعوهم في غياهب السجون و الطوامير، و طاردوهم و نكلوا بهم أمر التنكيل و أفضعه فقطعوا ايديهم و ارجلهم، و سملوا أعينهم، و صلبوهم علي جذوع النخل [1] .



[ صفحه 183]



و قد انفتح عليهم باب الظلم و الجور من أيام معاوية، فقد رفع مذكرة الي جميع عماله و ولاته جاء فيها:

«انظروا الي من قامت عليه البينة انه يحب عليا و اهل بيته فامحوه من الديوان، و أسقطوا عنه عطاءه و رزقه» ثم شفع ذلك بنسخة أخري جاء فيها: «و من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم - يعني العلويين - فنكلوا به و اهدموا داره» [2] .

و تحدث الامام الباقر (ع) عن المحن و الخطوب التي صبها الظالمون علي شيعتهم، فقال: «و قتلت شيعتنا بكل بلدة، و قطعت الأيدي و الأرجل علي الظنة، و كان من يذكر بحبنا و الانقطاع الينا سجن أو نهب ماله او هدمت داره» [3] .

لقد لاقت الشيعة في تلك الادوار المظلمة من المشكلات السياسية و المعضلات الاجتماعية الشي ء الكثير، الذي لا سبيل الي تصويره في فضاعته و مرارته. و قد نسب الي بعض أئمة الشيعة شعر ذكر فيه الكوارث التي حلت بهم، فقال:



نحن بنو المصطفي ذوو محن

يجرعها في الأنام كاظمنا



عظيمة في الأنام محنتنا

أولنا مبتلي و آخرنا



يفرح هذا الوري بعيدهم

و نحن أعيادنا مآتمنا



ان الأعياد الاسلامية التي يفرح بها جميع المسلمين، قد جعلوها مآتما لهم نظرا لما لحقهم من الهوان، فان التهمة بالتشيع في ذلك العصر كانت من أهم الجرائم التي تستوجب الارهاق و التنكيل، بل كان مجرد الاتصال بالشيعة او السلام عليهم موجبا للقتل و التنكيل. فهذا ابراهيم بن هرثمة لما



[ صفحه 184]



دخل المدينة أتاه رجل من العلويين فسلم عليه، فقال له ابراهيم: «تنح عني لا تشط بدمي» [4] و قد أشار منصور النمري في بعض قصائده الي الأذي و الجور الذي لحق الشيعة بقوله:



آل النبي، و من يحبهم

يتطامنون مخافة القتل



أمن النصاري و اليهود و هم

عن أمة التوحيد في عزل



و كان الفضل بن دكين يتشيع، فجاء اليه ولده و هو يبكي، فقال له: مالك؟ فقال: يا أبتي! ان الناس يقولون انك تتشيع، فأنشأ يقول:



و ما زال كتمانيك حتي كأنني

برجع جواب السائلين لأعجم



لأسلم من قول الوشاة و تسلمي

سلمت و هل حي علي الناس يسلم [5] .



ان بكاء ولده انما كان من الخوف الذي داخله من هذه التهمة التي تستوجب البطش و النقمة من المسؤولين، فقد كان كل من يتهم بالولاء لأهل البيت (ع) معرضا للمحنة و البلاء. فهذا عبدالله بن عامر الشاعر الشهير المعروف ب(العبلي) يشير في بعض قصائده الي مالاقاة من الارهاق في سبيل محبته للامام علي و أبنائه (ع) بقوله:



شردوا بي عند امتداحي عليا

و رأوا ذاك في داءا دويا



فوربي ما أبرح الدهر حتي

تختلي مهجتي بحبي عليا



و بنيه لحب احمد اني

كنت أحببتهم بحبي النبيا



حب دين لا حب دنيا و شر

الحب حب يكون دنيويا



[ صفحه 185]



صاغني الله في الذوابة منهم

لا ذميما و لا سنيدا دعيا



و قال الطغرائي:



