بازگشت

الامامية


تمسكت هذه الطائفة بجوهر الاسلام و واقعه، و سايرت موكب العترة الطاهرة - التي أذهب الله عنها الرجس - و دانت بجميع ما أثر عنها في أصول الاسلام و فروعه، حتي عرف مذهبها بمذهب أهل البيت عليهم السلام، و هي تمتاز عن بقية المذاهب الاسلامية بما يلي:

1 - انها فتحت آفاق العقل، و لما تجعله بمعزل عن واقع الحياة،



[ صفحه 198]



و جعلت مدركاته احدي الأدلة الاربعة التي يستنبط منها الفقيه الحكم الشرعي كما جعلته حاكما في الاخبار المتعارضة فما اتفق منها مع حكمه كان حجة و ما شذ عنه فهو زخرف، و بذلك كانت من أشد الطوائف الاسلامية و غيرها عناية بحكم العقل و تحرره، و تحكيمه في جميع الأحداث.

2 - انها فتحت باب الاجتهاد، و لم تغلقه، و بذلك فقد ساير فقهها تطور الزمن، و عالج جميع الاحداث المستجدة التي لم يرد فيها نص، و قد أوجب ذلك تطورا هائلا في الفقه الشيعي، و احتل الصدارة في الفقه الاسلامي من حيث جدته و عمقه و تطوره... و قد نالوا بذلك اعجاب رجال الفقه و القانون في العالم، يقول الاستاذ محمد ابوزهرة: «و انهم - أي الشيعة - لم يخضعوا لنظام السلطة في غلق باب الاجتهاد، و لم يكن تعليمهم يدخل تحت نظام الدولة، و لم تخضع مدارسم لذلك المنهج الذي سارت عليه اكثر المدارس الاسلامية. بل ساروا علي منهج اهل البيت في عدم مؤازرة الدولة، و باب الاجتهاد عندهم لم يغلق، و لا زال مفتوحا، و هذا مما يفاخر به الشيعة سائر جماعات المسلمين اليوم...» [1] .

3 - انها تملك تراثا نديا ضخما مما أثر عن أئمتهم عليهم السلام، و هو حافل بجميع مقومات النهوض و الارتقاء، ففيه عرض رائع لقواعد الآداب، و السلوك و الاجتماع، و الحكم و الاخلاق كما عرض الي الاسس الخلاقة للتطور الاقتصادي و الاجتماعي للأمة، و عني بالشؤون الادارية و السياسية، و غيرها من المقومات الفكرية و الاجتماعية لحياة الانسان و حضارته، و قد عرض الي ذلك كله نهج البلاغة للامام اميرالمؤمنين عليه السلام، و هو أجل كتاب بعد القرآن الكريم و هو يشتمل علي رصيد هائل من العلوم، و بصورة جازمة انه لم تكتشف بعض اسرار فصوله خصوصا فيما يتعلق بخلق السماوات و غيرها، فانها



[ صفحه 199]



لا تزال غامضة عند الكثيرين من شراح كلامه (ع)، و عند الشيعة الصحيفة السجادية التي هي انجيل آل محمد (ص) و هي حافلة بأروع تراث فكري لم تجد له الانسانية مثيلا، و هذا الكتاب العظيم من ادعية الامام زين العابدين عليه السلام، و له (رسالة الحقوق) و قد عنت بذكر حقوق الأمة علي الدولة و بحقوق الدولة علي الامة، و حقوق افراد المجتمع فيما بينهم، و هو علي ايجازه من أجل ما الف في الاسلام.

و اذا استعرضنا مما أثر عن الامام الصادق (ع) و بقية أئمة اهل البيت عليهم السلام فانا نجد سيلا من العلوم و الفنون قد فتقوا أبوابها، و وضعوا أسسها، كعلم النبات و الكيمياء و الطب، و غيرها من العلوم التي ساهمت في تطور الحياة العلمية و الفكرية في تلك العصور، و امتدت موجاتها الي بقية العصور.

ان الطائفة الامامية بكل اعتزاز و فخر تملك اضخم تراث علمي لا تملكه أي طائفة اخري سواء أكانت دينية أم من ذوي المذاهب الاجتماعية

4- انها عنت بفلسفة الحكم بصورة موضوعية، و عميقة فقد التزمت بالامامة، و هي - حسب ما حدد لها المتكلمون من قيم و مفاهيم - انما تهدف الي الحكم الصالح الذي جاء به الاسلام، و هو بجميع خطوطه العريضة مبني علي العدل الخالص، و الحق المحض الذي تتطور به الامة في مجالاتها الاقتصادية و الاجتماعية، و تصان في ظلاله جميع حقوقها و مصالحها.

ان فلسفة الامامة التي تذهب اليها الشيعة الامامية انما تعني بشكل ايجابي و بناء سياسة الحكم في البلاد فهي تقوم عندهم علي أساس وثيق من العدل لا يمكن بأي حال أن ينفذ خطوطه و اهدافه الا الامام المعصوم الذي لا يخضع لمنطق العاطفة، و الميول، و انما يسير علي وفق منطق الصالح العام، و قد رأينا ذلك في حكومة الامام علي عليه السلام، فقد سار بين المسلمين بسياسة



[ صفحه 200]



لم يشاهد المسلمون و غيرهم نظيرا لها في جميع مراحل التأريخ، عدلا في الرعية، و مساواة بين الناس، و تنكرا للمصالح الفردية الخاصة، و غير ذلك مما لم يؤثر بعضه عن اي حاكم في الاسلام.

و علي اي حال فالامامة بشكلها الموضوعي عند الامامية تقوم علي اساس عميق من الوعي و الادراك، و هي مدعمة بأروع الادلة و أوثقها من الكتاب و السنة و حكم العقل حسب ما دلل عليه متكلموهم، و لا مجال فيه للحكم عليهم بالانزلاق في تيارات الميول و العواطف كما يقول بذلك بعض خصومهم.

5 - انها تبرأ من الغلو في الأئمة عليهم السلام، و تحكم بأنه مروق من الدين - كما سنذكره -.

هذه بعض الامور الجوهرية التي تمتاز بها الامامية علي بقية طوائف الشيعة.


پاورقي

[1] الشافعي: ص 234.