بازگشت

لا تنظر الي تقييم الناس لك بل انظر الي عمق الواقع عندك


و في حديث آخر رواه الكشي في رجاله عن حمدويه بن نصير قال: حدثني محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس بن عبدالرحمن قال: قال العبد الصالح «و المراد به الامام الكاظم»: يا يونس ارفق بهم فأن كلامك يدق عليهم قال: قلت: أنهم يقولون لي: زنديق، قال لي: و ما يضرك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، و ما ينفعك أن تكون في يدك حصاة فيقول الناس أنها لؤلؤة [1] .

و هذه الوصية تتحرك في المواقع التي يقف فيها المفكرون الاسلاميون أو الدعاة الي الله، فيما يطلقونه من أفكار، و فيما يتحركون من مواقف مما قد لا يرتاح الناس اليه، فيما لا يألفونه من أمور العقيدة أو الحياة فيخيل اليهم أنه زندقة أو انحراف و ضلال، لأنهم لم يأخذوا بالجذور العميقة للعقيدة، و لم يطلعوا علي الخط المستقيم في نظرة الاسلام الي الحياة فكيف يتصرف هؤلاء المفكرون أو الدعاة أمام ذلك؟

هل ينسحبون من الميدان تاركين الناس في جهلهم و في تخيلاتهم و أوهامهم، أو يبقون علي اصرارهم فيما يعتقدون و فيما يقررون مهما كانت النتائج؟

ان الامام (ع) يريد لهم - فيما قاله ليونس أن يرفقوا بالناس فيأخذوا



[ صفحه 38]



بأساليب البساطة ليقربوا لهم الفكرة بالطريقة التي تتناسب مع عقولهم بعيدا عن كل عناصر الاثارة التي تثير الحساسيات الخاصة علي مستوي عقلية الجماهير المملوءة بالكثير من الأوهام و الخيالات، مما يحتاج الي الكثير من الجهد الفكري من أجل ازالته و السيطرة عليه، لأن المواجهة المباشرة، و الاثارة العنيفة قد تزيد الموقف تعقيدا، و قد تثير عصبياتهم بطريقة عدوانية و تعمق ضلالهم، و تحولهم الي شخصيات هائجة من مواقع الجهل و التخلف.

و هذا هو خط الحكمة في معالجة حالات الانحراف الجماهيري فيما تعيشه الجماهير من التصورات التي تمتزج فيها الحقيقة بالخرافة، و اليقين بالوهم، مما يضيفونه من تقاليدهم و أوضاعهم بطريقة معقدة... فان المسألة المطروحة هي أن نصل الي قناعاتهم لا الي اثارتهم، و ربما كان ذلك مقتضيا لدراسة معمقة واقعية للذهنية العامة للأمة، و للأفكار المطروحة في داخلها، و للوسائل العملية المؤثرة في الانفتاح عليها، الأمر الذي يجعل الداعية معنيا بأن يبحث عن مفاتيح العقول و القلوب للأفراد و الجماعات.

و يريد لهم - فيما قاله ليونس - أن لا يسقطوا أمام الكلمات القاسية فيما يرميهم به الجاهلون و المتخلفون، و لا يتعقدوا منها لينسحبوا من المسؤولية في الاستمرار علي الخط و في الثبات في صعيد المواجهة لأن الانسان المؤمن لا يستعير ثقته بنفسه من خلال كلمات الناس عنه، ليبقي في موقف المترقب لما يقولونه عنه، ليقوي أو يضعف تبعا للكلمات الايجابية أو للكلمات السلبية عنه، بل ينطلق في ثقته بنفسه من نظرة موضوعية جادة الي كل العناصر الواقعية التي تمثل حجم طاقاته، فيما هو الكم و الكيف، ليحكم لنفسه أو عليها تبعا لذلك من دون ملاحظة لأي شي ء خارج عن طبيعته الذاتية... و بذلك يمكنه أن يحافظ علي توازنه في جميع الحالات المحيطة به، فلا يغتر بالكلمات التي تمنحه ضخامة في الشخصية لا يملكها فيما يعرفه عن نفسه و لا يسقط أمام الكلمات التي تسلبه صفاته الحقيقية مما يملكه في وجوده.



[ صفحه 39]



و هذا هو الخط العملي الذي يمثل القوة الحقيقية للموقف الثابت الواثق بنفسه المنفتح علي الأهداف الكبيرة فيما هي المسيرة الاسلامية بعيدا عن كل حالات الاهتزاز التي قد يثيرها الآخرون من أعداء الاسلام و المسلمين، فيما يحاولون أن يحركوها في أجهزة اعلامهم المعادي الذي يستهدف اسقاط مستويات الأمة و ايجاد حالة من فقدان الثقة بقدرتها علي الثبات في مواجهة التحديات و ذلك من خلال الايحاء الدائم بنقاط الضعف التي يخترعونها و بالاتهامات التي يصوغونها و يحركونها كذبا و افتراء، و بالعناوين المثيرة التي يضعونها علي كثير من أوضاع الأمة مما يمكن أن يخضع لأكثر من عنوان، كما نلاحظ في عناوين التعصب و التطرف التي يطلقونها علي الاسلاميين الحركيين و في عنوان الارهاب الذي يحركونه في سلوك المجاهدين من أجل الحرية علي خط الاسلام ضد المستكبرين الذين يضطهدون حرية الشعوب المستضعفة.

ان الامام يقول لكل العاملين و المجاهدين: أدرسوا كل المعطيات المتوفرة لديكم مما تملكونه من حقائق و حاولوا أن تركزوا مسألة التقويم للذات الفردية أو الجماعية بشكل موضوعي واقعي لا يتأثر بالانفعالات التي تخضع لتضخيم الموقع أو تقزيمه بفعل بعض المؤثرات الداخلية أو الخارجية... الأمر الذي يضع المواقع و المواقف في نصابها الصحيح.

و اذا كان الامام الكاظم عليه السلام يؤكد علي العاملين الاسلاميين أن لا يسقطوا عندما يقول الناس عما يملكونه من الؤلؤ الفكري و الروحي و العلمي، أنه حصي، و أن لا ينتفخوا غرورا عندما يقول الناس عن الحصي الذي يملكونه أنه لؤلؤ، فلا بد أن يبقوا مع الواقع كيفما كان، و اذا كان هذا التأكيد موجها الي الذات في أنفسهم، فأننا نستوحي منه توجيها اليهم في تقييم الآخرين من قياداتهم أو أتباعهم ليكون الحق هو الأساس، و العقل هو المنطلق، لا الباطل الذي يتغذي بالعاطفة، و لا الانفعال الذي يقود الي الضلال.



[ صفحه 40]




پاورقي

[1] رجال الكشي ص 413.