حب اليهود لآل موسي ظاهر

و ولاؤهم لبني أخيه بادي



و امامهم من نسل هارون الأولي

بهم اهتدوا و لكل قوم هاد



و كذا النصاري يكرمون محبة

لنبيهم نجرا من الاعواد



و متي تولي آل احمد مسلم

قتلوه أو وصموه بالالحاد



هذا هو الداء العضال

لمثله ضلت عقول حواضر و بواد



لم يحفظوا حتي النبي محمد

في آله و الله بالمرصاد



و قال شاعر آخر:



ان اليهود بحبها لنبيها

أمنت معرة دهرها الخوان



و ذوو الصليب بحب عيسي اصبحوا

يمشون زهوا في قري نجران



و المؤمنون بحب آل محمد

يرمون في الآفاق بالنيران



و اتخذت السلطات جميع التدابير ضد من يمدح العلويين أو يذكرهم بخير كما عمدت الي ارهاق العلويين. فقد صدر مرسوم ملكي من بغداد الي مصر جاء فيه: أن لا يقبل علوي ضيعة، و لا يركب فرسا، و لا يسافر من الفسطاط الي طرف من أطرافها، و ان يمنعوا من اتخاذ العبيد الا العبد الواحد، و ان كان بين علوي و بين أحد من سائر الناس خصومة فلا يقبل قول العلوي و يقبل قول خصمه دون بينة [6] و كانوا يسفرون بين آونة و أخري من أطراف البلاد الي العاصمة ليكونوا تحت الرقابة، و قد أمر الرشيد عامله علي المدينة أن يضمن العلويون بعضهم بعضا، و يعرضوا في



[ صفحه 186]



كل يوم علي السلطة المحلية، فمن غاب عوقب [7] .

و هكذا اتخذ الجائرون جميع الوسائل للتنكيل بالعلويين و شيعتهم حتي بلغ بهم الحقد أن من يذكر أئمة أهل البيت (ع) نال العقوبة و البطش. فقد ذكر المقريزي: أن يزيد بن عبدالله أمير مصر، أمر بضرب جندي تأديبا لشي ء صدر منه، و كان عقابه بسيطا، فلما أحس الجندي بألم السوط أقسم علي الأمير بحق الحسن و الحسين (ع) أن يعفو عنه، فأمر الأمير بضربه ثلاثين سوطا جزاءا لهذا القسم. و كتب الي المتوكل في بغداد يخبره بأمر الجندي، فأمره المتوكل أن يضربه مائة سوط و أن يحمله الي بغداد [8] .

و ألقي بعض الشعراء عند المتوكل قصيدة نال فيها من العلويين و شيعتهم فأمر ان ينثر علي رأسه ثلاثة آلاف دينار، و ان تلتقط له، و عقد له علي امارة البحرين و اليمامة، و خلع عليه اربع خلع [9] .

لقد كانت محنة الشيعة في تلك العهود شاقة و عسيرة فقد لاقت اعنف المشاكل السياسة و الاجتماعية، و منيت بالحرمان من جميع الحقوق الطبيعية، و لا نحسب أن هناك طائفة واجهت من الاضطهاد و الجور كما واجهته الشيعة، فقد امعن حكام الامويين و العباسيين في اذلالهم، و ارغامهم علي ما يكرهون.



[ صفحه 187]




پاورقي

[1] شرح ابن أبي الحديد: 3 / 15.

[2] حياة الحسن بن علي: 2 / 306 - 307.

[3] شرح ابن ابي الحديد: 3 / 15.

[4] تاريخ بغداد: 6 / 127.

[5] تاريخ بغداد: 12 / 351.

[6] الولاة و القضاة للكندي: 198.

[7] الامام الصادق و المذاهب الأربعة: 1 / 117.

[8] تاريخ بغداد: 4 / 153.

[9] ابن الأثير 7 / 38.